العدد 1884 - الجمعة 02 نوفمبر 2007م الموافق 21 شوال 1428هـ

هل تتغلب الأحاسيس على القواعد والأنظمة عندما يضيع التعاطف؟

«لسه في الدنيا خير»... «الناس لبعضيها»... «ما خليت الحياه من الناس الطيبه»... وغيرها من العبارات التي يكتظ موروث الأمثال العربي بأشباهها، والتي غالبا ما ترتبط بردود فعلنا على مساعدة أو عون ومؤازرة تأتينا من حيث لا نعلم، ولعلها عبارات تتردد اليوم بإيقاع خاص، ولاسيما إن جاءت في سياق معالجة صخب حياتنا وتفاصيلها، وانشغال كل شخص بهمومه ومشاغله.

إذا ما تأملنا هذه العبارات انتابنا إحساس بأن نظام الحياة وقواعدها بدأت تفتقد الأحاسيس والتعاون بين الناس. فقد تغلبت علينا همومنا ورتابة حياتنا، منسية إيانا ما كان عرفا وواجبا في القديم، أو الوقوف مع أي محتاج من دون الحاجة حتى إلى أن تعرفه حتى إلى أن تعرف اسمه في بعض الأحيان.

فهل تتغلب طريقة حياتنا المكتظة بالهموم والمشاغل، ورتابة الحياة؟ هل تتغلب القواعد والنظم على حاجتنا إلى أن نكون معاطا، متعاونين، قادرين على تجاوز ما يفرض علينا، فنكون بذلك أكثر تعاطفا وأكثر إنسانية؟

ما من مجال اليوم لم تدخله برامجُ وقوانينُ لتنظيم أموره، فحتى الأماكن التي يتوقع فيها الإنسان التعاطف والمؤازرة في ضعفه - كالمستشفيات، ومراكز الرعاية الصحية مثلا - إذا ما ذهبنا إليها فإننا نجد أنها لا تستطيع أن تسيّر أمورها من دون جدول قوانين، ينظم الدخول والخروج، فترات المرور على المريض، والمدة المسموح بها للبقاء مع نزيل المستشفى... إلخ.

ولعل هذه القواعد أمر لابد منه، ولا يمكننا إنكار أهميته وضرورته، وخصوصا أن هذه الأماكن قد تكتظ بأعداد هائلة من الناس، جميعهم محتاجون إلى تلبيتهم بأسرع وقت ممكن، وبأدق شكل وارد؛ ما قد يجعلها ساحة من الفوضى في حال فقدت السيطرة على الأمور، فيما يجتهد كل منتسب إلى فريق عمل هذه الأماكن، ليؤدي عمله ضمن هذه القوانين.

إلا أن في زحام الناس والقواعد والموظفين، تضيع الحاجة إلى التضامن والمؤازرة، فينتظر المحتاج إلى الرحمة قلبا يتعاطف معه، أثناء أخذه علاجا، أشخاصا يتفهمون أنينه، ويتقبلون ضعفه، من دون أن يجدهم حوله؛ بسبب نظم تفرض عليهم/ تمنعهم التواصل الحقيقي معه.

يجد الكثيرون - وخصوصا من ينتمون إلى هذه المجالات الخدماتية - هذا النوع من التعامل مبررا وضروريا، فلا يمكن لطبيب مثلا أن يتفاعل مع كل حالة، ويؤازر كل مريض، ولا يمكن للممرضة أن تتفرغ للتعاطف مع كل سيدة تأن وتتوجع.

إلا أن في مقابل هذه المبررات المقبولة والمنطقية، هناك من يقول إن بذريعة القوانين فقدت هذه الأماكن رحمتها، وصارت كالآلات، تؤدي عملها، من دون أي تفاعل إنساني، وخصوصا أنها من أكثر الأمان التي قد يحتاج فيها الإنسان إلى قلب حنون. فالقلب وحاجته إلى الدعم نصف العلاج، ومن هذا المنطلق تأسست الكثير من مراكز العلاج في العالم التي تعتمد مبدأ الدعم النفسي لمريض لتحفيز جهاز المناعة لديه مثلا؛ لصد الأمراض.

ولا يعتبر قطاع الطب والخدمات الصحية المجالَ الوحيدَ الذي يعمل من خلال القوانين والنظم، على حين أن ما يحتاج إليه مرتادوه قد يفوق قدرات هذه اللوائح، فمجالات التعليم ورعاية المعوزين والأيتام وغيرهم، جميعها مجلات تحتاج إلى الإنسانية في التعامل، وتعاطف وضمير قد يفوق قدرة قانون ينظم عمل مركز ما.

أحيانا قد تتوه الأمور بين ضفتين، أفضلهما أَمَرُّهما، وأصحهما أبشعهما، فنلوم ونتألم، وننتظر التعاطف، وقد نستجديه، وعلى رغم تأييد الجميع ما ينظم الأمور - على الأقل ظاهريا - فإننا من دون استثناء أحد منا، نحتاج إلى ما يتفوق على الحاجة المادية ليصل إلى حاجتنا إلى الضمير والإنسانية. ولهذا لا تخلو الدنيا، دائما وأبدا من الخير.

العدد 1884 - الجمعة 02 نوفمبر 2007م الموافق 21 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً