العدد 1908 - الإثنين 26 نوفمبر 2007م الموافق 16 ذي القعدة 1428هـ

جامعة الإمام... وقضايا الإرهاب!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أصبحت في دائرة الضوء - بقوة - بعد حوادث 11 سبتمبر/ أيلول باعتبارها واحدة من أكثر الجامعات الإسلامية الداعمة للإرهاب - كما يقول الأميركان وكما يقول البعض - داخل بلادنا، وأيضا باعتبار مناهجها تكرس الكراهية تجاه الآخرين، وأنها - كما يقولون - توجد التطرف والمتطرفين والتكفيريين ومن في حكمهم.

بطبيعة الحال لم تكن الجامعة وحدها التي تتعرض لتلك الضغوط، فكل الهيئات الخيرية في بلادنا تعرضت لضغوط مماثلة، كما أن التعليم الإسلامي في عدد من الدول العربية وكذلك الجمعيات الخيرية وقعت في المأزق نفسه وواجهت التهم «الإرهابية» نفسها التي أصبحت «بعبعا» يمكن أن يطول أي شخص أو مجموعة أو هيئة تشذ عن الطريق الذي تريده أميركا ومن يسير في فلكها.

لا أريد أن أتحدث بالتفصيل عن هذه الجامعة ومناهجها، ولا عن تأثيرها الواضح في المجتمع السعودي وسواه، وعن آلاف الخريجين الذين تخرّجوا منها والذين ساهموا بصورة فاعلة في نمو المجتمع وإفادته بكل ما يملكون من علوم أخذوها من الجامعة. ولا أريد كذلك أن أسهب في الحديث عن أسماء كثيرين تخرجوا من الجامعة وكرسوا جهودهم في محاربة الإرهاب والتطرف والتكفير، ومنهم المفتي والشيخ عبدالله المطلق ووزير الشئون الإسلامية وعشرات سواهم وكانت آثارهم ظاهرة في هذا الجانب؛ ما ينفي كل ما يقال عن الجامعة ومناهجها.

جامعة الإمام وأمام كل تلك الضغوط حاولت أن تقوم بشيء - أو أشياءَ - لتنفي عنها تلك الاتهامات، فكانت هناك حوادث جانبية وأخرى مباشَرة، وكان هناك مؤتمر «الإرهاب» الذي عقدته الجامعة ودعت إليه الكثير من الأشخاص من داخل البلاد ومن خارجها ومن المسلمين ومن غيرهم، ولعل هذا المؤتمر وما رافقه من مناقشات مكثفة ساهم في إصلاح بعض المفاهيم الخاطئة التي علقت بالجامعة.

من حق الجامعة أن تفعل كل ذلك، ومن واجبها أن تفعل المزيد لإصلاح ما يجب إصلاحه سواء أكان هذا الإصلاح في المناهج أم طرق التدريس أم المفاهيم الإدارية المتعلقة بالطلاب والأساتذة. ولكن ليس من حق الجامعة أن تخرج عن أهدافها ومسارها التي أنشئت من أجلها وقامت الجامعة عليها لإثبات أنها ليست متطرفة أو لكي يرضى هذا الطرف أو ذاك عن نهج الجامعي أو منهجها.

ولكي تكون الفكرة أكثر وضوحا، إن الذي أعرفه أن من أهم أهداف الجامعة الاهتمام بالعلوم الإسلامية والعربية، ومن هنا جاء مسماها الذي نعرفه (جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) ووجود هذا التخصص للجامعة ليس عيبا فيها، بل هو من أهم أسباب قوتها وازدهارها.

واتصاف بعض الجامعات بتخصص معين أمر معروف، فهناك جامعة الأزهر التي زاد عمرها على ألف عام وهي تمارس تخصصها في العلوم الشرعية والعربية، صحيح أن هذه الجامعة تعرضت لضغوط كبيرة جعلتها تخرج عن مسارها التقليدي الذي ميزها من سواها من الجامعات الأخرى، وصحيح - أيضا - أنها مازالت تتعرض لضغوط أخرى لتقديم المزيد من التنازلات، ومعرفتنا بكل ذلك تجعلنا نطالب جامعة الإمام بأن تكون أكثر حرصا على محافظتها على أهدافها الرئيسية التي قامت من أجلها.

قامت جامعة الإمام في الآونة الأخيرة بافتتاح مجموعة من الكليات العلمية التي لا علاقة لها بشكل مباشَر بتخصص الجامعة الأساسي، ولكن قد تكون هذه الكليات رافدا جيدا لأهداف العامة وهي إيضاح الصورة الحقيقة للإسلام داخل بلادنا وخارجها أيضا، وقد لا تكون كذلك إذا سحبت هذه الكليات البساط من تحت أقدام التخصصات الأساسية للجامعة واستحوذت على معظم موازنتها واهتمامها وتركت تلك التخصصات تندب حظها العاثر وماضيها الزاهر.

من الأشياء التي تحمد للجامعة تبنيها إنشاء مجموعة من المراكز العلمية المتخصصة؛ لكي تستفيد منها الجامعة والمجتمعان السعودي والعالمي، وهذه المراكز تعد إضافة جيدو للجامعة شريطة الاستفادة منها بصورة فاعلة وعملية.

من هذه المراكز مركز حوار الحضارات، وهذا المركز من أهم المراكز بالنسبة إلى الجامعة؛ نظرا إلى ما يقال عنها من تبنيها الإرهاب في مناهجها. بالمناسبة إن الذي يتهم الجامعة بالإرهاب هو الذي تبنى وقام فعلا بتقبل أكثر من مليون مسلم في العراق وأفغانستان وفلسطين، وهو الذي يشجع على حصار الفلسطينيين في غزة ومنع الطعام والأدوية عنهم، وكذلك محاصرة كل الأعمال الخيرية في العالم الإسلامي، ومع هذا كله فالجامعة عندما خططت لإنشاء هذا المركز فإنها أرادت أن تقول للجميع إننا نرحب بالحوار وندعو إليه، وإننا ننظر بكل التقدير لكل الحضارات الأخرى وكل الأديان العالمية، وإن الحوار هو السبيل الوحيد للتقريب بين الشعوب مهما اختلفت مشاربها وأهدافها.

أسمع أن الجامعة تفكر في إدخال بعض التعديلات على منهج المعاهد العلمية وذلك بإضافة مجموعة من المواد العلمية، وآمل ألا يكون ذلك صحيحا؛ فهذه المعاهد هي الرافد الأساسي للجامعة ويجب عدم العبث بمناهجها؛ لأن هذا العبث - إن وقع - سيكون عبئا ثقيلا على طلاب المعاهد الثانوية؛ كما سيكون - أيضا - من أهم أسباب عدم التفاتهم إلى المناهج الأساسية في المعاهد والتي التحقوا بهذه المعاهد من أجلها؛ وبالتالي سيتخرّج هؤلاء الطلاب ضعافا في كل مناهج ولا أعتقد أن الجامعة ترضى لطلابها أن يكونوا بهذا المستوى المتدني علميا.

مدير الجامعة أكد في لقائه الطلاب المستجدين لهذا العام أن المواد الأساسية في المعاهد لن تمس لا في مفرداتها ولا في مناهجها أو في ساعاتها المقررة، فإذا كان الأمر كذلك فكيف سيتم إدخال بعض المواد و «بعض الأمور» كما ذكر المدير في المناسبة نفسها؟

أعود إلى القول: ليس عيبا أن يكون لكل جامعة تخصص تتميز به، بل إن مثل هذا التخصص يعد قوة للجامعة، وليس من العدل أن نطالب كل جامعة بأن تكون تخصصاتها خليطا لا يعرف أوله من آخره.

ليس من المعقول - مثلا - أن نطالب كلية الطب أو الهندسة بأن تقرر علوما شرعية على طلابها مماثلة لما يدرسه طلاب كلية الشرعية، والعكس صحيح فلا يجب مطالبة طلاب الشريعة أو المعاهد العلمية بدراسة العلوم نفسها المقررة على طلاب كليات الطب أو الهندسة ومن في حكمها.

في بلادنا جامعات متخصصة في بعض العلوم مثل جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وكذلك جامعة الملك عبدالله التي تخصصت في الأبحاث العلمية، وفي خارج بلادنا كليات مشابهة منها كليات دينية بحتة. هذا الوضع الطبيعي يجب أن يعطي جامعة الإمام ثقة كبيرة في منهجها وعدم الالتفاف إلى كل ما يقوله البعض عنها من اتهامات لا صحة لها.

أمام الجامعة فرصة كبرى لتطوير نفسها وطلابها وأساتذتها تطويرا يتفق مع أهدافها، أمامها فرصة لتعليم طلابها الوسطية والاعتدال وليكونوا فاعلين في مجتمعهم قادرين على العطاء متمكنين من آلية الحوار والبحث عن المعلومة الصحيحة سواء أكانت داخل جامعتهم أم خارجها، وأمامها فرصة لتطوير قدرات أساتذتها - علما وأداء - ليكونوا قادرين على التواصل الحقيقي مع طلابهم ومجتمعهم، وأمامها فرصة لإصلاح مناهج المعهد العالي للقضاء وإدخال تخصصات جديدة فيه تخدم الإصلاحات الجديدة في نظام القضاء الذي اعتمد أخيرا.

وهناك - أيضا - حاجة ملحة لتطوير كلية الشريعة في الإحساء؛ فهذه الكلية تحتاج إلى تطوير شامل في مناهجها وتخصصاتها والسماح بالدراسات العليا فيها وكذلك تطوير قدرات طلابها وأساتذتها، ومن دون ذلك فستبقى هذه الكلية ضعيفة لا تستطيع الوقوف على قدميها بصورة حقيقية.

أمام الجامعة تحديات كبرى لتثبت للجميع أنها جامعة إسلامية قادرة على تحقيق أهدافها العلمية والعملية بصورة تتفق مع سماحة الإسلام ومتطلبات العصر، فإن فعلت ذلك فقد قامت بدورها وأثبتت لكل من يتهمها أنها تسير في الطريق السليم وأنهم في الطريق الآخر.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 1908 - الإثنين 26 نوفمبر 2007م الموافق 16 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً