العدد 1903 - الأربعاء 21 نوفمبر 2007م الموافق 11 ذي القعدة 1428هـ

معـلم الـيـوم غـير

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

من خلال دراسة أوضاع المعلمين اليوم نجدهم يتفهمون بصورة أكبر واقعهم الحالي أكثر من أي وقت مضى ويتضح من خلال دراسة أوضاعهم أنهم إذا بقوا على ما هم عليه من وضع محبط فربما يتحول الأمر إلى وضع أسوأ مما هو عليه مستقبلا، فكل الدلائل تشير بشكل لا يقبل المجاملة أو المداراة إلى أن هناك إحباطا قائما في صفوف قطاع المعلمين، وأن هناك عدم رضا على واقعهم الحالي وأن أوضاعهم تسير من سيئ إلى أسوأ، على الأقل فيما يتعلق بالجانب النفسي، وبالتالي يحتاجون منا على صعيد الخطط والبرامج التربوية إلى اهتمام واعتناء أكبر بهم، وأيضا مشاورتهم والأخذ بآرائهم وخصوصا فيما يتعلق بمستقبلهم المهني وأوضاعهم المهنية.

فأوضاع المعلمين اليوم لا تحتمل إقصاء أكثر مما هو عليه، فهناك دوام مرن أشار إليه الوزير قبل أسبوع على الأقل من انتهاء العطلة الصيفية، وهذا يعني مزيدا من الوقت يقضيه المعلم داخل أسوار المدرسة وبين جدران الصفوف المدرسية الأربعة بلا عوائدَ ماديةٍ، وهذا يعني أيضا أن حواجزَ نفسية متينة تبنى بينه وبين وزارته التي ينتمي إليها وصاحبة القرارات المصيرية في حقه، فهناك مسئوليات وأعباء إضافية على عاتق المعلم وربما هناك أخرى لم يتم الإفصاح عنها وإعلانها أو في طريقها، ومهمات أخرى تراكمية سبق أن عرفها المعلم في الأعوام السابقة وحملها معه في الإجازة الصيفية وثقل همّ حمل المسئولية على ظهره، من دون النظر إلى ضرورة تحسين الوضع المعيشي للمعلم.

هناك مسئوليات تتكاثر وهموم تزيد، ووضع مادي لا يتناسب مع حجم ما يلقى عليه من تبعات. أصبح التدريس هما ثقيلا لا يمكن حمله، ففي السابق كان غالبية أبناء المعلم يرغبون أن يكونوا معلمين، أما الآن فابن المعلم لا يطيق أن يكون معلما وقِسْ على ذلك. أظن أننا في يوم من الأيام سنقف ننظر إلى موضوع مهم وهو كيف نوفر حاجات المدارس من معلمين مع العزوف الشديد لمهنة التعليم!

على الوزارة أن تضع من الآن خططها الاستراتيجية؛ بهدف التمسك بمعلميها المخلصين، وضمان بقائهم في الميدان التربوي، فهناك الكثير من المعلمين قد استغنوا عن وظائفهم، وهناك الكثير منهم قد تقاعدوا تقاعدا مبكرا، وهناك الكثير من الذين يفكرون في التقاعد المبكر من الآن من خلال شراء سنوات الخدمة، وهناك من يحاول جاهدا البحث عن فرص وظيفية أخرى في الوزارت الأخرى بعيدا عن ضجيج التدريس. ليس من المعقول أن تظل الوزارة متمسكة بكونها ليست الجهة الرسمية المعنية بتحسين وضع المعلم، فالمعلم لا يعرف ممثلا رسميا له سوى وزارته، وعليها أن تتحمّل طموحهم وأمانيهم، وعليها أن تبحث عن السبل الكفيلة التي تضمن تحقيق كل ما هو جيد وإيجابي لصالح المعلم، وإذا عجزت الوزارة عن حمل هذه المسئولية فلا يمكن لها أن تفرض مسئوليات أكبرَ على ظهر المعلم المتعب.

كما أن على الوزارة أن تنسق في التصريحات الرسمية؛ لأن هناك من القطاع نفسه من يتلقفها ويحللها والكلمة عندما تصدر لا يمكن استرجاعها تماما كالطلقة النارية لا يمكن إرجاعها إلى مكانها، فالزيادة المقدرة بـ15 في المئة لم نسمعها من تصريحات وزارة التربية والتعليم، بل سمعنا أنهم لا يملكون إقرارها والمسئول عن ذلك ديوان الخدمة المدنية، وعندما أصدر ديوان الخدمة المدنية بيانا يؤكد ذلك جاءت الوزارة لتبيّن جهودها في ذلك. الأمر غير محمود، ولايزال هناك إصرار على الزيادة المقدرة بـ30 في المئة لا 15 في المئة، والبعض يذهب إلى أكثر من ذلك من خلال الإمعان والتحليل.

ليس من الحكمة بمكان أن يساوم المعلم على زيادته، بعد أن أقرت بنسبة 15 في المئة جاءت بنسب مختلفة بحسب درجة ورتبة كل موظف. كان من المفترض أن تطبق كما أقرت بلا نقصان حتى تخفف من الاحتقان القائم، إذ لا أبالغ حينما أقول إن 15 في المئة أقل القليل في حق المعلم، وكلنا نشهد بذلك؛ فالمعلم يجب أن يُقَدَّر ويُفْهَم دوره كبقية الوظائف الأخرى، وعلينا من الآن أن نضع التدابير الكفيلة بجذب الطاقات الواعدة إلى الحقل التربوي. يجب ألا نعمل على تنفير الكوادر من خلال خطط غير مدروسة.

نحتاج إلى وقفات صادقة وعلينا أن نراجع أنفسنا بين الفينة والأخرى، وعلينا أن نستمع إلى هموم المعلم وإلى أوجاعه، علنا أن نساهم في إيجاد حلول مناسبة، فكما أن الطبيب يستمع إلى مرضاه قبل أن يكتب الوصفة الطبية، فعلينا أن نكون الطبيب المعالج لأوجاع معلمينا وعلينا ألا نكون بعيدين عن همومهم فالهم واحد، وكلنا لدينا أبناء في المدارس يتربون على أيدي معلمين محبطين ليس بعيدا أن تنتقل إليهم هذه المشاعر بصورة غير مباشرة، من خلال التعليم المصاحب. ألم أقل لكم إن معلم اليوم غير، مختلف كل الاختلاف، وإننا تعلمنا على أيدي معلمين محبين لمهنتهم نجحوا في زرع هذا الحب بقلوبنا، فأردنا أن نكون مثلهم، ولكن الوضع تغير، وعلينا معالجته فالتفرج وحده لا يكفي

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1903 - الأربعاء 21 نوفمبر 2007م الموافق 11 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً