العدد 1918 - الخميس 06 ديسمبر 2007م الموافق 26 ذي القعدة 1428هـ

أمل المرزوق: الساحة الشعرية مقلوبة بحاجة إلى من يعدلها

أعلم أن التنويع في اللقاءات لن يسلم منه أحد. أول أولئك هو محرر هذه الصفحة. لن أسلم لأن ثمة من ينتظر أن يقرأ ويسمع ما يريد سماعه، وما عدا ذلك يعد ضربا من الاستفزاز له، أو محاولة تذكيره بأن «بطحة» ما على رأسه. مثل هذه الافتعال للحساسية لايؤدي في نهاية المطاف إلى شي. يؤدي فقط إلى الأبواب والآفاق الموصدة.

ووسط آفاق موصدة كتلك لن يتسنى لأحد أن يتحسس مدى أهميته ودوره في العالم. العالم الصغير الذي يتحرك فيه ومن خلاله على أقل تقدير. أمل المرزوق لم تقل كلاما خارقا للعادة. قالت الكلام الذي تعتقد أنه يعكس عفويتها في التعاطي مع شأن الكتابة. والتعاطي مع حوار لم نحضّر له. وعلى رغم أنه ليس كلاما خارقا إلا أنه يكشف في الوقت نفسه عن جانب كبير من الصدق والعفوية، من دون أن ننسى المرارة أيضا!. هي قالت وبالحرف «أقرأ الساحة كما أقرأ الصحف من الصفحة الأخيرة وحتى الأولى (بالمقلوب)، فهي ساحة لا تزال مقلوبة، بانتظار من يعيد تعديلها». ترى من بيده أن يعيد هذه الساحة إلى وضعها الطبيعي؟. ليس ذلك هو المهم. المهم من لديه الاستعداد لخوض تجربة محفوفة بالمخاطر والتهلكة؟. معها كان هذا الحوار:

* لنبدأ من تقليص حضورك في القنوات الإعلامية. كنت نشطة بشكل ملحوظ، ما الذي حدث؟

- لا أعلم حقا ماهو سبب تقليص حضوري؟ على رغم أنني مازلت أمتلك من الطاقة والعطاء الكثير، بل بنضج أكثر عما كنت عليه سابقا. إلا أنني لا أشعر بالتجديد فيما حولي، الرتم نفسه من الأمسيات والحوارات والبرامج، لا جديد يطرح أو يثير اهتمامي. ربما لأنني هوائية المزاج فإنني أهوى الطيران والتحليق خارج الأسراب التي باتت تحفظ الأمكنة التي تهاجر إليها، أكره الروتين ولا أحب أن أظل حبيسة الإعلام الشعبي. لن أعلق الأسباب كذلك على شماعة الإحباطات، فقد سئم الناس من هذا الحديث وهذه الإسطوانة. قد يعود السبب إلى وجود نسبة كبيرة من الشعراء ممن يعلقون فشلهم عليها، وربما لأنها كذلك الإجابة التقليدية التي اعتادوا الحديث فيها حتى لو لم يفهموا معناها!

عني شخصيا، أتوقع بأن هدوئي هذا يعتبر إعادة حسابات في الكثير مما أنجزت أو فعلت خلال المرحلة الماضية، ربما كنت أعيد ترتيب أوراقي وكتاباتي. أبحث عن نمط آخر للكتابة، أحاول الولوج إلى مفردة جديدة أغازلها وأتعاطى معها في نصوصي، سئمت التقليدية وصرت أبحث عني في مكان آخر. وربما هدوئي كذلك يعني بأن العاصفة قد انتهت، وأن الجميع بات يعلم بوجودي، وجود أمل المرزوق الذي على رغم أنه لا يعجب البعض إلا أنه بات حقيقة مسلمة. وأن بعد انتهاء العاصفة صار وقت الهدوء، الاستقرار والبدء في بناء الكيان الشعري الجديد الخاص بي. لن أقول بأن هدوئي هذا هو ما سيسبق العاصفة، لأنني أرى بأنها تكاد أن تنتهي. ولكن هدوئي هذا هو بداية انطلاقة جديدة سيلحظها متابعو الشعر الشعبي في البحرين وخارجها. أما من طال غيابي عنه فليعذرني، وليطمأن بأنني بخير وسأعود محملة بالكلمات الجديدة.. وأما من فرح لغيابي فليعذرني كذلك، لأنني سأقطع عليه فرحته لأخبره بعودتي.

* إلى أين وصل برنامجك في تلفزيون البحرين؟

- وصل برنامج (وجوه شعرية) إلى حيث يصل أي برنامج مشابه في تلفزيون البحرين، يمكنني القول بأن تلفزيون البحرين كان متعاونا جدا في خلق برنامج تلفزيوني معني بالشعر الشعبي، إذ لا يمكنني إغفال جهود الأخ رئيس الإنتاج فهد بوعلاي في هذا الجانب. ولكن الإمكانات المادية كانت تحول دون خلق صخب إعلامي يليق ببرنامج كهذا. فإذا ما جئنا الى الواقع فإن الشاعر البحريني لا يحدث خلخلات وضجيجا كما تفعل بعض الأسماء الشعرية الخليجية، والتي رفضت المشاركة لأننا لن نقوم بـ (الدفع) لها. فكل ما سنقوم به هو كرم الضيافة من تذاكر وإقامة وما إلى ذلك. ولأننا لم نستطع استقطاب النجوم فإننا لم نستطع لفت الانتباه الخليجي نحو الشاعر البحريني.

أحمل ذكريات متنوعة ومتضاربة في داخلي حول البرنامج، بين ابتسامات فرح ودموع أسى. أحببت جدا أن أواصل التجربة، وأن أستمر في العطاء، ولكنني أحببت أيضا أن أجد فريق عمل يشبهني، يفهم تطلعاتي وتصوري للبرنامج. إذ إن كثيرا من تصوري الذي خلقته في داخلي قد تبدد بعد بدء التصوير.

أما الآن فأنا أنظر نحو وزارة الإعلام نظرة إيجابية أكبر مما كانت عليه في السنوات الماضية، أنظر نحو عيني الوزير الجديد جهاد بو كمال وأعلم بأن التطوير والتغيير مقبل لا محالة. فهو يقدر قيمة الكلمات تماما كما يقدر قيمة الأرقام، وكم آمل بأن يسمح للشعراء الشعبيين بمتنفس تلفزيوني جديد، نخاطب من خلاله الجماهير الخليجية عبر فضائيتنا الحبيبة، نقدم فيه الشاعر البحريني والشاعر الخليجي على حد سواء لنخلق التكامل بين شعراء المنطقة.

إلى أين وصل برنامجي التلفزيوني؟ حقا لا أعرف أين هو المرسى؟ وأين هي محطاتي؟ .. ربما أترك الإجابة للجمهور ومحبي الشعر الذين مازالوا يرسلون إلي الرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني متسائلين عن غيابه، وربما أتركه لتصور وزارة الإعلام الجديد وخطتها البرامجية المقبلة والتي أتفاءل بها خيرا.

* عودة إلى تجربتك... بين التجربتين: التقليدية والحديثة أين تجد أمل المرزوق نفسها؟

- أجد نفسي في منتصف الملعب، فلست موغلة في التقليدية ولست أنتمي إلى تيار الحداثة وما بعدها .. أحاول أن أرسم لنفسي تجربة متواضعة أطورها شيئا فشيئا. فأنا أرى تجربتي كابنتي الصغيرة التي تكبر كلما كبرت، تنضج وتزهو وتصبح شابة جميلة، وعندما تكبر فلن تكون عجوزا مليئة بالتجاعيد بل إمرأة متزنة تحمل في طياتها الكثير من التجارب والحكم التي ستورثها لمن سيأتي بعدها. أحب القراءة كثيرا، وزاد حبي لها أكثر مؤخرا .. ربما لأنني حصلت على أصدقاء يشاركونني هاجس القراءة. وأتوقع بأن أرصد قفزات جيدة في تجربتي خلال الأعوام المقبلة بإذن الله.

* ما الذي يمثله لك الشعر؟ هل هو احتيال على الحياة في تعقيداتها وشروطها؟

- الشعر هو حالة تتلبسني ولا أتلبسها، إذ أستغرب في بعض الأحيان وجود أشخاص يكتبون النصوص الشعرية في ساعات معدودات! أو أنهم يقفون في صفوف المحاورة يتغنون بالقصائد. حقا لا أستطيع السيطرة على تلك الحالة الغريبة التي تكتبني ولا أكتبها. ولكنني أستطيع القول بأنني أهرب من الحياة وتعقيداتها بالكتابة غالبا، ليس بالنص الشعري فقط بل بالقصة القصيرة والمقالة كذلك، ربما لا أطلق لتلك الكتابات متنفسا للنشر إلا أنني أعتز بها اعتزازي بقصائدي تماما. فما أجمل الكتابة.

* ما هي علاقتك بالقصيدة الفصحى على اختلاف أشكالها. هل لك تجربة في هذا المجال؟

- بدأت ببعض النصوص الفصحى قبل انتقالي لعالم الشعر الشعبي، أحببت النص الفصيح لأنه واسع وفضفاض. يمكن الإنسان من التوغل فيه كثيرا حتى يتوه ولا يجد نفسه، ولكن يبقى لشعر اللهجة أو الشعبي كما نطلق عليه نكهة خاصة به أيضا، وجمهور يحب التعامل معه.

أحب النصوص الفصيحة وأقرأها في أغلب الأحيان، فلا يكاد أن يختتم يوم من أيامي من دون أن أكون قد قرأت لقاسم حداد أو محمود درويش أو نزار قباني أو ديوان وقع بين يدي فتصفحت كتاباته.

* هل انتهى الإشكال الأخير مع مجموعة من الشعراء؟ كيف تعاملت معه (الإشكال)؟

- من جانبي على الأقل، أعلم بأنه انتهى. من جانبهم هم لا أعرف شيئا.. وخصوصا أنه يصعب على الإنسان اكتشاف النوايا في ساحة الشعر الشعبي، إذ إن عددا لا بأس به من الشعراء يعيش بأكثر من وجه ولون. لا تعرف معدنه الأصيل إلا وقت الشدائد، الإنسان الحقيقي من يساندك ويقف إلى جانبك والإنسان السيء من يتنصل منك ويقف متفرجا، أما شبه الإنسان فهو من يهاتفك لمواساتك والوقوف إلى جانبك ثم يحمل هاتفه النقال ليرسل رسائل الـ sms للشامتين الفرحين.

كيف تعاملت معه؟ بصلابة .. تواجدت للحوار والنقاش حينما اختار بعضهم الهروب والتخفي تحت ستارات العرائض وطلبات الطرد من جمعية الشعر الشعبي. حاولوا إفزاعي ولم يفلحوا .. ولكن ومع كل ذلك أشكرهم، لأنهم كانوا سببا في معرفتي لأصدقائي وأعدائي الحقيقيين.

ذلك الإشكال أو غيره من الإشكالات المتكررة التي لا تنتهي يوميا في ساحة الشعر الشعبي لا تهمني، أتخطاها بسرعة لأركز على ذاتي وتطويرها سواء في مجال الشعر أو الإعلام. فأنا آخذ بمقولة غازي القصيبي «إذا ما التفت لتوافه الأمور فلن أجد متسعا من الوقت لعظائمها».

* أشرتِ بشكل مباشر إلى استيائك العام من الحالة التي وصلت إليها الساحة الشعرية في المملكة. كيف تقرأينها؟

- صراعات دائمة وأزلية، إما قديمة متجذرة أو حديثة متجددة. ولأكن صادقة مع القراء سأتحدث عن المهزلة الأخيرة التي فجرها البعض ضد جمعية الشعر الشعبي، ربما كففت نفسي عن الحديث في هذا الموضوع أو الكتابة فيه ولكنني لا أستطيع إلا أن أتطرق إليه الآن يا سيدي. كيف نريد لساحة الشعر الشعبي في البحرين أن ترتقي وما زال هناك أطفال يحاولون العبث بها وتخريبها كدميتهم التي سئموا منها؟ رافضين بذلك أن يستمتع بها طفل آخر غيرهم.

لن أتحدث عن موضوعات المنتديات الإلكترونية ولا رسائل الـ sms ولا الاتصالات التي تجيش ضد جمعية الشعر الشعبي، ولكنني كذلك أود أن أخبر أولئك الشعراء الذي يعلقون كل مشاكل الشاعر البحريني على جمعية الشعر الشعبي بأن الجمعية ماهي إلا بوابة و مكان لالتقاء الشعر قبل الشعراء، صدقوني بأن الشعر الحقيقي ينطلق نحو الجماهير من دون جمعية أو مركز. فلم أسمع بأن هناك جمعية قد تبنت موهبة فهد عافت، سليمان المانع، أو مساعد الرشيدي في بداياتهم! كما لم أسمع بجمعية قد طورت وأسست القواعد ومهدت الطريق لحامد زيد وسعد علوش وخالد المريخي. لماذا بزغ نجمهم وبرزوا؟ لأنهم نجوم لمجلة المختلف؟ أم لأن لديهم إعلاما قويا؟ حسنا، ها قد انتقلنا لموضوع آخر. لقد برزوا باختصار لأنهم لم يشغلوا أنفسهم بالقيل والقال، بل لأنهم أسسوا لأنفسهم قاعدة صلبة من القصائد والأمسيات والتواصل الإعلامي فنجحوا.

كل شاعر بحريني قادر على النجاح والبروز والتفوق، ولكن لينجح يجب أن يبتعد عن المشاكل. ماذا عن الجمعية؟ تبقى أول جمعية للشعر الشعبي في منطقة الخليج العربي، ويبقى مجلس إدارتها السابق والحالي من أخير رجال المملكة وأنقاهم. رجال لهم باعهم الطويل في ساحة الشعر الشعبي ولا أتوقع بأن يمسك زمام الأمور أشخاص غيرهم. فأوضاع ساحتنا الشعبية باختصار يا عزيزي لا تبشر بخير أبدا. أقرأ الساحة كما أقرأ الصحف من الصفحة الأخيرة وحتى الأولى (بالمقلوب)، فهي ساحة لا تزال مقلوبة، بانتظار من يعيد تعديلها.

* على رغم أنك مسالمة وتنأين بنفسك عن الإشكالات، إلا أنك لا تترددين في إبداء رأيك في صدق توجه مجموعة من الشعراء. ألا يجر عليك ذلك نوعا من النقمة من قبل جهات هي على خلاف مع تلك الأسماء؟

- بلى، كثيرا ما يكون كلمات الرأي حادا أو قاسيا. لا أخشى من المجاهرة برؤيتي وما أفكر به، فرأيي قابل للصواب وللخطأ، ولكنني على الأقل أجاهر بما أفكر به أمام الملأ ولا أتخفى خلف الأقنعة وأجهزة الكمبيوتر. قد لا يحبني الكثيرون وقد لا أعجبهم، ولكنني في نهاية المطاف أحب نفسي وأعجبها وهذا ما يهمني في الموضوع كله.

* آخر قراءاتك... آخر كتاباتك؟

- آخر قرائاتي كان لكتاب (قصيدة خالد الفيصل الأولى) للكاتب محمد القدادي وهو هدية من أستاذي محمد البنكي، وآخر كتاباتي هو نص وطني مطلعه «فديت أرضج فديت الماي .. فديت نخيلج الحلوة .. يا سمره ساكنه فـ حشاي .. أصيله مثل هالقهوه».

العدد 1918 - الخميس 06 ديسمبر 2007م الموافق 26 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً