العدد 1947 - الجمعة 04 يناير 2008م الموافق 25 ذي الحجة 1428هـ

ما وراء كلام نصرالله على الشاشة الصغيرة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بعد غياب أثار أسئلة وأجوبة ظهر الأمين العام لحزب الله السيدحسن نصرالله في لقاء أجرته محطة «إن. بي. إن» اللبنانية الأربعاء الماضي. توقيت المقابلة مهم لأنه يأتي بعد دخول البلد الصغير مرحلة «الفراغ الرئاسي» وفشل القوى البرلمانية في تخطي العقبات الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية. والمقابلة أيضا ترافقت مع إعلان باريس ثم دمشق فشل المبادرة الفرنسية التي استهدفت تقريب وجهات النظر بين قوى «8 و14 آذار». وهي أيضا جاءت عشية دعوة جامعة الدول العربية مجلس وزراء الخارجية العرب إلى الانعقاد في القاهرة؛ لبحث مخارجَ قانونية تساعد لبنان على النهوض من كبوته.

المقابلة مهمة وأهم ما فيها الدقائق الخمس الأخيرة. فالسيدنصرالله أوضح لكل الأطياف اللبنانية أن الأزمة وصلت إلى أيامها الخطيرة ولابدّ من التوافق قبل الدخول في موجة إضرابات «مدنية» و «سلمية» في الفترة التي تلي الاجتماع العربي في مصر. والموجة التي يرجح أن تبدأ بعد عشرة أيام يمكن أن تنحرف عن مسارها «المدني» و «السلمي» باعتبار أن لبنان يتألف من «شوارع» سياسية وحزب الله ليس الطرف الوحيد الموجود على الساحة. فالسيد أعطى ضمانة أنه يستطيع ضبط أنصار حزب الله، ولكنه لا يتمتع بالنفوذ نفسه حتى يضمن لجم الأطراف الأخرى.

هذا جانب من الصورة. الجانب الآخرالذي ذكره السيد في الدقائق الخمس الأخيرة من المقابلة حاول إعادة التذكير بالسياسة الأميركية ومشروع إدارة جورج بوش في المنطقة من فلسطين إلى باكستان. فالأمين العام وجه كلامه إلى «14 آذار» من دون ذكرها بالاسم وحاول تنبيه قيادتها إلى خطورة الرهان على سياسة فاشلة وغير مستقرة أو مضمونة. وجاء الكلام بما معناه إنّ بوش ليس بالضرورة معكم. وإذا كان معكم فعلا فهوغير قادرعلى الدفاع أو خوض حروب بالنيابة عنكم. انظروا ماذا فعل في فلسطين، وماذا فعل في العراق، وماذا فعل في أفغانستان. والآن انظروا ماذا بدأ فعله في باكستان. حتى باكستان لم يضمن وحدتها واستقرارها.

كلام السيد نصرالله أثار ضجة إعلامية كبيرة في اليوم التالي واستدرج مجموعة ردود انفعالية وعقلانية ولكنها في النهاية لم تلتقط تلك الإشارات التي أراد أمين عام حزب الله إرسالها إلى القوى المعنية بالأمر. لابد إذا من إعادة قراءة كلام الدقائق الخمس الأخيرة من المقابلة وهيكلة زواياه بما يتناسب مع الظروف الدولية العامة والمتغيرات الإقليمية واحتمال وجود أولويات جديدة تتحكم في السياسة الأميركية الخارجية. فهذه السياسة تعرضت إلى لطمات بعد الانتخابات التشريعية النصفية التي أجريت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2006، فصدور توصيات تقرير بيكر - هاملتون في نهاية 2006، فعقد مؤتمر أنابوليس وحضور سورية جلساته في نوفمبر 2007، ثم صدور تقرير المخابرات المشتركة (16 جهازا) في ديسمبر/ كانون الأول 2007 بشأن توقف الجانب العسكري من برنامج التخصيب النووي الإيراني.

كل هذه المتغيرات ترافقت مع تحولات دولية قادتها روسيا في أوروبا الشرقية والمحيط الجغرافي - السياسي لدول بحر قزوين، مضافا إليها عقد سلسلة لقاءات «فنية» و «تقنية» بين أميركا وإيران بشأن العراق وبين أميركا وسورية بشأن فلسطين ولبنان.

السيد لم يدخل في التفصيلات ولكنه حاول إرسال إشارات سريعة للتنبيه إلى المخاطر انطلاقا من التركيز على نقطتين مهمتين: الأولى لا تراهنوا على عقلانية(آدمية) المعارضة وإمكان استمرارها هكذا إلى ما لا نهاية . والثانية لا تراهنوا على السياسة الأميركية؛ لأنها وصلت إلى أفق مسدود ولم تعد جاهزة أو قادرة في السنة الأخيرة من عهد بوش على تَكرار المغامرات لتعديل قواعد اللعبة.

هذه الخلاصة قالها ولم يقلها السيد في كلامه. ولكنها في إشاراتها السريعة تشكّل مادة كافية لإعادة هندسة زوايا الصورة وهيكلة الاتجاهات التي يمكن أن تسير المنطقة نحوها في الأشهر المقبلة. وضمن الإطار الإقليمي العام يمكن مشاهدة المصير الخاص الذي يحتمل أن يتجه إليه لبنان في الأسابيع المقبلة في حال انقلب الشارع وأطلق آلياته (سيكولوجية الطوائف) التي يصعب ضبطها أمنيا وتنظيميا.

تأويلات

الأفكار أحيانا تحتاج إلى تأويل لفهم خلفياتها وخصوصا إذا كانت تفتقد معلومات واضحة ومفصلة ودقيقة. فالتأويل يساعد على رسم تصورات افتراضية قد تكون صحيحة أو خاطئة ولكنه على الأقل يحاول أنْ يجتهد لوضع علامات مفارقة على خريطة الطريق السياسية.

هناك أولا اجتماع وزراء خارجية الدول العربية في القاهرة غدا (الأحد)؛ لبحث الرئاسة اللبنانية؛ والحث على إنجاز المهمة؛ كذلك بحث التوطين والاستيطان في الضفة الغربية؛ ومطالبة تل أبيب بوقفه. وهناك ثانيا جولة بوش إلى المنطقة التي تبدأ في 8 يناير/ كانون الثاني وتنتهي في 16 الجاري. وهناك ثالثا دعوة مجلس النواب إلى الانعقاد في 12 يناير لانتخاب رئيس للجمهورية.

وهناك رابعا احتمال استئناف اللقاءات الإيرانية - الأميركية في بغداد لاستكمال ما جرى بحثه سابقا بشأن الملف العراقي الساخن.

هذه المحطات مهمة جدا في مواقيتها؛ لأنها تتصادف كلها في مدة أسبوعين. ولكن التوقعات المفترضة نظريا لا تشير إلى وجود حلول واقعية تؤشر إلى احتمال احتواء هذه الأزمة أو تلك. فاجتماع وزراء الخارجية العرب يرجح أن يطالب دمشق بالكف أو بالتدخل الايجابي للمساعدة على حل أزمة الرئاسة اللبنانية. وهذه المطالبة العربية خاضعة فعلا لتلك الآلية المطلوب منها التدخل أو الكف عن التدخل. وبما أن هذه الآلية غامضة أو غير واضحة فيرجح أن تكون المطالبة اقرب إلى التمني الذي يفتقر إلى القدرة على الفعل. وبما أن الفاعل مجهول يرجح أن يستمر توتر الأزمة اللبنانية إلى مزيد من التصعيد.

الأمر نفسه ينطبق على مسألة الاستيطان والتوطين في الضفة الغربية. فالدول العربية ستستنكر سياسة حكومة إيهود أولمرت التي تستهدف واقعيا تقويض وعود بوش للشعب الفلسطيني في «أنابوليس». ولكن الاستنكار لن يلعب دوره الميداني في اقناع اولمرت بضرورة وقف سياسة توسيع المستوطنات.

جولة بوش أيضا يرجح أنها لن تسفر سوى عن مزيد من الكلام وتَكرار الوعود. فالجولة تأتي في فترة انتقالية يصعب على الإدارة الأميركية خلالها اتخاذ قرارات مكلفة سياسيا وربما تؤدي إلى إضرار بالحزب الجمهوري وتنافسه على الرئاسة مع الحزب الديمقراطي.

هذا يعني في الخلاصة أنّ مجلس الوزراء مضافا إلى جولة بوش لن ينجحا في تسهيل انعقاد جلسة النواب لانتخاب رئيس للجمهورية في 12 ينايرالجاري. والأمرالمذكور يتصادف أيضا مع احتمالين: الأول عودة الولايات المتحدة إلى تنشيط المسار السوري - الإسرائيلي بناء على دعوات صدرت عن دمشق وتل أبيب. والثاني عودة واشنطن إلى تنشيط المفاوضات الأميركية مع إيران بناء على دعوة صدرت عن بغداد.

النهايات إذا واضحة على المسارين اللبناني والفلسطيني. فهي تبدو مقفلة على الخطين. فمن ناحية لبنان لن ينتخب الرئيس؛ ما يرفع النسبة التدخلية للتقاطعات الدولية والإقليمية ويرجّح أنْ تدخل الساحة في «فوضى» الطوائف والمذاهب كما هو حال النموذج الأميركي في العراق. ومن ناحية فلسطين ستنهارآمال الرئيس محمود عباس وأمنياته التي تم تصنيعها وتغليفها قبل أعياد الميلاد ورأس السنة في أنابوليس. وانهيار الوعود الزائفة أمام زحف التوطين في الضفة الغربية سيدفع السلطة إلى التراجع والمزيد من الضعف وصولا إلى فوضى سياسية لن تكون بعيدة عن تلك الصورة المأسوية التي ظهرت تلاوينها في قطاع غزة.

تأويل الكلام ربما يساعد على التقاط الإشارات. هناك متغيرات تعتمد على آليات سياسية غير واضحة أو ظاهرة للعيان ولكنها كافية لتوضيح الرؤية. هذا على الأقل ما حاول السيد نصرالله إرساله في الدقائق الخمس الأخيرة من مقابلته. والأيام المقبلة قد تتكفل بتوضيح المزيد من الزوايا... والنهايات يمكن معرفتها من البدايات. وكلام أمين عام حزب الله على الشاشة الصغيرة أعطى فكرة مختصرة عن احتمالات قد تحصل على الشاشة الكبيرة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1947 - الجمعة 04 يناير 2008م الموافق 25 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً