العدد 1904 - الخميس 22 نوفمبر 2007م الموافق 12 ذي القعدة 1428هـ

بدر الرويحي: أشعر أنني في ورشة عمل دائمة

تذهب تجربة الشاعر بدر الرويحي، عميقا في التجريب والمحاولة. هو لا يركن إلى الصيغ الجاهزة والمكررة، يبحث دائما عما يضعه بالاختلاف والمغايرة. لم يكن مفاجئا لي يوم أن أسرّ في حديثة إلى «ريضان» بأنه في «ورشة دائمة» بكل ما ترمز إليه الورشة من اشتغال وانكباب وإعادة محو وشطب. لا نغالي حين نقول أن الرويحي يمثل واحدة من التجارب الكبيرة والمهمة في القفصيدة الشعبية في مملكة البحرين، بل ويتجاوز بتلك الأهمية مساحة خارج حدود وطنه مملكة البحرين. «ريضان» اقتحمت عزلته لتخرج بهذا اللقاء:

*تبدو العزلة جزءا محصِنا لمشروعك الشعري... ما الذي يدفعك إلى هكذا نوع من التهلكة؟

- دعنا نتفق بداية على أن العزلة ليست إلا عزلة عن النشر والمشاركة في مسرحية هزلية كبيرة جدا بعيدة كل البعد عن الشعر... العزلة تلك علمتني التأمل، علمتني أنني جاهل بكل شئ، علمتني أنني لست إلا تلميذا في عالم الشعر أحاول، أجاهد، أخرب، أجرب هنا وهناك لعلّي أفكك الكون لأعيد صوغه من جديد. علمتني أن الشعر مسئولية كبيرة والدخول إلى النص مسئولية أكبر، وأن الكتابة بحاجة إلى جرأة كبيرة كي نقدم عليها... كل هذا في جهة مقابلة للنقيض مما تراه أمامك يوميا في ذلك العرض المعاد/ المقرف/ المكرر من المسرحية اللاشعرية. فإن كنت ترى أن تلك تهلكة سيدي، فحبذا هلاكٌ من دون الشعر ولا مُلْكٌ خائب من دونه.

*أنا شخصيا أصبت بمفاجأة وإعجاب بتحولك المذهل والرائع والمختلف إلى النص العمودي... بلغة لا تشبه أي لغة تلك التي تكتب بها نصك. ما الذي حدث ... بعد تجارب مغايرة؟

- أزعم أن للوصول لحالة التمكن من كتابة الشعر يجب على الكاتب أن يخوض ثلاث مراحل للكتابة، مرحلة ما قبل النص، ومرحلة النص، ومرحلة ما بعد النص، وفي كل تلك المراحل الثلاث هناك جهد مختلف يجب أن يلتفت إليه الكاتب. أن تكون قارئا مختلفا لكل ما يحيط بك، وأن تعمل جاهدا على فهم الشعر وفلسفته وأن تحاول باستمرار شحذ أدواتك الشعرية، فهذا هو جهد ما قبل النص وهو جهد لا يتوقف مطلقا بل يتنفس معك في كل لحظة تعيشها. فإن بذلت ذلك الجهد، قد تتحصل على الجرأة التي تسعفك للدخول إلى النص وسبر أغواره، والذهاب إلى الإيمان المطلق بأنك لست إلا موصل/ رسول لهذا الشعر الذي يأتيك متى وكيفما شاء من عالمه المجهول، أو كما قال أوشو بذكاء واصفا الشاعر بأنه ما هو إلا قصبة يمر من خلالها النغم ويخرج من الجهة الأخرى، لذا كي تكون موصلا جيدا وقصبة نقية عليك أن تتطهر من كل هذا الهراء الذي ينتشر كالعفن في كل مكان، عليك أن تنظف قصبتك من الشوائب كي يمر من خلالها الشعر بسلاسة وإبداع.انتهاء بالجهد الذي تبذله في ما يطلق عليه «المطبخ الشعري» أو جهد ما بعد النص، وذاك فيما تمارسه من وعي شعري تجاه الدفق الذي انساب من خلالك على الورق وتقوم فيه بوضع اللمسات الأخيرة التي تجعلك تؤمن بأن النص «انتهى». هذا ما أحاول أن أقوم به باستمرار، فإن انعكس هذا على تجاربي الأخيرة فهذا ما أسعى إليه بكل صدق.

*تجربتك مع «قطوف» و»حياة الناس» لاشك تركت أثرا في تجربتك... حدّثنا عنها.

- تلك تجربة عرّفتني على أساتذة الشعر عن قرب، وأن هناك أشخاصا لا يمكن أن يلوثهم أي شيء وآخرين لا يمكن أن يغسلهم أي ماء، علمتني الالتزام والتأني والصبر وأن الشعر لا يمت بصلة لأغلب ما نراه في الصحافة والتي تتعامل بالأرقام والأرباح شأنها شأن أي منتج تجاري، وأن المناصب قد تقتل الشعر بكل بساطة.

*أريدك أن تقرأ المشهد الشعري البحريني. ما الذي يعلق بذاكرتك منه؟

- لا شيء سوى القليل من الجهود الشخصية والتي تعمل على مشاريعها الشعرية الخاصة. أما أجمل ما تجده هنا أنك عندما تكون في عزلة لن تجد أن هناك من يأتي لإزعاجك!! هنا لا تجد من يسعى لصناعة النجوم كما قال خالد الشيخ حين صدق، وأضيف أنه لا يوجد هنا من يؤمن بوجود النجوم أيضا، ومن المفارقة أننا نحسن التطبيل والتصفيق لكل ما يأتي من الخارج لامعا براقا ولو لم يكن ذهبا.

*أستعير هنا جزءا أو حكمة من سيناريو فيلم (Platoon) : «الجحيم هو انعدام المنطق» كيف تقرأ جحيمك الخاص... كيف تقدم منطقك الخاص؟

- أشعر أنني في ورشة عمل دائمة، صدقني إن قلت لك بأنني أزعم أن في داخلي خلية نحل/ شعر متناهية الكبر... أصاب بالكثير الكثير من اللسعات/الجحيم ولكنني أتعلم ألا تصيبني لسعة في المنطقة نفسها مرة أخرى. أكتب متى ما شاء للشعر أن يأتي، فإن حمل النص عسلا/ منطقا خاصا بي، يتشكلني طعما وتنبعث منه رائحتي، فذلك أسمى ما أطمح إليه.

*هل ما قبل النص «جحيم»؟ هل ما بعد منطقه يموت؟ كيف تعقد موازنة في معادلة شائكة ومضطربة؟

- بل ما قبله جهد ممتع حد التحليق وما بعده جهد آخر مستمر متعته مختلفة في البحث عما هو متجاوز وإبداعي ومغاير. أن تستمتع وأنت تتعلم الكتابة فذاك يعني أنك ستصبر على كل التعب ولو كان جحيما لا يطيقه من يستسهلون الكتابة. أن تحب الكتابة لا يعني بالضرورة أنك تكتب بحب، ولكن إن تحصلت على هذا وذاك فلا شك أنك ستفلسف منطقا يحيا به النص لأزمنة. المعادلة شائكة ولا ريب واضطرابها ما هو إلا أمر صحي يسعى إليه الكاتب كي يتفجر وينتج كتابة مختلفة. أنا أسعى إلى العمل ضمن نظرية الفوضى والتي تنص على أن كل نظام يبدو فوضويا في ظاهره، في حقيقته هو مبني على تناغم وترتيب خفي، وهذا الإيمان يجعلني أتحرك ضمن مساحة كبيرة من الحرية لا حدود لها لعلّي أتشكل في منظومة إبداعية يوما ما.

*نصوصك في بنيتها تميل إلى استفزاز ما. أو بالأحرى استفزاز يعرّي المستهلك من النصوص. ماذا تقول؟

- النص بشكل عام مسئولية، والكاتب يجب أن يعي مسئوليته تجاه النص كما أن المتلقي يجب أن يؤمن بأنه هو الآخر مسئول عن النص من جهة أخرى. أن تجد نصا يستفزك كقارئ فهذا يعني أن الكاتب قد بذل جهدا حقيقيا وعمل بمسئولية كبيرة تجاه ذلك النتاج/ النص. ألا يستدعى ذلك بالضرورة أن يبذل المتلقي جهدا هو الآخر لكي يقرأ ذلك النص المغاير بشكل مغاير؟ إن كان الجهد الذي يبذله القارئ في قراءة نص لا شعري هو الجهد ذاته الذي يرغب في بذله في قراءة الشعر فما الفرق بين هذا وذاك إذا ؟!.

*لاشك أن لك قراءتك الخاصة في مجمل ما يدور في الساحة. وتحديدا ما يشبه الانهيار الدرامي في جمعية الشعر الشعبي. الاستقالات الجماعية. ما الذي يحدث هناك؟

- كنت ضد مصطلح «ساحة « شعرية، فالمفردة تشعرني بأن الساحة هي مساحة للتناطح ربما أو لاستعراض العضلات على أقل تقدير، ولذلك ما آل إليه حال الشعر هو أنه انجر - وأعني الحال لا الشعر ذاته - انجر خلف ذلك المصطلح بتفسيراته وأصبحت المسألة مشاحنات/خلافات شخصية/ تصفية حسابات/ .. الخ، وأنا لا أتحدث عن حال الشعر في البحرين بالضرورة بل هذا ما يحدث عموما وأنت أعلم مني بما يدور هنا وهناك. في النهاية، إن كانت الانهيارات تحدث بسبب خلل في القاعدة، فلتحدث إذن اليوم قبل الغد، فعلى الأقل أن تكتشف موطن الخلل أفضل من أن تستمر في السكوت عليه. البدايات الجديدة هي الغد المشرق، والأساسات المتينة الواضحة هي لبنة المستقبل، فإن كنا سنؤسس ونترك شيئا لمن سيأتي بعدنا، فليكن شيئا ذا قيمة حقيقية صادقة بعيدا عن المآرب الذاتية والمصالح الشخصية.

*نصوصك تتجه إلى نخبة النخبة. ألا يشغلك القارئ الذي لا يملك إمكانات تدفعه إلى أخذ مكانه في صفوف النخبة؟

- من دون تواضع كاذب ومن دون غرور مصطنع، أنا لا أهتم مطلقا إلى من يذهب النص، ولا أكترث بتاتا في أن يكون نصي مقروءا أو مكروها أو محط حسد الشعراء والكتاب أو موطن إعجاب المراهقات والعذارى، فأنا لا أكتب الشعر لأي شيء من هذا ولا ذاك. أنا أكتب كي أتنفس، أكتب لأنني لا أستطيع أن أحيا من دون الكتابة، أكتب كي أشعر أنني بدر الرويحي الذي يحاول أن ينجز كتابة مغايرة ولو لم ينتبه (لها) أحد.

*عودة إلى العزلة... الا تكشف عن خلل ما؟ خلل في المكان... الزمان؟

- العزلة ليست إلا ثورة على عالم النشر الذي استسهله الغالبية من كتّاب ومعدّين، كان النشر في ما سبق هو بمثابة بطاقة تهنئة للشاعر على أنه كتب نصا «يستحق» النشر. الآن بات النشر لا يستحق من يكتب شعرا. وتلاحظ أنني عندما أقول شعرا لا أضيف كلمة حقيقي أو صادق أو غيرها من الصفات التي لا أرى الشعر بحاجة إليها كي نتعرف عليه. الشعر هو الشعر وما دون ذلك لا يستحق أن نطلق عليه هذه الصفة.

*هل تذهب إلى عزلتك مستسلما لها أم تملي عليها شروطك؟

- بل قل أنني في حال صفاء وسلام مع عزلتي / ذاتي هنا. لا أدعّي بأنني أكتب نصا جميلا أو رائعا أو حتى جيدا، أزعم فقط أنني أخلص في كتابة النص بعيدا عن أي قيد.. أشعر بحرية كبيرة في الدخول في تجارب جديدة علّها تكون مغايرة عن كل ما هو مكرّر وبائس ومبعثر في الأجواء.

*ما هو جديدك منها (من العزلة).

- القليل من النصوص التي أنجزتها والتي باتت تأخذ وقتا طويلا كي تنتهي. في الغالب أنجز نصّين إلى ثلاثة نصوص في العام، وأحيانا هنالك نص يأخذ أكثر من ذلك أيضا. سأختار لك نصين/ « ثرثرة تتكئ على سقف» و» غفلة».

العدد 1904 - الخميس 22 نوفمبر 2007م الموافق 12 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً