العدد 1919 - الجمعة 07 ديسمبر 2007م الموافق 27 ذي القعدة 1428هـ

سباق التسلح في الشرق الأوسط

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

في وقت قريب سيقوم الكونغرس الأميركي بمناقشة القرار الذي اتخذته إدارة الرئيس جورج بوش ببيع أسلحة متطورة بمبلغ 20 مليار دولار لعدة دول عربية. هذه الصفقة كان قد تم عرضها من قبل البيت الأبيض على أنها إحدى السبل الخاصة بنشر الاستقرار في الشرق الأوسط الذي يتعرض للتهديد من قبل مطامع إيران ومن خلال بروز الإرهاب. وينبغي على الكونغرس أن يرفض هذا البيع تماما استنادا إلى كون التسليح الذي سيقدم إلى العالم العربي لا يعتبر من المصلحة المثلى للمنطقة ولا هو من مصلحة الولايات المتحدة.

وعلى ما يبدو، إن الافتقار إلى الاستقرار هو الذي سيهيمن على الشرق الأوسط، فكل بقعة من بقاع العالم العربي عبارة عن مجموعات مختلفة من معضلات متزايدة، إذ يشكل الركود الاقتصادي، ونشوء النزعة الأصولية والإرهاب، وتآكل الحريات الشخصية مسائلَ من المسائل الساخنة. كما أن الرخاء الاقتصادي الذي يشهده معظم العرب يزداد سوءا حتى مع ارتفاع أسعار النفط التي سجلت أرقاما قياسية.

وفي حال استثناء النفط والغاز الطبيعي من الوفورات المتنوعة التي توافرت لدى ما نحن نسميه ونحدده على أنه العالم العربي بسكانه البالغين 350 مليون نسمة، فإن ناتجهم المحلي الإجمالي سيبلغ أقل من ناتج فنلندا، التي هي دولة يبلغ عدد سكانها أكثر بقليل من 5 ملايين نسمة. وعند استبعاد عدد قليل من الجيوب المعزولة في العالم العربي، فقد أخفقت دوله بشكل يدعو إلى الشفقة في اللحاق بالنمو الاقتصادي الذي شهدته معظم دول العالم الأخرى. فالعالم العربي ليس بحاجة إلى إدخال أسلحة ستعمل على إطلاق سباق تسلح إقليمي وإضافة المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة.

وإلى جانب المبيعات المعروضة من قبل إدارة بوش، هناك قوى عظمى أخرى تعمل على التصعيد في عملية تكديس السلاح. فالفرنسيون منهمكون في متابعة بيع أسلحة لليبيا بمبلغ 400 مليون دولار، والروس يقومون بالتفاوض بشأن صفقة أسلحة ذات أرقام قياسية ليتم عقدها مع الجزائر وهم مستمرون في الاستكشاف والتحري عن بيع أسلحة لإيران. هذه الأمور تحدث في المنطقة في الوقت الذي يبلغ التوتر ذروته في كل أنحائها. فلو كان هناك جزء من العالم لا يحتاج إلى مزيد من الأسلحة، فذلك الجزء هو الشرق الأوسط.

والسؤال الجوهري الذي يتم طرحه هنا هو: لماذا تحتاج هذه المنطقة إلى هذه الأسلحة المتطورة؟ ومن هم الذين ستتم محاربتهم؟ هل هي إيران؟ فمن غير المرجح أن يكون كذلك. كما أن ليس من مصالح إيران المثلى أن تتورط عسكريا في عمليات حربية مع المملكة العربية السعودية أو مع الكويت أو مع الإمارات العربية المتحدة. وسوف لا تسمح الولايات المتحدة ولا الحلفاء الغربيون الآخرون بحدوث ذلك، وإيران تعرف ذلك. أما الشيء الذي تقدر إيران على فعله وترغب في عمله فهو أن تقوم بدعم حركات قتالية تعمل على إثارة القلق والاضطراب في كل أنحاء العالم العربي. ويشكل العراق ولبنان حالة تقع في صميم هذا الموضوع.

هذه المبيعات من الأسلحة التي يتم عرضها على الدول العربية تعتبر أداة خاطئة للاستعمال في مكافحة مثل تلك الحركات. فالتهديد الحقيقي الذي تواجهه الكثير من الدول العربية يكمن في التطرف الديني المحلي والإرهابيين المقاتلين. فشراء أسلحة من أكثر الأسلحة تطورا في السوق بقيمة 20 مليار دولار، حتى بقيمة 100 مليار دولار سوف لن يجعل التطرف العنيف يختفي. ولكن القيام بإصلاح النظام التعليمي والسماح للسوق بالازدهار هما اللذان سيقومان بعمل ذلك. يجب أن يتم تحرير التجارة وتتم حماية الحقوق ويتم تحديث التعليم. هناك الجامعات العربية التي تقوم بشكل منسجم بتخريج طلبة يواجهون صعوبة في إيجاد مكان لهم للعمل في اقتصاد مُعَوْلَم يتصاعد أكثر فأكثر. هؤلاء الخريجون العاطلون عن العمل سيكونون ممتعضين ويائسين وسيتحولون إلى أهداف بحيث يتم تجنيدهم من قبل مجموعات متطرفة.

هناك حاجة شديدة إلى إجراء تغييرات في السياسة التعليمية بحيث تسمح للمواطنين مستقبلا بالتنافس بشكل فعال على المستوى العالمي، وأن تكون تغييرات مستندة إلى نظام تعليمي سليم يقوم بتركيز منهجه الدراسي على الرياضيات والعلوم، وليس على الدراسات الدينية. وينبغي على الطلبة العرب أن يتعلموا كيف يفكرون بدلا من أن يتعلموا ماذا سيفكرون.

هذه هي الأزمنة المقلقة في الشرق الأوسط. فبيع أسلحة متطورة سيعمل فقط على إشعال وضع متفجر. فمن الناحية التاريخية، قام الكونغرس الأميركي بالاستجواب، وفي أحيان أخرى بالاعتراض على بيع الأسلحة لدول عربية على أساس أن تلك الأسلحة تعرّض وجود «إسرائيل» للخطر. فهي قد شكلت مسرحا سياسيا لكثير من أعضاء الكونغرس لإظهار دعمهم وتأييدهم «إسرائيل» مع إدراكهم أن «إسرائيل» لم تكن معرضة للخطر على الإطلاق. أما في الوقت الحالي، فينبغي على الكونغرس أن يحول دون إتمام البيع؛ لأن عمل ذلك سيكون عملا صحيحا وأخلاقيا؛ فالعرب هم بحاجة إلى مساعدة ودعم جديين بما أنهم يقومون بالمناورة تجاه التحديات الضاغطة التي تواجههم. ويجب ألا تكون الأسلحة مدرجة على تلك القائمة.

* عميد تنمية الموارد في كلية هاريس للسياسات العامة بجامعة شيكاغو، والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية» www.misbahalhurriyya.or

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 1919 - الجمعة 07 ديسمبر 2007م الموافق 27 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً