العدد 1948 - السبت 05 يناير 2008م الموافق 26 ذي الحجة 1428هـ

وأخيرا... تحرّكت «الثقافة»!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أن يتحرّك قطاع «الثقافة والتراث الوطني» متأخّرا ومتأخرا جدا... خيرٌ من أن يواصل سياسة الإهمال والجمود!

الخطوات التي أعلنت عنها الوكيل المساعد للثقافة والتراث الوطني مؤخرا يمكن اعتبارها خطوات مشجّعة ليس إلاّ، سواء تنفيذ مشروع تطوير مصانع الفخار نهاية العام 2008، أو وصول خبيرة في الصناعات الحرفية لدراسته قريبا، أو وضع خطة لتدريب الحرفيين لتطوير الصناعة والترويج لها.

نقول إنها خطوات مشجّعة ولكنها غير كافية على الإطلاق، فهناك حاجة لفتح هذا الملف والتعامل معه بكل مسئوليةٍ وروحٍ وطنية، وخصوصا بعد أن كشفت للصحافة لأول مرةٍ بأن «تلال عالي هي الموقع الثاني في مملكة البحرين المتوقع إدراجه في قائمة التراث الإنساني العالمي».

هذا التصريح القنبلة، يضيف على قطاع الثقافة والتراث الوطني مسئولية ضخمة، وخصوصا بعد أن أعلنت الوكيل المساعد أن القطاع هو الجهة المختصة والمسئولة عن تنفيذ مشروع صناعة الفخار، وأن الخرائط الهندسية التي أعدت سابقا لتطوير هذه الصناعة ليست بالمستوى المطلوب، ما يعني أننا أضعنا أموالا على إعدادها، ثم تجميدها في الأدراج لعدة سنوات، ثم اكتشفنا أنها منتهية الصلاحية.

الفخار - كالنسيج - ليس ملفا جديدا، فقد أشبعته الصحافة المحلية تحقيقا وكتابة، ومع ذلك مازالت هذه الصناعة التقليدية تواجه المعوّقات الكثيرة، من منع الطين إلى تكلفة الطاقة وملكية الأراضي، لكنه قد يحفّز على تحمّل الجهات الرسمية مسئوليتها تجاه التراث الوطني فعلا، بعد طول سبات وإهمال.

الصراحة اليوم تستدعي طرح الكثير من التساؤلات عن دور وسياسة قطاع الثقافة فيما مضى من السنوات، وخصوصا تلك الانتقائية في اختيار المواقع على أسس ومعايير متناقضة، تكشف عن عدم وجود رغبة حقيقية في الحفاظ على التراث الوطني. فمع كل تقديرنا لشاعرنا الكبير إبراهيم العريض رحمه الله، إلاّ أننا نتساءل: هل ان بيته أهمّ من الناحية التراثية من صناعة الفخار؟ ومع كل اعتزازنا وتقديرنا لرائد الصحافة الكبير عبدالله الزايد رحمه الله، لكن هل ان بيته أهم من الحفاظ على أكبر مقبرة أثرية في العالم من الناحية التاريخية؟

قد يدافع البعض بأنّ تلك الخطوات تمّت بمساعٍ فردية تحسب للوكيل المساعد، لكن ذلك يضعنا أمام إشكالية أكبر، فهل ينبغي ترك مسئولية حفظ تراث البلد لجهود فردية واجتهادات شخصية؟

بلادنا متحفٌ تاريخيّ كبير يتعرّض للإهمال، فهذه الجزيرة الصغيرة تنام على كنز مليء بالآثار، ولو كان لدى جيراننا عُشر ما لدينا لرصدوا لها أكبر الميزانيات وأقاموا أكبر المتاحف، أما نحن فبعد أن دمّرنا الجزء الأكبر من هذه الآثار، جلسنا لنتناقش نقاشا بيزنطيا: هل ننقذ ما تبقى أم نزيله بالجرّافات لنبني مكانه فللا لحلّ مشكلة الإسكان!

بعض الجيران استقدم متحف «اللوفر» من باريس لعرضه في بلاده، أمّا نحن فمازلنا متردّدين في تخفيض فواتير الكهرباء، أو استبدال الكيروسين بدل الغاز، ثم نتكلّم عن حماية التراث الوطني!

ضعوا اللوحات الإرشادية، وطوّروا مصانع الفخار وسلّموها للحرفيين الذين توارثوا المهنة أبا عن جد منذ قرون، واستملكوا حقل التلال الأثري... كلها خطوات جيدة لكنها ليست كافية على الإطلاق. والأهم هو أن يتوقف المتنفّذون عن استباحة الأرض، وأن تتوقف الجرافات التي تعمل كالخفافيش في الظلام.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1948 - السبت 05 يناير 2008م الموافق 26 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً