العدد 1909 - الثلثاء 27 نوفمبر 2007م الموافق 17 ذي القعدة 1428هـ

ماذا حققت واشنطن في «أنابوليس» من أهداف؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بدأ أمس «مؤتمر انابوليس» في الولايات المتحدة ويختتم اليوم. وبين أمس واليوم لن تتغير دقائق الزمن وإنما يرجح أن تتغير بعض مسارات في الوقائع الجارية. المؤتمر فشل قبل أن يبدأ أعماله. وكل الفرقاء والأطراف والدول التي شاركت في جلساته السريعة توقعت عدم التوصل إلى توافقات أو تفاهمات بشأن القضايا الخلافية. حتى أميركا التي رعت وأشرفت وأدارت اللعبة أرسلت إشارات واضحة خفضت الكثير من الرهانات على إمكان نجاحه. فالإدارة الأميركية كررت مرارا أنها لن تضغط على الأطراف للموافقة أو الرفض وإنما ستترك للقوى المعنية حق الاختيار بين التنازل والقبول بالتسوية القاسية أو ترك الأمور تجري كما هي من دون تعديل أو تدخل يعيد هيكلة نقاط الاختلاف.

أميركا حددت منذ البداية سقف المؤتمر ورأت فيه مجرد خطوة على طريق طويل وشائك. كذلك رفضت منذ البداية تحديد مساره وإنما اعتبرته مجرد محطة تشكل بداية مفاوضات قد تتوصل إلى نهاية واضحة أو تتشتت وتتلاشى طموحاتها وتنزلق إلى متاهات غامضة.

بين أمس واليوم ستبقى الأمور على حالها مؤقتا؛ لأن الولايات المتحدة ترددت إدارتها في أخذ القرار التاريخي الذي لابد منه للضغط على «إسرائيل» وإجبارها على الاعتراف بالقرارات الدولية والعمل على تنفيذها بعد مماطلة امتدت أربعة عقود من الزمن. إلا أن الإدارة الأميركية اعتبرت نفسها أنها قامت بواجب مهني ووعدت الأطراف المعنية بالمسألة بأنها ستبذل جهدها لتحويل نظرية «الدولتين» من فكرة إلى واقع. هذا الوعد الذي التزمته إدارة جورج بوش سابقا ترى واشنطن أنها وفت به وباتت في حِلٍّ منه بعد أن تمسكت القوى بمواقفها ومواقعها.

«مؤتمر انابوليس» انتهى الآن إلى غير رجعة. وكل ما رشح منه لا يتجاوز فِقرات غير ملزمة وأقرب إلى الأمنيات وتفتقد آليات قادرة على نقل الأفكار من الأوراق إلى الميدان.

هذا الواقع توقعته مختلف القوى سواء تلك المشاركة أو المقاطعة. والنتيجة السلبية التي توصل إليها المؤتمر كانت محسوبة ومعروفة.

لا مفاجأة في المؤتمر لا قبل عقده ولا بعد انفضاض جلساته. إلا أن القراءة يجب أن تتجاوز حدود جدران قاعات «انابوليس» لترى تلك الأهداف التي ابتغتها واشنطن من وراء دعوة اعتبرتها فاشلة منذ البداية.

ما غايات إدارة بوش من وراء هذه الحركة الدبلوماسية/ الإعلامية؟

يمكن حصر الجدل في نقاط واضحة وأخرى غير مرئية. النقاط الواضحة تتلخص في أن واشنطن أرادت توجيه رسالة إلى الداخل قبل اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2008. كذلك أرادت تلبية حاجة داخلية تظهر الإدارة أنها في موقع المستجيب لتوصيات تقرير بيكر - هاملتون. كذلك حاولت رمي قنبلة دخانية لإلهاء الرأي العام (الناخب ودافع الضرائب) وإيهامه بوجود قوة ضغط أميركية على رغم الإخفاقات التي يواجهها الاحتلال في أفغانستان والعراق.

إلى جانب هذه النقاط الواضحة هناك جوانبُ خفية من تلك المناورة الدبلوماسية/ الإعلامية. فالنقاط غير المرئية أهم؛ لأنها بررت فتح معابرَ مقفلة ومسالكَ تعرضت للتشويش في السنوات الثلاث الماضية. واشنطن مثلا وجدت ذريعة في توجيه دعوات للحضور إلى «انابوليس» لإعادة الاتصال بدمشق علنا. وحضور سورية وإسراعها في تلبية الدعوة يعتبران نقطة مهمة في سياق اتصالات ثنائية يمكن أن تسفر عن تفاهمات قد تظهر في القريب العاجل في الساحات الفلسطينية واللبنانية والعربية والإقليمية.

الاتصال السوري - الأميركي الآن لم يعد بحاجة إلى ذريعة بعد أن حصل وتوجهت دمشق إلى «انابوليس» وحضرت الجلسات ودخلت مجددا في الصورة الإقليمية.

الربح والخسارة

إلى ذلك، حاولت واشنطن من خلال الدعوة الدبلوماسية/ الإعلامية إجراء اختبار ميداني لمدى قابلية الوضع العربي (مجموعة الدول العربية) لاستيعاب فكرة وجود وفد إسرائيلي في قاعة واحدة ومشتركة. وهذا الاختبار نجح نظريا باعتبار أن الدول العربية قررت منذ قمة بيروت في العام 2002 الدفع بمسار التفاوض إلى السلام. كذلك نجح فعليا؛ لأن الدول العربية لم تبالغ في شروط حضورها وإنما اكتفت بالتأكيد على الحد الأدنى من المطالب والحقوق. وسورية التي وافقت على الحضور تحت سقف الشرطين (توجيه دعوة مباشرة ووضع الجولان على لائحة المؤتمر) اكتسبت نقطة ولم تخسر الشوط، فهي فتحت ثغرة في جدار العزلة ولم تتنازل عن حقها في استعادة الجولان.

«مؤتمر انابوليس» كان محطة في مسار حقل من الاختبارات لمدى استعداد الدول العربية، بما فيها سورية، للقبول بالأمر الواقع والبدء في التفاوض على قاعدة الاعتراف.

الاعتراف هو السلاح الوحيد الذي تملكه الدول العربية في مواجهة «إسرائيل» بينما الأخيرة تملك مجموعة أسلحة منها أنها الطرف المحتل للأراضي الفلسطينية والعربية والقوة الأقوى في معادلة الصراع والدولة التي تتمتع بموقع خاص في التحالف الاستراتيجي الدائم والثابت مع الولايات المتحدة. كل هذه الأسلحة تملكها «إسرائيل» مقابل سلاح الاعتراف وما يعنيه من تفاوض وسلام وأخيرا التطبيع.

قياسا على هذه الحال تعتبر تل أبيب - مدعومة من واشنطن - الطرفَ الرابحَ نظريا في معادلة «انابوليس» الدبلوماسية/ الإعلامية. فالدول العربية جمدت مؤقتا سلاح المقاطعة (رفض الاعتراف) في مقابل طرف رفض الاستجابة إلى أبسط قواعد لعبة التفاوض وهي القبول بوضع «اتفاق إطار» يحدد المحطات الزمنية للسلام والتطبيع. والموقف الإسرائيلي لا يمكن عزله عن التوجهات الأميركية الفعلية. فالولايات المتحدة التي تقدم نفسها تلك الجهة الراعية للسلام هي فعلا ذاك الطرف الذي لا يريد وضع حد للصراع ولايزال يراهن على استثمار أزمات «الشرق الأوسط» وتوظيفها خدمة لمصالحها العليا التي تربط النفط بالأمن والأمن بالوجود العسكري في منطقة استراتيجية وحيوية في العالم.

أميركا هي الطرف الذي لا يريد السلام وهي لاتزال تفضل استمرار معادلة اللاحرب واللاسلم حتى لا تخسر مواقعها ويتراجع دورها الإقليمي ومكانتها الدولية. وبما أن إدارة واشنطن ترجح تجميد الحل وعدم الدفع باتجاه تفكيك الأزمات فلذلك يفترض عمليا أن تستمر حالات التوتر المحكوم بتوازنات دولية وإقليمية إلى فترة ما بعد نهاية عهد بوش.

عهد بوش يستمر إلى نهاية العام 2008، وهذا يعني أن المنطقة مقبلة على سلسلة أزمات لا تخرج على قواعد معادلة اللاحرب واللاسلم إلا إذا دخلت واشنطن في موجة جديدة من «الضربات الاستباقية» بذريعة أنها تريد المحافظة على توازنات إقليمية.

احتمال تسديد «ضربات استباقية» مسألة واردة، ولكن الاحتمال المذكور لن يخرج عن المعادلة السلبية (اللاحرب واللاسلم) باعتبار أن المصلحة الأميركية تقتضي الآن الإبقاء على التوتر وتعطيل الحلول والمحافظة على الأزمات. المثال اللبناني (الفراغ الهادئ) المعطوف على النموذج العراقي (الفوضى المنظمة) المفتوح على الحال الفلسطينية (ازدواجية السلطة) كلها عناصر قابلة للحل وجاهزة للانفجار... والولايات المتحدة هي الطرف الأقوى الذي يمسك بالأوراق وبالتالي تعتبر الجهة المسئولة في النهاية عن الحلول والانفجارات.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1909 - الثلثاء 27 نوفمبر 2007م الموافق 17 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً