العدد 1892 - السبت 10 نوفمبر 2007م الموافق 29 شوال 1428هـ

أملاك الدولة... غياب التشريع وسوء التوزيع

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

قد يستغرب البعض أو يُصاب بالدهشة حين القول إن المشكلة في بلدنا ليست في مقدار الثروة أو الدخل؛ فإجمالي دخل البحرين المحلي أكبر من الكويت مقارنة بعدد السكان؛ ومتوسط دخل الفرد في البحرين أكبر من متوسط دخل الكويتي في بعض السنوات، بحسب بعض تقارير الأمم المتحدة الإنمائية، ولكن هنا سوء توزيع على مستويين، على مستوى الثروة الطبيعية متمثلة في الأراضي بالذات، وسوء توزيع الدخل من الناتج المحلي الإجمالي.

سوء التوزيع هذا أنتج التفاوت الفاحش في المستوى المعيشي ومتطلبات الحياة لدرجة وجود فئة قليلة تبدد الأموال الطائلة على الألعاب والترفيه، وفئة مطلوب منها الاكتفاء بالأكل والشرب، ولكن تعجز عن توفير السكن الملائم أو التعليم الجامعي لأبنائها. سوء توزيع إجمالي الإنتاج المحلي بين أطراف الإنتاج، وسوء توزيع المصادر الطبيعية للثروة، كلاهما له علاقة وثيقة بالآخر والتفاوت الحاصل لدينا في المستوى المعيشي.

الناتج المحلي الإجمالي السنوي للفرد، يفوق الكثير من دول الخليج، منها الكويت وقطر والسعودية، ولكن التوزيع غير المنصف، جعل البحريني «هندي الخليج» بدلا من أن يكون تاج رأسه. إن نصيب الفرد في البحرين من الناتج المحلي الإجمالي - بحسب تقرير التنمية البشرية للعام 2006 - بلغ 207568 دولارا سنويا، على حين الكويتي 19384 دولارا والقطري 19844 دولارا، والسعودي 13825 دولارا، ولم يتفوق خليجيا على البحريني سوى الإماراتي إذ بلغ نصيبه من إجمالي الدخل المحلي السنوي 24058 دولارا. ولكن أين آثار هذا الدخل الكبير على البحريني؟

عدم وجود التشريعات الكافية، وضعف التطبيق النزيه لما هو موجود منها، أكبر المشكلات التي سببت هذا الاختلال الهيكلي فنتج منه تفاوت وفقر مع وجود وفرة في الدخل والثروة، فمن أسباب سوء توزيع الناتج المحلي، فتح الباب لأرباب العمل لجلب العمالة الأجنبية ذات الرواتب المنخفضة، حتى يمكنهم ملء جيوبهم بأكبر قدر من الربح، وبالتالي يتأثر دخل المواطن الذي يعجز عن منافسة الأجنبي في القبول بانخفاض الراتب، إلى درجة أن هذه المعضلة - بحسب دراسة مكنزي - أدت إلى تقلص أجور العمال البحرينيين بنسبة 22.5 في المئة خلال الفترة من العام 1990 إلى العام 2002م، ولا يوجد في الأفق حل حقيقي لهذه المشكلة الهيكلية.

أما سوء توزيع الثروة الطبيعية، فمن يُحظى بنصيب وافر منها، كتملك أراضٍ ذات مساحات كبيرة في أماكن مهمة كالمنامة، ينل دخلا يفوق الخيال من دون مشاركة فعّالة منه في الجَهْد التنموي؛ إذ يكفيه تأجير بعض أراضيه أو مشاركة الآخرين في مشروعاتهم المنتجة بواسطة ما يمتلكه من أراضٍ امتلكها أو ورثها عن آبائه بواسطة النفوذ السياسي.

هذا هو الحاصل في البحرين، ففرد واحد من كبار المتنفذين، تم تمليكه في فترة سابقة، أراضي شاسعة، وخصوصا مما تم دفنه من البحر سابقا في منطقة المنامة، وأراضيه تكفي لتوفير السكن لما يقرب من 7 آلاف عائلة، وهذا معروض في أحد المواقع الإلكترونية بالوثائق الرسمية الحكومية.

إن ما يبعث على الشعور بالغبن، أن التفاوت الفاحش في الدخل والمستوى المعيشي سببه سوء التوزيع، وليس بسبب التفاوت في الجد والاجتهاد ومستوى الذكاء أو القدرات البدنية والفكرية. لقد وصل الأمر بسوء التوزيع في بلدنا إلى درجة لا تطاق، إلى حد سد البحر عن أهله، واستفراد بعض المتنفذين وأسرهم بكل أنانية، بالسواحل واستنشاق هواء البحر والاستمتاع بمنظره وأصوات أمواجه من دون أهله. هذا ما حدث لبعض القرى، فبعضها تم الاستيلاء التام على الساحل، ولم يُترك لهم حتى منفذ بسيط، كقرية صدد، وبعضها تُرِكَت لهم مسافة بضع أمتار يلجون منها إلى البحر، كقرية جنوسان. وبحسب علمي، إن هذه المساحة أيضا قامت متنفذة بوضع يدها عليها، بمعنى أن في أية لحظة يمكن أن يُسد هذا المنفذ بجدار، فتفصل بين أهالي جنوسان وبحرهم.

الحكومة - إلى جانب غياب المراقبة والمساءلة بغياب المجلس الوطني طيلة ما يقرب من العقود الثلاثة الماضية - استفادت من عدم وجود تشريعات تضبط تصرفاتها في الأملاك العامة (أملاك الدولة). فمع أن الدستور أكد أن التصرف في هذه الأملاك يجب أن يكون وفقا لما يبيّنه القانون، ولكن المشكلة الرئيسية التي تنطبق على الكثير من مواد الدستور، هي عدم وجود قوانين توضّح كيفية تفعيل هذه المواد، وبغياب القانون، تضعف أدوات مساءلة الحكومة أو إثارة الإشكال بشأن تطبيقها مادة دستورية في مثل هذه الحال.

مربط الفرس - كما يُقال - هو المادة (107 بند ج) من الدستور، ونصت على الآتي: «يبيّن القانون الأحكام الخاصة بحفظ أملاك الدولة وإدارتها وشروط التصرف فيها، والحدود التي يجوز فيها التنازل عن شيء من هذه الأملاك». ولكن أي قانون هذا الذي التزمته الحكومة حين وزّعت أراضي الملك العام ولم تبقِ منها سوى صُبابة كصُبابة الإناء؟ الجزء الأكبر من المشكلة، أن الدستور يتحدث في الهواء؛ إذ لا يوجد - بحسب تحري الكاتب - هذا القانون الذي يتحدث عنه الدستور بحيث يبيّن كيفية التصرف في أملاك الدولة، إلا بعض المراسيم الخاصة بتقسيم الأراضي المعدة للتعمير والتطوير كمرسوم بقانون رقم (3) لسنة 1994.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1892 - السبت 10 نوفمبر 2007م الموافق 29 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً