العدد 1884 - الجمعة 02 نوفمبر 2007م الموافق 21 شوال 1428هـ

بال كريشنا شيتي... بارك الله فيه!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

لو كنت مواطنا هنديا صالحا لطالبت على الفور بتكريم مفعم بالعرفان والتقدير لسعادة سفير جمهورية الهند الديمقراطية في مملكة البحرين السيد بال كريشنا شيتي المحترم، وذلك من دون أدنى تردد أو ترو باطل ينتقص من القدر العالي الذي يمثله هذا الإنسان الفاضل، والمواطن الهندي الأصيل «ابن الأجاويد»، ومن تفان عال وإخلاص بذله من دون انقطاع في تمثيل بلده العريق دبلوماسيا، وخدمة مصالحه القومية ومصالح مواطنيه في البحرين، والتي تضم لوحدها جالية كبرى أو بالأحرى مجتمعا متكاملا (Community) من مختلف الكوادر الفاعلة والمنظمة والمتنوعة في اختصاصاتها، ومن عمال كادحين لطالما نهضت على أكتافهم السفراء الناحلة تلك نهضتنا ونهضة سائر دول الخليج ونهضة بلدانهم العمرانية والجسمانية والاقتصادية الحديثة.

أفلا يستحق التكريم سفير متفان وممثل دبلوماسي صادق ورجل كهذا ذو خلق رفيع ومناقب عالية، ويحظى بـ «كركتر» هندي مميز شبيه بالماهاتما غاندي، ويتفرد بكاريزما فاقعة تتفجر من أطرافها ذروة المبادرات الرائعة والظهور الإعلامي الطاغي المقرون بنشاط ميداني واسع يتألق في صحافتنا المحلية الناطقة بالإنجليزية وغيرها من لغات، عسى أن يطغى السفير بال شيتي بشهرته تلك على النجمة الهندية الفاتنة شيلبا شيتي؟!

فهو «شيتي» حلاوة الغبطة و دفء السلوى في أوقات السراء والضراء التي عصفت وتعصف بأفراد المجتمع الهندي الكبير في البحرين بمختلف إثنياتهم وطوائفهم دونما تفرقة وتمييز، وهو ربما ما عجزت وتعجز عن مضارعته جميعا تلك الجهود الدبلوماسية الممثلة لمصالح بلادنا ومواطنيها في الخارج، ولا يعرف كلامي جيدا إلا المسافرون والمغتربون والمهاجرون والراحلون!

وقد يقول لي أخ عزيز إن جهود وتحركات السفير «شيتي» لصالح الهند ومواطنيها الهنود ينطبق عليها ولو بتعديلات شكلية طفيفة القول المأثور للزعيم العربي الراحل جمال عبدالناصر «ارفع رأسك أخي فقد ولى زمان الاستعباد» أو ربما بأشعار الأمير خالد الفيصل «ارفع راسك إنت سعودي.... غيرك ينقص وإنت تزودي» وذلك بعد استبدال «سعودي» بـ «هندي»! ولكنني سأضيف الكثير على مثل تلك الشعارات الساحرة والثمرات الإنشائية البليغة التي عرفناها وأدمناها واعتززنا بعصيرها حد الثمالة، وقد سبقتها الهند بجهود جبارة حثيثة وخطى سريعة لم تهدأ، وهي إن كانت قد خاضت تجربة ملحمية طويلة وخالدة في التحرر من ربقة الإمبريالية الإنجليزية الشمطاء، وأصبحت أكبر ديمقراطيات العالم ومن أكثرها عراقة، إلا أنها أبت إلا أن تواصل صعودها الحضاري المهيب، فتحمل في كفها من جهة عوامل نهوضها ومقدراتها البشرية والاقتصادية والتكنولوجية العلمية والعسكرية فائقة التطور، وفي الكفة الأخرى التي لا تهون تبرز تحديات تاريخية ومزمنة لطالما واجهها المارد الهندي بعلو مراس وشكيمة باعثة للإدهاش كتحدي التعددية اللغوية والإثنية والدينية والطوائفية والثقافية غير القابلة للحصر والتحديد، وتحديات التكلس البيروقراطي في المفاصل والعروق المؤسساتية الهندية التي يعزوا بعض البحاثة الهنود استفحالها إلى تركة عهد الراحل نهرو، وتحدي الفقر ونظام التقسيمات الطبقية الاجتماعية الحادة والمعقدة التي أرستها شرائع وقيم هندوكية تضرب بجذورها آلاف السنين! إنها الهند يا عزيزي ذاك المخزون البشري الفوار الذي ينتثر كوادره في أرقى وأعرق الجامعات والمستشفيات المؤسسات المالية والإعلامية والمعاهد التكنولوجية الحديثة في مختلف أنحاء العالم ويتقلدون فيها أعلى المناصب، ناهيك من المناصب القيادية السياسية في الكثير من بلدان العالم الأخرى كجزر فيجي وسنغافورة وغيرها الكثير، وبمثل ذلك الصعود الحضاري المهيب بدويه العالمي المذهل تزداد قيمة المواطنة الهندية، وترتفع إلى الأعلى على أكتاف الدبلوماسية النشطة والمخضرمة لتفرض شروطها واملاءاتها على الجميع شاء من شاء وأبى من أبى، وهو من كامل حقوقهم علينا وإن كان من حقنا على أنفسنا الكثير والكثير، ولا خلاف على ذلك الكلام طالما لم نحسن أوضاعنا ونتخذ قبلها تدابيرنا الداعمة واحتياطاتنا الوقائية! كما أنني أرى بأنه ومع طول مكوث الإخوة الهنود بيننا سنين طوال في بلادنا ومشاركتهم إيانا في «الحلوة» و»المرة» من حقهم المطالبة بأن تكون لهم حقوقهم السياسية التمثيلية قبل أن تنادي بها المنظمات والهيئات الدولية، فما الذي ينقص ذلك المجتمع الحي النابض بكوادره وأفراده الذين يفوقون جميعا المئتي ألف نسمة، وبمدارسه ومؤسساته وجمعياته وأنديته التي تناهز الخمسين وربما أكثر، وبصحفه واسعة المقروئية، وبزنوده الاقتصادية المتينة أو قل تحويلاته المالية الهائلة إلى بلده الأم؟! ربما لا تنقصه سوى قشرة سياسية تعطى له، أو ربما مواطنة كوبونية تقذفها «لوثة التجنيس» عند قدميه!

من حق السفير الهندي ومن أمثاله المخلصين والأكفاء الناشطين الكثير ممن يضعوا مصالح بلادهم ومواطنيهم على رؤوسهم أن يطالبوا ويفرضوا شروطهم بزيادة رواتب مواطنيهم زيادة معتبرة، وتحسين ظروفهم وأوضاعهم المعيشية والمعنوية والنفسية خصوصاُ مع الآثار الوخيمة التي جلبها التضخم في بلادنا على الأوضاع المعيشية وعلى مواطنينا ومواطنيهم!

جهود السفير الهندي التي ترأف بحال مواطنيه وترفع من شأنهم وقيمتهم المستحق تتناقض جوهريا مع ما يمارسه بعض الكبار والمتنفذين من أبناء البلد من ضغوطات هائلة على الدول التي بها عمالة بحرينية لـ «تنقيص» وتخفيض الرواتب والمعاشات التي تنالها هذه العمالة في تلك البلدان، فهي أبدا «مو كفو حشيمة واحترام»، وكلما أذللتها وابتززتها بأرزاقها كلما التمع لكم خضوعها وإذعانها، فجميع الأسعار تعلو عليها، ومن الممكن أن تقبل هذه العمالة أن تعيش حتى على «الطل»، والبحريني المحترم فقط هو البحريني «الطبال»!

المساعي المستحثة في تدبيرها المؤسساتي بالهند لتوزيع الفوائض الاقتصادية على أماكن العوز والحاجة الاجتماعية، ولملء سائر الفراغات والفجوات الكبرى من المحرومين، لا يمكن مقارنتها أبدا باستمرار قيمة الإنسان والمواطن البحريني في الإيغال بالانخفاض، وبالممارسات الحاصلة في ظل ازدهار ونمو ورخاء معلن من إرسال طلبات التوظيف إلى الخارج من دون مبرر، والتكرم على المواطنين بزيادات طفيفة للرواتب تذله معنويا أيما إذلال ولا تسنده للانحناء على الأقل أمام عاصفة التضخم! فما زال الإنسان والمواطن البحريني يستحق الكثير والكثير مما هو معلق ومحمل على رقبة الدولة ومواردها وفوائضها، ومازالت الحاجة مشتعلة لإحياء مؤسسات حيوية خلاقة بدلا من استعادة تركة إقطاع مؤسساتي بالي، ولإطلاق جهود وآليات تضامنية اجتماعية - اقتصادية فعالة تخفف الوطأة على الطبقة الوسطى الموشكة على التفتت والانسحاق!

ففتات الطبقة الوسطى قد ترسب ثلاثة أرباعه قاعدة واسعة ومدلهمة لطبقة كادحة ومعدمة تحمل على رأسها أثقال تشوهات بنيوية موغلة في التشظي والانفصام، في حين حافظ عُشرٌ متبقي على موقعه، وإن تقدم بأشواط مديدة نحو الأعلى ليكن طبقة «وصخة» أو طبقة كالحة من المتسلقين والمتزلفين بديلة لـلطبقة الوسطى، ولتكن خير «عصعص» متدل لــخير قفا «أرستقراطية»، فكانت في رواية أخرى برجوازية «أراجوزية»! أقول ما خاب أبدا حظ من ينادي في هذه البلاد على مسمع العباد بحاجتنا إلى ثلاث طلقات لا رابع لهما، إحداهما وزيرا لشئون العمالة البحرينية في الخارج، وأفضل هذه المرة أن يكون هنديا تم تجنيسه ليواكب تأسيس وتأثيل تلك التجربة الرائدة خليجيا، وثانيها تنظيم مسابقة لاختيار لقب آخر للبحرينيين بدلا من «هنود الخليج» عديم المنفعة والواقعية والجدوى، وليكن مثلا «بنغالية الخليج» أو «فلاشا الخليج» وغيرهم!

أما الطلقة الثالثة والأخيرة فأستمدها من ما رواه لي أحد الأصدقاء الأعزاء عن نائب مغوار طالب بعض أفراد الشعب بحماس أن يزيدوا رواتب خدمهم إلى ما دون المئة دينار بحريني، فلما سأله الشعب عن مدى تطبيقه لنصائحه الحقوقية تلك على نفسه، فزعم حينها بأنه يمنح خادمته 60 دينارا ويضيف إليها أربعين دينار أخرى من دون علم حرمه المصون، عسى أن يكون المبلغ بالتمام والكمال مئة دينار.

أفلا يستحق شعبنا المسكين جزيل العطاء لا من نائب عطوف شفوق رؤف كصاحبنا، أو من «تقاة» و»ورعين» يبتزونه بـ «خياش العيش» و»ادباب الدهن» ويطبقون عليه «الدوام المرن» للزكاة في فترة الانتخابات البلدية والنيابية، وإنما فليكن مثلا «بابا نويل» يزوره ليلا في شتاء الحرمان، ليدخل له من مدخنة أحلامه الملتهبة، ويضع في جيوبه الفضفاضة، ومن دون علم منه أرصدة «الأبيال» والأقساط التي تم سدادها، وما يكفيه ويسد حاجته ويخفف عليه شحوب القطاع العام وزنوجة القطاع الخاص؟!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1884 - الجمعة 02 نوفمبر 2007م الموافق 21 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً