العدد 2537 - الأحد 16 أغسطس 2009م الموافق 24 شعبان 1430هـ

رسوم هيلاري وكوشنير على الطريقة الإيرانية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أيام قالت وزيرة الخارجية الأميركية كلاما لافتا.

هيلاري كلينتون قالت في مقابلة مع شبكة سي إن إن «قمنا بجهد كبير وراء الكواليس لدعم المعارضين (في إيران) من دون أن نضع أنفسنا بينهم وبين النظام، ونحن نواصل دعم المعارضة».

وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير قال هو الآخر حديثا لافتا. فقد صرّح لصحيفة لوباريزيان بأن مواطنته كلوتيلد ريس التي تُحاكَم في طهران بتهمة المشاركة في الاضطرابات التي أعقبت الانتخابات «لم تكتب تقريرا بل مذكرة مقتضبة جدا وشخصية وَصَفَت فيها ما يجري، ومُوجّهة إلى مدير المعهد الفرنسي للأبحاث الإيرانية».

كوشنير زاد على ذلك وتعليقا منه على ما قالته الموظفة في السفارة الفرنسية في طهران نازك أفشر بأن «الموظفة (المذكورة) قالت السبت إنه في حال لجوء متظاهرين مطاردين إلى سفارة فرنسا، فإن التعليمات كانت تقضي بفتح الباب لهم، وهذا صحيح».

حسنا، لنَقُل ما يُفتَرض أن يقوله المنطق. في الحالة الأميركية ليس هناك أزيد من تأكيد المُؤكّد. فواشنطن كانت تقول في السابق (همسا وجهرا) بأنها تدعم أنشطة استخباراتية لزعزعة النظام الإيراني، لكن كثيرين كانوا يتمنّعون عن سماع ذلك.

في الإجمال فإن واشنطن لا تريد أكثر من أن تخلق عالما على صورتها. يستجيب لفعلها، وينسجم مع سياساتها ومطامعها. هذا اجترار آلي لطبيعة الدولة هناك دون أيّ حسابات أخرى.

اليوم يُردّد الأميركيون بطرب مقولة قديمة للمستشار الألماني الأسطورة أوتو فون بسمارك بأن «الله يُفضّل (ضمن ما يُفضّل) الولايات المتحدة». نعم الأميركيون مُقتنعون أنهم أسياد العالم، يُمارسون عليه كولونيالية وتنمّر حينما يرون أن ذلك ضروريا.

واشنطن ترى أن مئة دولة في العالم (حسب تصنيف باراغ كانا) يُديروها حُكّام إقطاعيون ومُتجبّرون، لكنها تتعامل معهم وكأنهم أنظمة ذات نقاء ديمقراطي خالص.

في أحيان قليلة ونادرة وبغرض الاستحلاب تدفع الولايات المتحدة بتقرير هنا وآخر هناك لمنظمات حقوقيّة بغرض التأنيب المُعلِم وليس المُلزِم. هذا افتراء وضلال في تفسير الديمقراطية والحريّة.

إنها البراغماتيّة في أبشع صورها. سُئِلَ بينويت ماندلبروت وهو مُخترع الهندسة التفكيكية وأستاذ ستيرلينغ المتميّز لعلوم الرياضيات في جامعة بيل، كيف أحرزت المركز الأوّل في مادة الرياضيات؟ قال: الحقيقة أنني غششت!.

لا يهم أَكَان الغشّ في العلوم التجريدية أم في السياسة. يكفيك أن تُصبح حليفا عضويا لهكذا مذاق في التفكير لكي تفعل أيّ شيء. هذه عدوى أشبه بالجائحة، تُفسد كلّ شيء.

اليوم كل ما يربط ويرتبط بالولايات المتحدة أصبح مغشوش الصدقيّة. دفعت واشنطن بالعالم لأن يعتبر السياسة الأميركية والاقتصاد الأميركي والسلاح الأميركي خارج نطاق الثقة الدولية.

ينقل جاكوب هيلبرن من ناشونال إنترست بأن بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة قال خلال اجتماع لكبار مسئولي المنظمة «حاولت أن أقود بالقدوة فلم يتبعني أحد». هذه نتيجة طبيعة لمحاكاة المنظمة الدولية السياسات الأميركية وممالأتها.

عندما تُسيّر الولايات المتحدة العالم بمفهوم ولاية الراشد على القاصر، والعاقل على المجنون، والحُرّ على العبد، تُصبح الأمور أكثر إرباكا وتعقيدا. فالدول ليست مُكعّبات بألوان مختلفة، تُحمل على راحة اليد ويُحملق في أطرافها ذوو الفطنة.

هذه الدول بها شعوب تتحرّك من خلال جذور وتُربة وتاريخ وحضور وخيارات وثقافة. وهي محكومة بجغرافيا باتت تتعبّد على وقعها المصالح والسياسات. من الخطأ أن ننظر إلى العالم بغير ذلك. والتجارب لا تسمح لك أصلا بمغايرة تلك الحقيقة.

أفغانستان تجربة حاضرة. بلد بلا هويّة مدنية، ولا قدرة عسكرية، ولا خطط خمسية لكنه عَصِيٌ على التطويع. اليوم حامد كرازاي ومعه ثمانين ألف جندي أميركي والآلاف من قوات أخرى لا يحكمون أكثر من كابل وأطراف قريبة من العاصمة.

أكثر من ثلاثة أرباع البلد في تصرّف حركة طالبان التي يُقاتل أفرادها دون بزّات عسكرية واقية ولا لوجستيات لا من القوافل المُصفّحة ولا من الأواكس. وبات الغَزَل معها شبه يومي لاسترضائها ما أمكن.

في مشكلتها مع إيران يُمكن لواشنطن أن تُؤذي هذا البلد، لكن الإمكان أوسع من أن يبقى حصريا في يدها. فالإيرانيون قادرون على الرد كما تردّ عادة الدول المتناكفة ضد بعضها البعض. زيادة الخصومة مع إيران لا يمنعها من العض على ما تُريد.

التجارب بيّنت ذلك. فمشاة الأميركيين في الداخل الإيراني غير فاعلين بما يكفي لإنتاج حالة قلق جديّة للنظام. وهو حال العقوبات التي تفرضها واشنطن على طهران منذ العام 1987 والتي شكّكت فيها هيئة من الكونغرس قبل أشهر.

في الحالة الفرنسية حديث لا يقلّ تماثلا عن سابقه. ففرنسا الساركوزيّة لا تنضح بنضج سياسي مُحفِّز. ما كُنّا نعرفه عن الفرنسيين أيام ميتران أنهم استخدموا حقّ النقض في مجلس الأمن ضد الولايات المتحدة عندما أرادت الأخيرة تحشيد العالم ضد الإرهاب الدولي.

اليوم أصبحت الأخبار الواردة من باريس تتحدث عن زوجة ساكوزي كعارضة أزياء سابقة، وعن سقوطه مغشيا عليه في غابة فرساي خلال ممارسته هواية الجري. إنها أخبار هوليوديّة لا تتناسب ومكانة هذا البلد على المستوى الدولي.

أن تُقرّ باريس اليوم بأن مواطنتها كلوتيلد ريس زوّدت معهدا فرنسيا بمعلومات، وأنها وجّهت سفارتها في طهران لاستقبال المطاردين من المتظاهرين فهذا أمر مستغرب يزيد من عدم تناسب ذلك مع مكانتها الدولية.

تتذكّر فرنسا بأنها وفي يونيو/ حزيران 2007 اعتقلت طالبا إيرانيا يدرس في مركز رينو التقني للألغام بفرنسا هو فرشاد مباشر فرد فقط للاشتباه بنشاطه التجسسّي ضدها، ثم رحّلته لطهران. هذا الطالب لم يُشارك في تظاهرات الضواحي، ولم يكتب تقارير سياسية أو حقوقية أو أمنيّة لأحد ولم يفتح سفارة بلاده للمهاجرين المُطارَدِين.

فرنسا تتذكّر جيدا أنها اعتقلت (فيما اعتقلت) أربعة جزائريين وعشرة تونسيين وأئمة مساجد من جنسيات مختلفة ثم رحّلتهم خارج فرنسا بتهم تتعلّق بأمنها القومي. هذه سجايا الدول عندما يتعلّق الأمر بأمنها.

بل إن ساركوزي نفسه وعندما كان وزيرا للداخليّة قال أمام البرلمان بأنه طلب من مديري الشرطة طرد الأجانب (122 شخصا) ممن أدينوا في أعمال الشغب سواء بشكل قانوني أو غير قانوني، من الأراضي الفرنسية دون أي تأخير، حتى الذين لديهم تصاريح إقامة.

على أيّة حال، القضية بين إيران وبعض الدول الغربية لا تزيد على مُزاحمة في نيل حصّة من سوق المصالح. دول غربية لم تعد تستوعب أن أحدا له الحق في مقاسمتها شيئا. هذا المنطق لن يستقيم اليوم. والشواهد على ذلك كثيرة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2537 - الأحد 16 أغسطس 2009م الموافق 24 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:23 ص

      الغريب أن البعض

      البعض لازال غير قادر على استيعاب ما فعلته وتفعله امريكا . الغريب انها قتلت مليون عراقي وآلاف اللبنانين والفلسطينيين بسلاحها لاسرائيل لكن بعض العرب والمسلمين غير مدركين لكل ذلك
      هل سامح الغرب هتلر عندما اعتدى عليه أم اقام لمعاونيه محاكمات العصر ؟؟؟؟!!!!

اقرأ ايضاً