العدد 1953 - الخميس 10 يناير 2008م الموافق 01 محرم 1429هـ

فلسطين: توترات أمنية وانقسامات داخلية

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في تداعيات الملف الفلسطيني، تهديدات جديدة للسلطة الفلسطينية، أطلقها رئيس وزراء العدو، مشترطا عليها محاربة ما يسميه المنظمات الإرهابية قبل تحقيق أي تقدّم في المفاوضات، ومشيرا إلى تمكّن المقاومة من قتل جنديين إسرائيليين من دون أن يتحدث عن الاغتيالات والاعتقالات والاجتياحات التي يقوم بها جيشه، وتوسيع الاستيطان في القدس وغيرها، والتي كانت ولاتزال تستدعي ردّ فعل من حركة الانتفاضة الفلسطينية.

وإلى جانب ذلك، برزت مسألة معاناة الحجّاج الفلسطينيين عند المعابر الصهيونية، لتشير، وعلى رغم أنهم تمكنوا في النهاية من العودة إلى بلادهم، إلى حجم التخاذل العربي أمام «إسرائيل»، وإلى استعداد كامل لدى أكثر الحكّام العرب للتخلّي عن مسئولياتهم وواجباتهم تجاه فلسطين وشعبها.

ومن جهة أخرى، لاتزال التوتّرات السياسية والأمنية تؤدي إلى المزيد من الانقسام الفلسطيني الذي قد يترك تأثيره السلبي على الواقع كله، ولاسيما على المقاومة ضد الاحتلال، ذلك أن تعاون السلطة مع العدو وضد المجاهدين، يشجّع الجيش الصهيوني على الاستمرار في ممارساته الإرهابية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بحيث يسقط في كل يوم أكثر من قتيل أو جريح، من خلال الطائرات والصواريخ والقنابل التي تمثّل آلة القتل والدمار الأميركية المهداة لـ «إسرائيل» لتواصل قتل الفلسطينيين باسم محاربة الإرهاب.

أميركا: تفجير الأزمات في المنطقة

وفي المشهد الأميركي، تتحوّل أميركا في المواقع التي تتمثّل فيها مصالحها الاستراتيجية وإمبراطوريتها العالمية، إلى دولة تفجّر الأزمات في أكثر من منطقة في العالم، فالحرائق تمتد وتتوسّع لتشمل معظم مناطق الشرق الأوسط، الذي يمثل مركز الاهتمام الأميركي، نظرا إلى النفط المخزون في أرضه، والمواقع الاستراتيجية فيه، ويتصدر ذلك دور الـ «سي.آي.إي» في تنفيذ مشاريع السياسة الأميركية في الاغتيالات السياسية والانقلابات العسكرية وأعمال التخريب والإرهاب والحروب الداخلية، من خلال الفتن المتنوّعة الدينية والمذهبية والعرقية.

وقد توسع هذا الدور أخيرا بذريعة الحرب على ما سمّوه الفاشية الإسلامية أو التطرف الديني أو الأصولية الإسلامية والإسلام السياسي الحركي، في حين أن المطلوب هو امتداد نفوذ أميركا في العالم، ولاسيما في العالم الإسلامي، الذي يختزن الثروات الطبيعية والأسواق الاستهلاكية، وهذا ما يدفع أميركا إلى مصادرة كل أوضاع هذا العالم الأمنية والاقتصادية والسياسية، لتواصل استغلالها للمستضعفين من الفقراء والمحرومين.

فأميركا لاتزال تتحرك لإشاعة الفوضى المتحركة في المنطقة لحماية مصالحها وتمرير مشاريعها، إلى جانب مدّ «إسرائيل» بالمال والسلاح والدعم السياسي وإثارة الأزمات المدمّرة، كما في فلسطين وإيران ولبنان، وتحريك المجازر في حياة الشعوب المستضعفة في العراق وأفغانستان والصومال والسودان، وتوظيف العملاء الطامعين في المراكز الرئاسية الرسمية من خلال حركة مخابراتها وتحالفاتها مع المواقع المحلية والإقليمية والدولية...

باكستان: اغتيالات وفوضى انتخابية

وقد تابع العالم كله الاضطرابات التي حصلت في باكستان من خلال حادث اغتيال «بوتو»، وفوضى الانتخابات التي يراد لها أن تجعل الأوضاع السياسية في هذا البلد الفقير في خدمة النفوذ الأميركي، ولاسيما مع الخوف على مآل القنبلة النووية في هذا البلد، وربما تمتد المسألة إلى المنطقة كلها، ليكون للمشكلات دورها في إرباك الأوضاع في المنطقة، ولاسيما في إيران، التي تحاول الإدارة الأميركية أن تواجهها بالتهديد العسكري من جهة، والتآمر على نظامها الإسلامي من جهة أخرى، وتوجيه جيرانها إلى إرباك العلاقات معها، ما ينعكس سلبا على الجميع.

إننا نخاطب الشعوب المستضعفة، ولاسيما شعوب العالم العربي والإسلامي والعالم الثالث كله، أن يواجهوا الموقف بالوعي السياسي الذي يحفظ لهم أوضاعهم الاقتصادية والسياسية والأمنية، بالمزيد من الوحدة التي تجعل منهم قوة في مواجهة الاستكبار كله، لأن ذلك هو سبيل الخلاص من السقوط الإنساني أمام اجتياحات المستكبرين.

لبنان: البلد الضائع

في اللعبة السياسية

أما لبنان، فلايزال يتحرك في دوامة الجدل المتنوّع، بعيدا عن الحوار الموضوعي العاقل الذي يدرس المطالب التي تقدِّمها المعارضة أو تثيرها الموالاة بطريقة واقعية تساهم في تحريك الأزمة وإخراجها من دائرة الجمود، وخصوصا في ظلّ الثقة المفقودة التي تمتد - بفعل الأوضاع الطائفية والمذهبية والحزبية - إلى المواقع الشعبية في اختزانها للذهنية العصبية التي تهتف لهذا أو لذاك، ولكنها لا تفكر جيدا في المضمون الذي يمثله الهتاف الذي قد ينقل البلد إلى حال من الفراغ والضياع. هذا، إلى جانب اللعبة العربية الملتزمة بهذا الفريق السياسي أو ذاك، واللعبة الدولية المنفتحة على لعبة الأمم التي لا تفكر في هذا الموقع اللبناني أو ذاك، بل تسعى إلى بقاء الفوضى التي تحرس المصالح الإقليمية والدولية، بعيدا عن مصالح هذا البلد الصغير الذي تحوّل إلى ساحةٍ مفتوحةٍ على كل المشاريع والمؤامرات المتحركة في اتجاه مواجهة هذا البلد أو ذاك في تعقيدات أزمة المنطقة...

لقد أُريد للبنان أن يكون البلد الضائع الذي يبحث عن مستقبله فلا يجد له أثرا في تخطيط الذين يحركون الحاضر في متاهات الأوضاع الدولية والعربية، كما يُراد له، من خلال السائرين في مخططات أميركا و «إسرائيل»، أن ينسى معنى النصر في حربه التحريرية.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1953 - الخميس 10 يناير 2008م الموافق 01 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً