العدد 1944 - الثلثاء 01 يناير 2008م الموافق 22 ذي الحجة 1428هـ

مؤتمرات السلام ليست كافية

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

بينما كان الزعماء الإسرائيليون والفلسطينيون يجتمعون في قاعدة أنابوليس البحرية في محاولة أخرى لصنع السلام، استذكرْتُ المهمات الصحافية الكثيرة التي قادتني لتغطية مؤتمر مدريد للسلام العام 1991.

أذكر عن كثب كيف حافظ وزير الخارجية يومها جيمس بيكر على حجب مكان الاجتماع عن الجميع في اللقاء الدولي، لدى إعلانه عن موقع الاجتماع، شعر الكثيرون منا نحن الفلسطينيين بشعور من البهجة والاحتفال بشأن الحوارات التي تلوح في الأفق، على رغم أن الطبيعة الحقيقية للوفد الفلسطيني كانت لا تزال مجهولة حتى اللحظة الأخيرة. وعلى رغم وجود بعض الاختلافات مع «أنابوليس»، مازالت القضايا هي نفسها، وقد رأينا أن المؤتمرات وحدها لا تأتي بالسلام.

«انعقد كلا المؤتمرين أمام خلفية حرب خليج عنفية مدمرة، وكما فَعَلَت قبل أكثر من عقد من الزمان تعلم الولايات المتحدة أنه يتوجب عليها أن تقدم شيئا ما لحلفائها العرب».

تماما مثل مدريد، كان المنظم الرئيسي لأنابوليس وزيرة الخارجية الأميركية. وتماما كما توجب على وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس استخدام جميع مهاراتها الدبلوماسية لإطلاق الاجتماعات، كان موقف بيكر أكثر صعوبة مع رئيس الوزراء الصقوري إسحق شامير من الليكود، واليميني الناطق باسمه بنيامين نتنياهو، ومع القيادة الفلسطينية التي اعتبرها الإسرائيليون «إرهابية».

وفي الوقت الذي جرى تقديم محمود عباس في أنابوليس كرئيس منظمة التحرير الفلسطينية لم يُسمح للمنظمة حتى بحضور مؤتمر مدريد. إلا أنها اختارت أعضاء الوفد الفلسطيني، الذي ترأسه أحد مؤسسي المنظمة الذي يتمتع بالاحترام والتقدير، وهو حيدر عبد الشافي الغزّي (الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى عن عمر 88 عاما في سبتمبر/ أيلول العام الماضي). وعلى رغم أن منظمة التحرير الفلسطينية كانت الغائب الأكثر وضوحا في مدريد، كان قادة «حماس»، الذين فازوا بالانتخابات البرلمانية في فلسطين، والإيرانيون هم الغائبين الذين جرى عنهم الحديث الأكبر في أنابوليس.

تبدو احتمالات السلام اليوم أفضل مما بدت عليه العام 1991، على الورق على الأقل. ليست منظمة التحرير الفلسطينية حاضرة فحسب وإنما أصبحت فكرة حل الدولتين أكثر قبولا لدى الجميع. قالت رايس إن الدولة الفلسطينية تخدم الصالح الوطني للولايات المتحدة. كما نُقِل عن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت قوله إنه في غياب دولة فلسطينية فإن مستقبل «إسرائيل» معرض للخطر.

إلا أن الكثيرين من الفلسطينيين أكثر تشاؤما اليوم، بسبب عدد كبير من حالات الفشل الماضية. كان الشعور السائد هو أن حضور مؤتمر مدريد أساسي، ولكن أهمية مؤتمرات القمة تضاءلت مع فشل هذه الاجتماعات في تحقيق أية نتائج.

في غياب اتفاق راسخ وخطة فاعلة (لها أنياب!) ازدادت معدلات الانشقاق بين الفلسطينيين، الذين يريدون الخلاص من الاحتلال الإسرائيلي والقدرة على حكم دولة ذات سيادة مترابطة الأطراف. ويريد البعض، وهم يرون هذا العدد الكبير من المستوطنات اليهودية في أرجاء الضفة الغربية، أن يلغي حل الدولتين ويركز على دولة واحدة ثنائية الوطنية.

بعد أربعين سنة من الاحتلال الإسرائيلي لغزة والضفة الغربية، بما فيها القدس، لم يجد الفلسطينيون بعدُ معادلة مناسبة للتحرير. لقد حاولوا ممارسة العنف عبر الحدود (في أواخر الستينيات) والدبلوماسية العربية والدولية (في السبعينيات والثمانينيات) والانتفاضة الأولى (1987) والمحادثات السرية في أوسلو (1993) والهجمات الانتحارية (عبر التسعينيات، والتي انتهت بالانتفاضة الثانية) وإطلاق الصواريخ عبر الحدود (2006 و2007) والمبادرات العربية الإقليمية (2000 و2007) والمبادرات الدولية والمبعوثين من أجل السلام (منذ 1967) ولكن شيئا لم ينجح.

يمكن لمخطوطات المؤتمرات ومبادرات السلام والخطب الرنّانة واتفاقات الأمم المتحدة الموجهة لحل النزاع أن تملأ غرفا بأكملها. واقع الأمر هو أن المناطق الفلسطينية مازالت تحت الاحتلال الأجنبي العسكري، في تحدٍّ صارخ لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242، الذي ينص على عدم شرعية احتلال الأراضي بالقوة.

يملك هؤلاء الذين يشككون بحوافز الولايات المتحدة أسبابا جيدة للقلق. حتى يتسنى التغلب على عدم الثقة المرتكزة على حالات الفشل السابقة سيحتاج بوش لإنفاق الكثير من رأس المال السياسي. في الأيام الأولى لإدارة الرئيس بوش كانت فكرة استخدام الختم الرئاسي المميز تعتبر أمرا بغيضا بسبب محاولات الرئيس الأميركي السابق بيل كلنتون الفاشلة تنظيم اتفاقية سلام. إلا أن تأثيرا رفيع المستوى كهذا يعتبر أمرا حاسما اليوم.

لم يعد باستطاعة الفلسطينيين تحمُّل توجه الخطوة بخطوة، مثل العملية التي بدأت في مدريد. في الماضي، كانت الخطط التي تستخدم تحسينات إضافية بالتدريج أهدافا للمتطرفين الساعين للحصول على تواريخ ومواقع تستخدم لإفشال عملية السلام. خذ مثلا ما فعله مواطن إسرائيلي متطرف لإسحق رابين العام 1995. المتطرفون الفلسطينيون نفذوا تفجيرات انتحارية وغيرها من الأعمال الرهيبة عشية الانتخابات الإسرائيلية وعمليات إعادة الانتشار المهمة، الأمر الذي ضمن على ما يبدو تخلي «إسرائيل» عن مخططات الانسحاب.

ما نحتاجه، كما تقترح مبادرة السلام العربية وعدد من مبادرات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، هو وضع نهائي متفق عليه، مثل حدود العام 1967، وعملية لتطبيق شروط يتفق عليها من قبل جميع الأطراف. وإلا فإن هذه القمة وغيرها ستستمر في الفشل.

*معلق صحافي فلسطيني فائز بجوائز عدة، ويدير مركز أستاذ فيريس في الصحافة بجامعة برنستون، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1944 - الثلثاء 01 يناير 2008م الموافق 22 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً