العدد 1884 - الجمعة 02 نوفمبر 2007م الموافق 21 شوال 1428هـ

يوسف إسلام... من مغن إلى داعية

أهداه شقيقه «قرآن» غير حياته ولقب بمنشد الإسلام الأول

أحد أشهر وأهم مغني البوب الإنجليز، وكانت أغنياته تتصدر لوائح أهم الأغنيات في جميع العالم، أشهر إسلامه في الثمانينيات، وغيَّر اسمه، وصار من أهم الدعاة في إنجلترا والعالم الغربي، وله عدّة مراكز باسمه، ويشارك في الدعوة بقوة. عاد للغناء بشكل إسلامي، وشارك بأغنياته الإسلامية بالإنجليزية في الدعوة، وأصدر ألبوما غنائيا للأطفال؛ وذلك لتعليم مبادئ الدين الإسلامي في مدرسته.

أصدر أخيرا أغنية مهمة استخدم فيها الدفوف والإيقاعات النحاسية تحت عنوان «قطار السلام» Peace Train ضد الحرب على العراق، من تحدثنا عنه كان مغني البوب الإنجليزي سابقا والمنشد كات ستيفينز الذي دخل الإسلام وغيّر اسمه إلى يوسف إسلام.

«ألوان الوسط» اختارت أنْ تعرّفكم على يوسف إسلام مغني البوب العالمي والمنشد الإسلامي وتسلّط الضوء على رحلته من المسيحية إلى الإسلام.

رحلة البحث عن اليقين

ولد ستيفن جورجيو في 21 يوليو/ تموز 1947 في لندن في بيت مسيحي متعدد المذاهب، فقد كان أبوه يونانيا أرثوذكسيا، بينما والدته سويدية كاثوليكية، في الوقت الذي يعيش فيه المجتمع البريطاني طبقا لتعاليم الكنيسة الإنجيليكانية، أدخلته أمّه مدرسة دينية تعلم فيها أنّ الإنسان يمكن أنْ يصير إلها إذا أتقن عمله، فشجّعه هذا على إجادة الغناء؛ إذ إنه سجّل 8 شرائط قبل أنْ يبلغ العشرين من عمره، ووصلت إحدى أغنياته ضمن أفضل 10 أغنيات في بريطانيا آنذاك، فغيّر اسمه إلى كات ستيفنز، وهو الاسم الذي ذاعت به شهرته وأصبح يحلّق في آفاق أوروبا كلّها أثناء موجة «الهيبز» في ستينيات القرن الماضي ولم يكن قد تعدّى الثانية والعشرين من عمره بعد!

وعندما أتم عامه الثاني والعشرين أصيب كات ستيفنز بمرض السل الذي أقعده في الفراش معزولا عن الناس في أحد المستشفيات لمدة عام تقريبا عكف فيه على القراءة في كتب الفلسفة والتصوّف الشرقي وتمنّى لو أنه يعرف الطريق إلى اليقين الروحي؛ إذ كان يشعر بأن حياته بها شيء غير مكتمل على رغم النجاح الذي حققه، وفي النهاية قرر أنْ يعود إلى الغناء ولكن بمفاهيم جديدة تتسق مع ما قرأه في أثناء المرض.

وبالفعل حققت أغنيتاه «الطريق لمعرفة الله»، و«ربما أموت الليلة» نجاحا كبيرا زاده حيرة، فطرق باب البوذية ظنّا منه أنّ السعادة هي أنْ تتنبأ بالغد لتتجنب شروره، فصار قدريا وآمن بالنجوم وقراءة الطالع، ثم انتقل للشيوعية ظنّا منه أنّ السعادة هي تقسيم ثروات العالم على الجميع ولكنه شعر أنّها لا تتفق مع الفطرة، فاتجّه كات ستيفنز إلى تعاطي الخمور والمخدرات ؛ ليقطع هذه السلسلة الصعبة من التفكير بعد أنْ أدرك أنه ليست هناك عقيدة توصل إلى اليقين، وعاد إلى تعاليم الكنيسة التي أخبرته أنّ الله موجود ولكن يجب أنْ تصل له عبر وسيط، فأدّى هذا به إلى أن يختار الموسيقى دينا له يفرغ فيها أفكاره ومعتقداته.

الطريق إلى الإسلام

وتصادف حادث الغرق ومرض كات ستيفنز بالسل مع عودة أخيه من رحلة زار فيها القدس وأحضر فيها هدية له عبارة عن نسخة مترجمة من القرآن. ويحكي كات هذه اللحظة في مذكراته: «أمسكتُ بالمصحف فوجدته يبدأ باسم الله، فنظرت للغلاف فلم أجد اسم مؤلّف، حاولت أنْ أبحث فيه عن ثغرة أو خطأ فلم أجد، إنما وجدته منسجما مع الوحدانية الخالصة؛ فعرفتُ الإسلام».

وبعدها قرر كات ستيفنز السفر إلى فلسطين، ودخل المسجد الأقصى فأحسّ بالطمأنينة، وعندما رجع إلى لندن التقى بفتاة مسلمة صرّح لها برغبته في إشهار إسلامه فأخذته إلى المركز الثقافي الإسلامي بلندن، وهناك نطق بالشهادتين وأعلن إسلامه. وفي تلك اللحظة طوى الشاب الإنجليزي صفحة «كات ستيفنز» تماما وأصبح يعرف باسم «يوسف إسلام».

العزوف عن الغناء والموسيقى

وبدأ يوسف يتعمّق في فهم الإسلام عن طريق دراسة القرآن الكريم دراسة عميقة. فتوصّل بعدها إلى قناعة تامة بضرورة العزوف عن الغناء والموسيقى والتخلّي عن مهنته كمغن، فباع آلاته الموسيقية وهجر الموسيقى تماما. وسخّر دخله المادي في تأسيس مدرسة إسلامية تربي النشء تربية إسلامية وتعلّمه أموره الدينية، بالإضافة إلى التعليم النظامي العادي. وبالفعل انشأ المدرسة الإسلامية في كيلبرن بشمال لندن. ولقد تزوّج يوسف إسلام من امرأة مسلمة شاهدها لأوّل مرة في المسجد ولم يتحدّث معها من قبل. ولقد تمت مراسم زواجه على الطريقة الإسلامية.

وحرص على أنْ يتعلّم أطفاله الخمسة تعليما دينيا إلى جانب تعليمهم العادي. وربما كان أطفاله سببا رئيسيا قاده إلى الاهتمام بقضايا التعليم الإسلامي في بريطانيا.

التعليم الإسلامي

وبدأ يوسف اهتمامه بمسألة التعليم الإسلامي في بريطانيا في العام 1983 عندما أصبح رئيس وقف المدارس الإسلامية. فأسس في بادئ الأمر المدرسة الابتدائية الإسلامية ثم المدرسة الثانوية الإسلامية للبنين والبنات في شمال لندن. وطالب يوسف الحكومة البريطانية بتخصيص موازنة للمدارس الإسلامية أسوة بتخصيصها مبالغ محددة لمدارس الطوائف الدينية الأخرى كالكاثوليكية والانجليكانية واليهودية. ولم تستجب الحكومة البريطانية لطلبه هذا، ولكنه لم ييأس بل استمر في حملته إلى أنْ وافقت الحكومة البريطانية الحالية على طلبه وخصصت الموازنة.

الدعوة بالموسيقى الهادئة!

وبدخوله الإسلام اعتزل يوسف إسلام الموسيقى الصاخبة، إلا أنه عاد ورأى أنْ يستغل موهبته التي أعطاه الله إيّاها في خدمة الدعوة إلى الله فقام بتسجيل عدد كبير من الأناشيد الدينية التي ألفها بالإنجليزية مع تطعيمها بكلمات وجمل عربية لإكسابها روحا إسلامية عذبة، فبدأ منذ 1993 في تسجيل مجموعة من الألبومات وصلت حتى الآنَ إلى 10، وحرص في تلك الألبومات على إيصال قيمة ومفهوم الإسلام للمسلمين وغير المسلمين؛ إذ تضمنت هذه الشرائط أناشيد وأغنيات دينية ذات محتوى تثقيفي تعليمي.

فقدّم أول ألبوماته الإسلامية كمنشد بعنوان «حياة آخر الأنبياء» الذي روى فيه القصة الكاملة لحياة الرسول (ص)، كما تضمن أغنية «طلع البدر علينا»، وتلاه بالألبوم الثاني في العام 1997.

وبالإضافة إلى هذين الألبومين سجل يوسف إسلام عددا من الأغنيات الإسلامية للأطفال من أشهرها «هذا من أجل الله» التي تحوّلت إلى نشيد رسمي في عدد كبير جدّا من المدارس الإسلامية في بريطانيا، وقدم بعدها أغنيتين مع فريق الأناشيد الماليزي «ريحان»، وهما: «الله هو النور»، و«خاتم الرسل».

وتعليقا على هذه النوعية من الموسيقى والغناء شدد يوسف إسلام في اللقاءات التي أجريت معه على أنّ الإنشاد الديني وسيلة صالحة لمحاربة الموسيقى الفاسدة؛ فهو يرى أنه من غير الطبيعي أنْ يمنع الناس من الترفيه والاستمتاع بأوقاتهم، كما أضاف في أحد اللقاءات الصحافية: «إذا كنا نرى السوء في بعض الأشياء فعلينا مهمة توفير البديل الحلال ليستمتعوا به؛ فأنا أحرص دائما على أنْ تكون أناشيدي الدينية على نفس المستوى الفني والتقني لألبوماتي السابقة حتى لا ينفر منها أحد».

كما افتتح يوسف إسلام في سبتمبر/ أيلول 2002 مقرا إقليميا لشركة «جبل النور» للتسجيلات والإنتاج الإعلامي ذات التوجه الإسلامي في دبي، في خطوة استهدفت تعزيز نشاط الشركة في منطقتي الشرق الأوسط والأقصى، وتعمل «جبل النور» في مجال إنتاج المواد الإعلامية المسجلة على أسطوانات CD وDVD وأشرطة الفيديو، بجانب طبع الكتب والمؤلفات الخاصة بشرح ثقافة وقيم الإسلام.

وقد ركز يوسف إسلام على إيصال صوته إلى الأطفال انطلاقا من أنّ المجتمع الغربي مبتلى بحوادث عنف وقتل يقوم بها الأطفال، بسبب عدم ترسيخ روح الإيمان بالله في نفوسهم منذ الصغر، وهذا الأمر جعل يوسف إسلام يخصص شريطا للأطفال يعرّفهم فيه بالله، وسماه: (A is for ALLAH) وأرفق مع الشريط كتيبا صغيرا كتب فيه: «إنّ الطفل الغربي يتعلّم منذ اليوم الأول: (A is for Apple) ولكنني أريده أن يتعلم منذ الحرف الأول: (A is for ALLAH)؛ الأمر الذي سينعكس عليه في المستقبل».

ولم يقتصر العمل الدعوي ليوسف إسلام على الأناشيد والتعليم الإسلامي فيوسف يدير عددا لا بأس به من المؤسسات الخيرية الإنسانية، من أهمّها مؤسسة «العطف الصغير» التي تقدّم خدماتها في مجال رعاية الأطفال وضحايا الحرب في منطقة البلقان، وهي مؤسسة معتمدة لدى الأمم المتحدة، حيث مثل يوسف شخصيا المؤسسة في اجتماعات المؤتمر السنوي الخامس والخمسين للجمعيات غير الحكومية (NGOs) في سبتمبر 2002 بنيويورك.

كما يشرف يوسف إسلام على جمعية «عمّار المساجد» الدينية بجانب تأسيسه لعدد من الحلقات الدراسية للمسلمين الجدد في بريطانيا.

العدد 1884 - الجمعة 02 نوفمبر 2007م الموافق 21 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً