العدد 1931 - الأربعاء 19 ديسمبر 2007م الموافق 09 ذي الحجة 1428هـ

الكهانة العربية قبل الإسلام

تبدو الكهانة العربية، بحسب تعريفها الوصفي، وعبر تجلياتها، مرتبطة غاية الارتباط بالنبوة التي هي جذرها الأصلي، أو على الأقل درجتها الأولى. ليس ثمة انقطاع يفصل بين هذين المفهومين المتكاملين اللذين يبدو ثانيهما، بوصفه تفتحا للأوّل. غير أنّ خطا فاصلا سيرتسم بينهما في اليوم الذي تغيرت فيه الشروط الاجتماعية عبر الانتقال من البداوة إلى التحضر أو من النظام القبلي إلى النظام الملكي. وفي اليوم الذي تبدلت فيه طبيعة الرسالة الإلهية ومحتواها تبدلا كاملا عبر الانتقال من الإيمان بآلهة متعددة، إلى عبادة إله واحد وإلى التوحيد. فالكهانة والنبوءة هما التعبير الحي والفعال عن مجتمع محدد في حقبة معينة من تاريخه.

والواقع أن الكاهن العربي، الذي كان في البداية انخطافيا، ولاسيما في ظل تسميته بالأفكل، أو الرب، أو ذو إله، كان يستمد إلهامه من المصدر ذاته الذي كان يستمد منه النبي؛ أي: من الإله الذي كان الكاهن خادمه والناطق باسمه في آن معا. وكان يمارس عمله الاجتماعي وينقل الرسالة الإلهية تحت تسميات السادن والحازي والعراف والكاهن والسيد، بالروح ذاتها إن لم يكن بالطريقة ذاتها التي كان يزاولها النبي. وبدأ وحيهما وفعلهما في الافتراق حينما لجأ الكاهن إلى وسائط أخرى بينه وبين الإله الموحي، في حين أنّ النبي عزز إلى أعلى درجة الروابط الشخصية بينه وبين الإله الذي يوحي إليه.

ما أردتُ في الواقع التقديم لكتاب توفيق فهد عن الكهانة أو العرافة العربية، بل للترجمة التي استمتعت بروعتها ودقتها بما يفوق ما أذكر أنني استمتعتُ به عند قراءتي للكتاب بالفرنسية للمرة الأولى العام (1975).

والكتابُ صعبٌ صعبٌ لدقة الموضوعات وغرابتها، وللغة فهد الفرنسية العالية البلاغة والإبلاغ. بين أنّ المترجِمَيْن ما كانا أقل قدرة على الإفصاح والدقة عن المؤلف نفسه. وقد ردّا مئات النصوص إلى الأصول التي اقتبست منها، فلم يقعا في مرض ترجمة الاقتباسات العربية عن الفرنسية، بل وابتدعا أسماء وتعابير لكي تظل الترجمة أمينة للعالم المصطلحي للنص، بما جعل من النص العربي آية في الدقة والجمال والعذوبة في الوقت نفسه.

لقد راجعت الترجمة بدقة، وأود الإشادة بالمترجمين وبالناشر الذي دأب على ترجمة نصوص نادرة ورائعة.

رضوان السيد

العدد 1931 - الأربعاء 19 ديسمبر 2007م الموافق 09 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً