العدد 1924 - الأربعاء 12 ديسمبر 2007م الموافق 02 ذي الحجة 1428هـ

اتساع الفجوة الطبقية ومؤشراتها... لكلّ «ولاءٍ» ثمن

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

ثمة حقائق مؤلمة تتساقط كالصاعقة هذه الأيام على رؤوس المواطنين، وهي تمثل تحدّيا لهم وصدمة نفسية تكاد تفقدهم القدرة على التوازن العقلاني والمنطقي، كما تشككهم في صدقية الحديث الرسمي عن جدوى الإصلاح والعملية الديمقراطية برمتها.

من تلك الحقائق المرّة، خلاصة ما تطرّق إليه مؤخرا كلّ من الأمين العام لجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) إبراهيم شريف والنائب عن كتلة الوفاق جاسم حسين والمحامي سامي سيادي، فالثلاثة إلى جانب فئات واسعة من المواطنين، أجمعوا على أنّ مقترح الحكومة بزيادة رواتب الوزراء ومخصصات النواب تستبطن «نيّة سيئة»، حينما تم ربط زيادة الوزراء بزيادة النواب وتقاعدهم، وإنها عارية من أي سند قانوني وتخل بمبدأ المساواة الدستوري بين المواطنين، وبالتالي فهي برأيهم -أي زيادة الرواتب والتقاعد- تمثل مخالفة دستورية ولاسيما إنها لا تطبّق على بقيّة المواطنين.

«أبو شريف» أشار إلى أنّ الوزراء يتسلمون (6 آلاف د.ب)؛ أي ما يعادل 13 ضعفا من المتوسط العام لدخل الفرد البحريني الذي قدره بـ (550د.ب) ما بين القطاع الخاص والعام، كما إنه يمثل 4 مرات من متوسط دخل الفرد في أميركا، وهو في مجمله يفوق ما يتسلمه نظراؤهم الوزراء الأميركيون. أمّا النواب فهم إحدى الشرائح «الأفضل دخلا» بين المواطنين قبل إقرارالزيادة المقترحة لهم بنسبة 50% والتي سترفع دخولهم الشهرية من (3 آلاف د.ب إلى 4 آلاف د.ب) بما تشمله من علاوات سابقة وجديدة، ومقترح راتب تقاعدي بنسبة لا تقل عن 80% من الراتب، وأضيفُ عليها وأذكرُ بما يتوافر عليه ويتمتع به بعض مسئولي الدولة وأعيانها ونواب الشورى من تعدد للتكليفات والمهام المنوطة بهم، ما يزيد من دخولهم ومكافآتهم ويضاعفها لتفوق مستوى الـ(7 الآف د.ب) شهريا، فضلا عن تعظيم حظوتهم ونفوذهم ومكانتهم الاجتماعية وبالتالي سلطتهم وتسلّطهم!

هل تنبهتم إلى شيء ما هنا؟ نرجو ذلك! فهذه عينة من ترسانة المعطيات التي تؤشر إلى حال الفوضى والمفارقات السائدة في المجتمع البحريني وما ستخلفه من نتائج كارثية مدمرة على المواطنين، وثمة خطورة أخرى أيضا تكمن في سياق إفرازات ظاهرة اللامساواة هنا، ونعني بها مخاطر الاتساع المستمر للفجوة الطبقية بين فئات الشعب، ما يستحضر الأسئلة حول تفسير هذه الظاهرة وأسباب بروزها وسماتها وعناصرها.

لا ريبَ أنّ الإجابة عن تلك الأسئلة في نهاية المطاف من الممكن تعزيزها وترسيخها بالعودة إلى النظريات التي تعددت وتنوعت في معالجتها لظاهرة الطبقية على مدى تاريخ البشرية وأبرزها، ما تناوله «كارل ماركس وماكس فيبر» كما يفيدنا «أنتواني غدنز» في كتابه «علم الاجتماع»، فما الذي يركّز عليه هذا العالم؟

الرفاهية للوزراء والنواب وللمواطنين الإفقار

بالنسبة لنظرية كارل ماركس التي تضمنت مؤلفه الرئيسي «رأس المال» والتي اعتمدها بعض المحللين السوسيولوجين لفترة طويلة من الزمن، تتحدّث عن مفهومه بشأن الطبقة الاجتماعية، وهي جماعة من الناس تتماثل في علاقتها بوسائل الإنتاج من أرض وأدوات ومعدات وحيوانات؛ أي إنهم يتماثلون في الطرق التي يكسبون بها رزقهم، فضلا عن أنّ العلاقة بين الطبقات الاجتماعية هي علاقة استغلالية في جوهرها، وفائض القيمة هنا يمثل المصدر الرئيسي للربح الرأسمالي.

لقد كان ماركس مذهولا من مظاهر عدم المساواة في النظام الرأسمالي الذي اتسم بأعلى درجات الرفاهية والرخاء للطبقة الارستقراطية خلافا لحياة الفلاحين ما جعله يستخدم كثيرا اصطلاح «الإفقار» و»الإعواز» لوصف العملية التي يتزايد فيها فقر العاملين والعمال مقارنة مع تعاظم الثروة لدى الطبقة الرأسمالية.

أما «ماكس فيبر» فرأيه كان من رأي ماركس، في أنّ المجتمع يتميز بالصراع من أجل القوة والموارد، وهو مركب ذو عناصر متعددة الأبعاد لا يقتصر فيه الوضع الطبقي على المكانة والحزب إنما يضاف إليهما المؤثرات الاقتصادية وعوامل تتعلق بالمهارات والخبرات والمؤهلات وموقع الفرد في السوق، ما يخلف أثرا بالغا على تحديد التراتيبة. وفي السياق أشار إلى مفهوم «المكانة» على إنه اختلاف مواقع الفئات الاجتماعية ومراتبها التي أطلق عليه «الاحترام الاجتماعي» أو الوجاهة في عيون الآخرين. وفي المجتمعات التقليدية تبرز مؤشراتها ورموزها من خلال المسكن والملبس وأسلوب الحديث والوضع المهني... الخ.

تأسيسا على ذلك، هل يخامرنا الشك والريبة إن قيل لنا بأن زيادة رواتب الوزراء والنواب ستؤدّي بدورها إلى زيادة قدرة هذه الفئة على التملك والارتفاع بمستويات الوجاهة والرفاهية والرخاء الذي تتمتع به، ما سينعكس على إفقار قطاعات كبيرة من شعب البحريني؟!

للولاء قيمة وأجور

مَنْ يشك ويرتابُ في ذلك، فليتابع معنا التعرف على رؤية عالم الاجتماع الأميركي «غيريك أولن رايت»، في نظريته عن الطبقة الاجتماعية التي جمعت بين مقاربات الماركسية والفيبرية. وهو يعتقد أنّ كثيرا من موظفي الطبقة الوسطى (المديرين والمشرفين) يتمتعون بعلاقات مع السلطة تمكّنهم من الحصول على امتيازات أكثر مما تحصل عليه الطبقة العاملة؛ لأنهم يعينون الرأسماليين في السيطرة على العمّال عن طريق مراقبة أدائهم وتقييم عملهم. من هنا فإنّ هذه الفئة العليا من المديرين تتلقى مقابل ولائها أجورا أعلى وترقيات منتظمة ومتواترة في الهرم الإداري، وهم بحكم امتلاكهم للمهارات والخبرات مطلوبون في سوق العمل وقادرون على ممارسة نوع من السلطة والقوة داخل النسق الرأسمالي، وهم يطالبون عادة بأجورأعلى.

إلى ذلك، انظروا حولكم واعقدوا المقارنات وقاربوا عناصر الواقع وقواه الفاعلة وسماتها واختبروها في أنابيب مخبرية، خصوصا فيما يتعلق منها بفئة قليلة من الموطنين (وزراء وأعيان وكبار التجار وشوريين وبعض النواب، وبعض رجال الدين وكبار مسئولي الدولة...إلخ)، وهي الفئة التي تميزت خلال سنواتها الأخيرة باللهاث والسعي الدؤوب إلى تعزيز ولاءاتها بهدف الإثراء وترسيخ المكانة الاجتماعية على حساب مصالح غالبية فئات الشعب. وتجسّدت أفعال ولاءاتها في تمييع مطالب العامة المتمثلة في المزيد من الحريات الديمقراطية والدستورية والنقابية.

لاحظوا صمتهم على الانتهاكات التي ترتكب بحق القيادات النقابية وقطع أرزاقهم هذه الأيام، وتسريح العمالة المحلية من وظائفها، فضلا عن موقفهم اللامبالي تجاه التجنيس السياسي، ومراوغتهم في المطالبة بتحسين ظروف الخدمات الصحية والتعليمية للمواطن ورفع أجورالقطاعين العام والخاص من دون تمييز، فضلا عن القضاء أوالحد من ظواهر الفقر والفساد والبطالة وما استتبعها من قضايا شائكة أخرى. قارنوا واكشفوا عن الغطاء، ذلك إن لكل موقف ثمنا، ولكلّ ولاء مقابل أيا كان شكله ومضمونه، أقلها تمرير زيادة رواتب الوزراء والشوريين والنواب! وللحديث بقية.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 1924 - الأربعاء 12 ديسمبر 2007م الموافق 02 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً