العدد 1905 - الجمعة 23 نوفمبر 2007م الموافق 13 ذي القعدة 1428هـ

رئاسة لبنان في مجال «الفراغ الهادئ»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

فشل النواب في انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية ضمن المهلة الدستورية التي انتهت منتصف ليل أمس. عدم انعقاد جلسة الانتخاب وضع لبنان أمام مصير مجهول أطلق عليه السفير الأميركي في بيروت «الفراغ الهادئ» أو «الفوضى المنظمة».

«الفراغ الهادئ» خطير وليس جميلا، لأنّه يضع القوى المحلية على أهبة الاستعداد النفسي للمواجهة. فالفراغ يبدأ مدروسا ولكنه يمكن أنْ يتحوّل إلى فوضى أمنية هدّامة حين تضطرب العلاقات الأهلية المعطوفة على تجاذبات إقليمية ودولية لم تستقر حتى اللحظة على معادلة واضحة.

لبنان في هذه اللحظة أمام محطات زمنية تحمل معها مخاطر تهدد وحدة الكيان واستقلاله. المحطة الأولى انتهت أمس في الساعة العاشرة وهي الساعة التي حددها الجنرال ميشال عون موعدا لقبول مبادرته الوفاقية أو رفضها وإلا سيكون له موقفه الآخر.

المحطة الثانية انتهت أيضا أمس في الساعة الثانية عشرة ليلا وهي ساعة انتهاء مدّة رئاسة أميل لحود وهي اللحظة التي حددها الدستور وتقضي بمغادرة الرئيس القصر الجمهوري وتسليم مقاليد السلطة للرئيس الجديد المنتخب. وبما أنّ مجلس النواب فشل في مهمته تصبح صلاحيات الرئاسة كما تنص المادة 62 من الدستور بإدارة الحكومة مجتمعة، إلاّ إذا أقدم الرئيس الحالي الممدة ولايته على خطوة غير محسوبة قد تقلب الأوضاع رأسا على عقب.

المحطة الثالثة حددتها المادة 74 من الدستور اللبناني وتقضي بأنْ يكون المجلس النيابي في حال انعقاد دائم بإدارة وإشراف الحكومة مجتمعة حتى يتم التوصّل إلى انتخاب رئيس للجمهورية بالغالبية النيابية.

المحطة الرابعة حدد موعدها رئيس البرلمان نبيه بري وقضت بتأجيل جلسة الانتخاب إلى نهاية الشهر الجاري في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني بذريعة إعطاء فرصة للكتل النيابية والسياسية للحوار بشأن التوصّل إلى تفاهم على رئيس توافقي أو وفاقي.

مساء أمس مرّت المحطة الأولى (مبادرة عون) ولا تعرف البدائل التي حددها الجنرال في حال لم تتوصل الأطراف إلى قبولها. وأمس مرّت المحطة الثانية (مغادرة لحود) ولا تعرف البدائل التي أقدم عليها قبل لحظات من نهاية ولايته.

النزاع الآنَ بين محطتين: الأولى تقضي بانعقاد البرلمان فورا وانتخاب رئيس للجمهورية بالغالبية النيابية حتى لا يقع لبنان في فراغ دستوري قد يؤدي إلى نزاع سياسي في الشارع القلق والمتوتر طائفيا ومذهبيا. والثانية تقضي الانتظار مدة أسبوع تنتهي في نهاية الشهر الجاري تعطي فرصة لإعادة تقييم التصورات في ضوء خروج الرئيس من قصر بعبدا.

بين محطة الإسراع في انعقاد جلسة الانتخاب ومحطة تمديد الأزمة الساخنة مدة أسبوع تبدو الأمور سائرة نحو الانتظار والتأجيل وربما تقع الجمهورية في فخ «الفراغ» الذي لن يكون هادئا أو جميلا في كلّ الحالات.

ما هي التوقعات التي يمكن افتراضها من الساعة العاشرة ليل أمس إلى الساعة الواحدة ظهرا في 30 نوفمبر الجاري؟

احتمالات كثيرة يمكن أنْ تحصل ويُعْقل تحديدها بالنقاط الآتية:

أوّلا، أنْ يبادر الجنرال عون إلى سحب مبادرته وإعلان نفسه مترشّحا وحيدا للرئاسة في إطار خطة تأزيم الاحتقان السياسي القابل للانفجار. ويمكن أنْ يبادر تمديد مبادرته لمزيد من الدرس والتوضيح.

ثانيا، أنْ يبادر الجنرال لحود إلى مغادرة قصر بعبدا بهدوء تاركا تقرير مصير الجمهورية إلى كتل مجلس النواب كما يقضي الدستور. ويمكن أنْ يعلن لحود قبل ساعتين من نهاية ولايته تشكيل حكومة مؤقتة تقوم بمهمّة الدعوة إلى انتخاب رئيس متجاوزا بذلك الحكومة الحالية التي يصفها بالناقصة وغير الشرعية.

ثالثا، أنْ تقوم الأكثرية النيابية بالاتصال بالبطريرك الماروني واقناعه بضرورة التخلّي عن شرط «نصاب الثلثين» إلى الأبد حتى لا تقع الجمهورية في فراغ دستوري سيؤدّي في النهاية إلى التهلكة وتفكيك الكيان وتهديد حقوق المسيحيين بالاضمحلال مع مرور الوقت.

رابعا، أنْ تلجأ الكتل النيابية إلى سياسة الانتظار وتمديد الأزمة فترة أسبوع حتى تكون انقشعت غيوم «مؤتمر انابوليس» وتبين بعدها الخيط الأبيض من الخيط الأسود.

الاحتمال الأخير يبدو المرجّح من دون استبعاد المخاطر الأمنية وظهور بوادر أزمة إقليمية بناء على نتائج مؤتمر انابوليس. فالمؤتمر الذي دعت إليه واشنطن ورعته دوليا يبدو أنه لن يتوصّل إلى نتائج مقنعة. وفي حال توصّل إلى بنود محددة فإنه يحتاج إلى آليات غير متوافرة للتنفيذ وتحتاج أيضا إلى فترة زمنية لنقلها من الكواليس إلى الواقع الميداني.

تمديد الأزمة

نظرية الانتظار أو تمديد الأزمة معرضة للانهيار والتفكك بعد أسبوع من الآنَ. فالفكرة استندت إلى قناعات عامّة افترضت نظريا أنّ «مؤتمر انابوليس» قد يحمل معه إلى منطقة «الشرق الأوسط» شعاع نور اختفى عنها منذ العام 2001. ولكن الفكرة واهية وليست دقيقة في تصوراتها أو تطلعاتها لعدّة أسباب موضوعية يمكن ملاحظتها من سياستين: الأولى أنّ إدارة جورج بوش ترددت في الضغط على حكومة ايهود أولمرت أو على الأقل لم تمارس ما تملكه من قدرات لتفرض عليه الالتزام بتلبية الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني التي تنصّ عليها القرارات الدولية.

الثانية أنّ حكومة أولمرت لجأت إلى تكرار مناورة اللعب على المسارين الفلسطيني والسوري. فهي بدأت في الظاهر مستعدة للتفاهم مع الجانب الفلسطيني على خريطة (إطار عام) تلبي الحد الأدنى من الالتزامات الدولية والتعهدات اللفظية الأميركية وانتهت في الباطن إلى تسريب سيناريوهات للتفاهم مع الطرف السوري وتغليب التفاوض على الجولان على حساب موضوع الأراضي الفلسطينية المحتلة.

هذه المناورة الإسرائيلية عطلت الكثير من المراهنات العربية على احتمالات تسوية مؤقتة تبدو أنها تستند أصلا إلى قراءة وهمية للصراع. وهذا النوع من التهرّب الإسرائيلي لا يمكن التعامل معه من دون علم وإطلاع وربما إدارة مبرمجة من واشنطن. فالولايات المتحدة هي الطرف الأقوى في التأثير ولا تزال على رغم ما اعترى قواها من ضعف هي الجهة الأكثر تأثيرا في تقرير وجهات نظر السياسة الإسرائيلية. والتحايل على الوقائع والقرارات الدولية التي لجأ إليها أولمرت في الأسبوع الآخير وقبل الدعوة رسميا إلى «مؤتمر انابوليس» جاءت بتنسيق مع إدارة بوش وذلك لاختبار نوايا دمشق ومدى استعدادها للذهاب بعيدا في لعبة تسوية مقابل إعادة النظر في سياسة اعتمدت ضدها في السنوات الثلاث الأخيرة.

المناورة الإسرائيلية لا تخرج على سقف التحايل الأميركي الذي يهدف إلى خلخلة التوازنات الإقليمية ودفع الأطراف اللبنانية كلّها إلى طرق مسدودة أطلق عليها السفير الأميركي الفراغ «الهادئ» أو «الجميل» أو «الفوضى المنظمة».

هذا الرابط الإقليمي بين المنطقة ولبنان اقتضى تأجيل انتخاب الرئيس إلى نهاية الشهر الجاري بانتظار ما ستسفر عنه لقاءات «انابوليس». وتمديد الأزمة مدة أسبوع لا يخرج بدوره عن هذا الانتظار الوهمي. فما حصل على مستوى التفاوض الإقليمي وخفض الرهان على مؤتمر انابوليس من الحد الأقصى إلى الحد الأدنى ثم أدنى الأدنى يمكن سحبه على ما حصل على مستوى التفاوض اللبناني بإشراف الترويكا الأوروبية (فرنسا، إسبانيا، إيطاليا) وخفض الرهان على انتخاب رئيس من الحد المعقول إلى حد اطلق عليه السفير الأميركي «الفراغ الهادئ».

إدارة بوش على المستويين تتحمّل المسئولية في توريط المنطقة بالفوضى «البناءة» أو الهدّامة وصولا إلى دفع القوى اللبنانية إلى احتمال الانزلاق إلى الفراغ «الهادئ» أو العنيف. ولبنان الذي فشل في التوافق على رئيس قبل نهاية المهلة الدستورية يرجّح أنه لن يتوصّل إلى التفاهم على رئيس توافقي بعد انقضاء الأسبوع وانفضاض «مؤتمر انابوليس» عن مشروع تسوية لا يستند إلى وقائع ويراهن على أوهام تعصف بها «الفوضى البناءة» في العراق و«الفراغ الهادئ» في لبنان.

مسئولية إفشال الانتخابات الرئاسية تتحمّلها إدارة أميركية قررت دفع بلاد الأرز إلى تمديد أزمة بذريعة انتظار نتائج مؤتمر يحتاج إلى وقت وآليات لرؤية مدى نجاحه. والمسئولية هذه كانت واضحة إلى درجة أنّ هناك الكثير من القوى اللبنانية اتهمت سرا وعلنا السفير الأميركي بإفشال المبادرة الأوروبية وإجهاض تحركات واتصالات الترويكا (فرنسا، وإيطاليا، وإسبانيا).

فجر اليوم دخل البلد الصغير منطقة الفراغ الدستوري وهذا الفراغ الذي أطلق عليه السفير الأميركي مفردة «هادئ» سيكون عرضة في لحظة من اللحظات إلى اهتزاز سينجم عن ارتدادات متوقعة عن فشل محتمل للمؤتمر الأميركي في «انابوليس».

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1905 - الجمعة 23 نوفمبر 2007م الموافق 13 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً