العدد 2279 - الإثنين 01 ديسمبر 2008م الموافق 02 ذي الحجة 1429هـ

هيئة الأمر بالمعروف: ما حقيقة ما يقال؟

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

بعض المواقع الإلكترونية تتداول الآن نظاما مفترضا لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا النظام «المفترض» لا يعرف عنه مسئولو الهيئة شيئا بحسب إفادة بعضهم لي. ومن هنا فإني أستغرب كثيرا أن يكون هناك حديث طويل عن نظام لجهة حكومية لا تعرف عنه تلك الجهة ولم تتحدث عنه جهات أخرى باعتباره حقّا أو باطلا لتقطع الطريق على من يذهب هذا المذهب أو ذاك.

الحديث عن إصلاح نظام هذه الجهة أو تلك حديث مشروع، بل ومطلوب لأن الإصلاح عملية يجب ألا تتوقف، الفرد يحتاج إلى عمليات إصلاح، ومثله الأمم والدول وجميع الأنظمة، والإصلاح يجب أن يحقق مصلحة الشعوب، وإذا انصلح حال الشعب - أيا يكن - انصلح حال الدولة وكل ما فيها.

الهيئة تحتاج إلى إصلاح، ومثلها التعليم والإعلام، والشرطة، والمرور وغيرها، لكن إصلاح كل جهة يجب أن يكون بحسب تخصص تلك الجهة، وبحسب المصالح العليا للوطن والمواطنين.

الاسم الكامل للهيئة هو: هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبمقتضى هذا الاسم الذي عُرفت به الهيئة منذ تأسيسها وحتى اليوم فإن من واجبات الهيئة الأمر بكل «معروف» والنهي عن كل «منكر»، ومصطلح «المعروف، المنكر» مصطلحات شرعية يجب أن تُفهم في الإطار العام للدين الإسلامي، فهناك ثوابت من «المعروف» ومثلها من «المنكر» وهذه يجب التعامل معها بدقة وحزم لأنها من متطلبات عمل رجال الهيئة، وتقصيرهم في القيام بها يُعدّ تقصيرا في عملهم.

هناك أمور تخضع لدائرة الاجتهاد يعدها البعض معروفا والآخر منكرا، وهي التي لم ترد فيها نصوص ثابتة، أو أن فهم النصوص يحتمل أكثر من معنى، وأمثلتها كثيرة، منها قيادة المرأة للسيارة، ومفهوم الاختلاط، وكشف وجه المرأة، وأشياء أخرى، فهذه القضايا - وكما أعتقد - يجب أن يتعامل معها رجال الهيئة بحسب فتوى الجهات الرسمية في بلادنا، وهي دار الإفتاء، وهيئة كبار العلماء، فما يقوله هؤلاء يجب التقيّد به، لأن جهة الإفتاء هي المخولة من الدولة الإفتاء في هذه القضايا وسواها، ولهم حق الاجتهاد، ومعرفة تطورات العصر ومتطلباته، فما يصلح اليوم قد لا يصلح غدا، وهكذا...

والذي أعرفه أن هناك ثناء كبيرا على العمل الذي تقوم به الهيئة، ليس من معظم المواطنين ولكن من كبار رجال الدولة ومن أصحاب الاختصاص منهم؛ فسمو وزير الداخلية يتحدث عنهم بكثير من الاعتزاز، ويثني على جهودهم في جميع المجالات التي يقومون بها، ويعتبرهم ركنا من أركان الدولة، ومثله سمو رئيس الاستخبارات العامة، وهذا الثناء لا يأتي من فراغ، وليس مجاملة لا قيمة لها، بل مصدره التقارير التي تتحدث عن أعمالهم، ومعرفة هؤلاء المسئولين بحقيقة ما يقومون به.

نظام الهيئة - مجهول الهوية والمصدر - يتحدث عن أشياء كثيرة يجب ألا تقترب من الهيئة وعملها لأنها غريبة عليه كل الغرابة، فقد جعل ذلك النظام عمل الهيئة مرتبطا بمفهوم جمعيات حقوق الإنسان، وجعل أعضاء هذه الجمعية حكاما فعليين على كل أعمال الهيئة، كما هم حكام أيضا على أعضائها وكفاءتهم ومعاقبتهم... إلخ.

أنظمة حقوق الإنسان - أياّ يكن مصدرها - فيها أشياء جيدة ولكن فيها أشياء سيئة لا تتفق مع ديننا لأنها - بكل بساطة - لم تنشأ من عندنا، بل معظمها منشأه بيئات غير إسلامية، وموجه لمجتمعات لا تدين بالإسلام فكيف يمكن أن نربط بين هيئة شرعية وبين نظام لا يعترف - في بعض بنوده - بالإسلام؟! جمع المتناقضات أمر مستحيل، وسيُوجد - لو طُبق - تناقضات تهدم البناء ولا تصلحه.

في النظام - المزعوم - مواد هلامية يصعب تفسيرها بدقة، وهذه لا تصلح في أيّ نظام مهما يكن شأنه لأن مواد الأنظمة يجب أن تكون دقيقة ولا تحتمل التأويلات التي ستحدث - لو طُبقت - شقاقا وتنازعا بين الذين يعملون في ظلّ تلك الأنظمة.

مرة أخرى، الإصلاح مطلب لكل الناس، ونحن من هؤلاء الناس الذين يتطلعون إلى الإصلاح، وكل الأجهزة والأفراد ليسوا معصومين من الخطأ، والهيئة - في ظل هذا المفهوم - بحاجة إلى إصلاح، لكنه إصلاح ينبغي أن يتوافق مع شريعتنا التي نعتز بها، ومع مكانة بلادنا التي هي قبلة المسلمين

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2279 - الإثنين 01 ديسمبر 2008م الموافق 02 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً