العدد 1940 - الجمعة 28 ديسمبر 2007م الموافق 18 ذي الحجة 1428هـ

الوجه التنموي للطاقة النووية (3/3)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

إن امتلاك دولة ما للتكنولوجيا النووية أو رغبتها في ذلك لا تعني بالضرورة أبدا نية هذه الدولة في الغزو والتدمير والسيطرة، إذ إن هذه التكنولوجيا أصبحت ضرورة ماسة في هذا العصر نظرا لأهمياتها العديدة في الاكتشافات العلمية، خاصة أن المفاعلات النووية السلمية تُستخدم في أغلبيتها لإنتاج حزمة من النيترونات التي تملك خصائص مميزة لاختبار المواد الجديدة أو إنتاج النظائر المشعة من أجل الاستخدامات الطبية والصناعية... إلى آخره. فعلم التكنولوجيا بات يُعرّف اليوم بالنانوتكنولوجيا Nanotechnology، وتُساعد التكنولوجيا النووية بطريقة حاسمة في فهم هذا العلم الذي يُشكل العمود الفقري للاكتشافات العلمية الحديثة.

من هنا بات لزاما على الدول العربية تشجيع العمل والتعاون في ما بينها الذي أصبح ضرورة في ظل التكتلات العالمية الاقتصادية. وأوضح تعبير على أهمية هذا التعاون ما أوردته ميرفت تلاوي الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الأسكوا) بقولها «التكامل الإقليمي هو الوسيلة الوحيدة ليبقى لهذه المنطقة رأي وكلمة على الأرض كلها، واستغلال الطفرة النفطية في مجالات ذات مردود استثماري تنموي (الاقتصاد المعرفي) لإنشاء مراكز بحوث علمية ومفاعلات نووية لتلبية حاجاتها من الطاقة الكهربائية وتحلية مياه البحار».

وتزداد جاذبية الطاقة النووية بالنسبة لدول لا تملك النفط والغاز مثل اليمن ومصر أيضا. ويقول مارك فيتزبتريك من معهد الدراسات الإستراتيجية في لندن إن مصر مهتمة كثيرا بالحصول علي التقنية النووية فاقتصادها ينمو، و كذلك عدد السكان وتزداد مع هذا التطور الحاجة إلي المزيد من الطاقة الكهربائية بمعدل 10 في المئة كل عام. وأعلن الرئيس المصري حسني مبارك في نوفمبر / تشرين الثاني 2007 أنه يريد بناء عدد من المفاعلات النووية. وعلي الفور عرضت فرنسا وروسيا التعاون في هذا الشأن.

وبما أن برنامج واستراتيجيات الطاقة تعتبر من البرامج بعيدة المدى والتي تتطلب جهودا واستثمارات كبيرة بدليل اشتراك 6 من أهم البلدان والتكتلات الاقتصادية في العالم، على رغم تضارب المصالح فيما بينها، في إقامة أول محطة كهرونووية في العام 2030، فإنه يمكن للدول العربية، وعلى نطاق أضيق، مجلس التعاون الخليجي اتخاذ خطوات عملية لتطوير مصادر الطاقة البديلة، ليس من خلال استيراد التكنولوجيا الخاصة بذلك، وإنما من خلال المساهمة في إنتاج وتطوير هذه التكنولوجيا وتطويرها وتوطينها في البلاد العربية أو في دول المجلس.

إن مثل هذا التوجه يمكن أن يساهم مساهمة فعالة في تنويع مصادر الدخل القومي وتحضير بدائل لمرحلة ما بعد النفط مع الاستفادة من الصادرات النفطية، باعتبارها مواد أولية للكثير من المنتجات الحديثة التي يزداد الطلب عليها في الأسواق العالمية.

الأمر الذي يجعل من الطاقة النووية عاملا مهما من عوامل التنمية في المنطقة العربية هو أن مصدر الوقود النووي (اليورانيوم) مُتوفر بكثرة وبكثافة عالية في منطقة الشرق الأوسط وهو سهل الاستخراج والنقل، بينما مصادر الفحم والبترول محدودة ما يُساعد على أن تستمر محطات الطاقة النووية في تزويدنا بالطاقة لفترة طويلة بعد قصور مصادر الفحم والبترول عن تلبية حاجاتنا وتُؤمن بذلك مصادر بديلة للطاقة للأجيال القادمة.

لكن وعلى بالرغم من ايجابيات استعمال هذه الطاقة في المستقبل القريب فانه تظل عملية توفير اليورانيوم ليست بالأمر السهل، لاسيما انه معدن ناضب ومحدود، كما أن تخزينه يقتضي الالتزام بمقاييس عالمية محددة تضع معايرها الوكالة الدولية للطاقة النووية بما في ذلك إنشاء بنك متخصص لتخزين اليورانيوم بهدف توفيره عالميا ووفق الشروط الدولية وتحت رقابة الوكالة.

وبعيدا عن كل تلك الأمور الفنية يصطدم استخدام الطاقة النووية في الشرق الأوسط بمسألة لا يمكن القفز فوقها أو إغفالها، وتلك هي أن الشرق الأوسط منطقة ساخنة تسودها النزاعات، والخوف هنا هو أن الطاقة النووية لن يقتصر دورها على المساهمة فقط في توفير مصادر الطاقة وإنما، كما هو الحال مع إسرائيل، يمكن إساءة استخدامها واستعمالها لإنتاج أسلحة الدمار الشامل. وتملك إسرائيل اليوم أكثر من 200 رأس نووية علما أنها أقنعت الدول التي زودتها بالتقنية النووية وهي فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا والنرويج وهولندا أنها كانت في عقد الستينيات تعمل في بناء مفاعل نووي لأغراض سلمية.

لكن ربما يكون ثمة جانبا إيجابيا لذلك الوضع المتأزم، فما تثيره مشكلة انتشار القدرات النووية من «مخاطر» قد يدفع الدول المالكة لها، وفق محددات معينة، نحو التفاهم بهدف إيجاد ترتيبات أمنية تعاونية تتصل بالحد من تلك المخاطر، على غرار ما حدث بين الهند وباكستان من إجراءات ثقة تتعلق بعدم استهداف المفاعلات النووية في حالات الصراع، أو التفاهم بين الدول على أطر معينة للتعامل مع النفايات النووية أو الكوارث النووية، وغيرها. إن الاهتمام بهذا الجانب إضافة إلى البرنامج الخاص بإنتاج الطاقة النووية ستشكل دعامة إستراتيجية للتنمية الاقتصادية في دول المنطقة بعد عقدين من الزمان وليس اليوم.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1940 - الجمعة 28 ديسمبر 2007م الموافق 18 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً