العدد 2283 - الجمعة 05 ديسمبر 2008م الموافق 06 ذي الحجة 1429هـ

لا بديل عن الحوار والدعوة إلى التسامح والتعايش

الشيخ ناصر العصفور comments [at] alwasatnews.com

عالم دين بحريني

مسألة التعايش والتقارب والانفتاح على الآخر والتواصل معه من أجل تحقيق العيش المشترك والسلم الأهلي أصبحت من الضرورات التي لا يمكن تجاهلها أو إغفالها بحال من الأحوال، وخصوصا في ظل الأجواء المشحونة والتوترات المتسارعة التي يشهدها عالمنا اليوم من صراعات دينية وطائفية وعرقية وخصوصا أن الدين قد تحوّل من كونه عامل توحد وتقارب ومحبة وانسجام وألفة إلى سبب للقطيعة والصراع والاحتراب والانقسام, وهذا يرجع بطبيعة الحال إلى سوء استخدام الإنسان واستغلاله لعامل الدين وتوظيفه للوصول إلى أهداف وغايات سياسية وتطلعات مصلحية، فإن أخطر الأسلحة فتكا وتدميرا هو استخدام الأديان وتسخيرها في إدارة الحروب والصراعات وإضرام نار الأحقاد والعداوات.

لو سألنا الأديان السماوية ما هو الهدف أو الغاية من خلق الله للإنسان؟ لكانت الإجابة تتحدد حول مفهوم وصول الإنسان إلى مرحلة التكامل الإنساني وهذا التكامل يعني في النتيجة أن يكون الإنسان قريبا من الله والقرب منه سبحانه هو غاية الغايات «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون» (الذاريات: 56)، فالعبادة بمفهومها العام والشامل وسيلة ووصلة لتحقق القرب منه عزوجل.

وبالتالي فإن كل الأديان السماوية تهدف إلى شيء واحد وهو بناء الإنسان وصياغة الشخصية الإنسانية على أساس من قيم ومبادئ السماء بحيث ينعم الإنسان بالسعادة الحقيقية والحياة المثلى ويتحقق له الاطمئنان الروحي والاستقرار النفسي والأمن الاجتماعي.

ومن الطبيعي أن التقارب لا يراد منه توحيد الأديان في شرعة واحدة أو إلغاء الفوارق بين المذاهب المختلفة فهذا أمر غير ممكن أصلا ولا أعتقد أن أحدا يمكنه فعل ذلك, كما أن المقصود ليس هو البحث عن مسألة الصواب أو الخطأ لهذا المعتقد أو ذاك كما يتصوره البعض والذي يحاول بقصد أو بغير قصد أن يثير الشكوك أمام الدعوة للحوار بين الأديان والمذاهب بالاستناد إلى مقولات حدّيّة وشعارات مجردة وهو ما يكشف عن ضعف وضبابية في الرؤية وضحالة في التفكير وقصور في ادراك واقع الحال وخصوصا إذا ما بُنِيَ هذا التصور على نظرية المؤامرة التي تختزل طريقة التفكير والتعاطي عند هؤلاء مع مجمل القضايا والمواقف.

هناك جملة وافرة من المشتركات ومساحات كبيرة وفضاءات واسعة في دائرة منظومة القيم والمبادئ الدينية والإنسانية وفي مجمل المجالات الحياتية والاجتماعية التي تتطلب تضافرا للجهود وتكاتفا من القوى المختلفة على العمل المشترك الذي يمكن لأتباع الأديان وأصحاب المذاهب في أوطانهم وبلدانهم أن يشتغلوا من خلالها للوصول إلى معالجة الكثير من المشكلات المعاصرة والحد من الأزمات الحاضرة. إن الجميع في مركب واحد وسفينة واحدة, يستوجب عليهم أن يعملوا من أجل رفعة أوطانهم وأمن بلدانهم وتنمية مقدراتهم والاستفادة من طاقاتهم وإمكاناتهم.

وهذا يتطلب أن يتطور العمل من مجرد لقاءات وفعاليات فكرية إلى أكثر من ذلك إلى العمل المشترك في المجال الإنساني والاجتماعي وفي مختلف المجالات من نشاطات وفعاليات يمكن أن تساهم في الارتقاء بمجالات البناء والأعمار.

الغاية من الحوار بين الأديان

لا بد ألا نغفل عن النقطة المهمة جدا وهي أن الغرض من الحوار بين الأديان هو الوصول إلى القواسم المشتركة التي تجمع بين الأديان، وكما أشرت فهي تشكل مساحات كبيرة جدا، ويجب علينا في المقام الأول أن نبحث عن المنهج في أمثال هذه الحوارات؛ لأن ثمة مناهج كثيرة مطروحة عند مفكري الشرق والغرب، ولا يخفى أن المنهج التراثي أو التاريخي لا يجدي في أمثال هذه الحوارات؛ لأننا سوف نواجه بالطبع قضايا وقناعات مسبقة في كل الأديان وكل دين يتمسك بتلك القضايا والقناعات، كما لا يمكن الاعتماد على المنهج الأخلاقي - وهو ما اسماه بعض المهتمين بشأن الحوار والتقريب بين الأديان (عالمية الأخلاق) - وذلك بسبب الخلاف أو التحفظ على هذا المنهج، إذ إن البعض يعتقد بنسبية القضايا الأخلاقية والقانونية، بينما يذهب البعض الآخر إلى ذاتية وواقعية القضايا الأخلاقية والقانونية، والمنهج الذي يفيدنا في أمثال هذه الحوارات هو (المنهج العقلي) فإنه باستطاعتنا أن نصل إلى نتائج مثمرة وهامة في موضوع الحوار بين الأديان فيما لو اتبعنا المنهج العقلي وهو المنهج الذي لا يختلف عليه العقلاء، وتوجد تجربة حديثة معاصرة تمثل نموذجا راقيا وهو الحوار الذي دار بين المفكر والفيلسوف الإسلامي العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي - مؤلف كتاب الميزان في تفسير القرآن - والبروفسور الفرنسي هنري كوربان في حوارهما الهادف والموضوعي في موضوع الأديان والعقائد السماوية، حيث اتبع السيد الطباطبائي والبروفسور كوربان المنهج العقلي في البحث، وقد توصلا إلى نقاط مهمة في هذا الشأن.

إن الواقع يفرض علينا أن لا بديل عن الحوار والدعوة إلى التسامح والتعايش, وأن من الثابت تاريخيا أن ضعف التسامح الديني في حياة الأمم والمجتمعات البشرية أدى إلى مشكلات كثيرة وصراعات مريرة لم يخرجوا منها إلا بخسائر فادحة وأضرار لا تحصى, وإذا كان الفلاسفة الغربيون في فترة ما يسمى بعصر التنوير لم يجدوا بُدا من اللجوء إلى الدعوة إلى التسامح الديني للحد من الصراعات والفتن التي عصفت بالمجتمعات الغربية آنذاك, فالأحرى بالقائمين على الشأن الديني من أتباع الأديان والمذاهب في عالمنا المعاصر وفي أوطاننا أن يستفيدوا من التجارب الإنسانية والحضارية في الماضي والحاضر، ويمكننا هنا أن نستذكر التجربة الأندلسية الإسلامية كنموذج للتعايش بين أكبر ديانتين في العالم والتي امتدت لأكثر من سبعة قرون.

لا شك انه وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول وانقسام العالم إلى فسطاطين وتعاظم مد التطرف والتشدد سبب طعنة غائرة لجهود التقارب وحوار الأديان وأدى إلى بروز وتقدم مقولة (صِدام الحضارات) بدل (حوار الحضارات) إلا أن ذلك لا يعني التوقف عن المبادرات وإغلاق باب الحوار بل على العكس فالوضع يتطلب بذل جهود مضاعفة في هذا الاتجاه, وأن المؤتمرات والمنتديات المتعددة التي عقدت في المنطقة وفي غيرها مثل مؤتمر أبوظبي ومؤتمر الدوحة السادس لحوار الأديان، ومؤتمر حوار الأديان الذي عقد في مقر الأمم المتحدة أخيرا وباقتراح من المملكة العربية السعودية والذي شارك فيه جلالة ملك البلاد, هي جهود كلها تصب في هذا المنحى الذي يجب أن يستمر لترسيخ قيم التسامح والتعاون والبناء.

هناك تعبير جميل لبعض علمائنا يقول: لو افترضنا أن اجتمع الأنبياء وأصحاب الرسالات السماوية في مكان واحد أو في قرية واحدة فهل نتصور أن يحصل بينهم خلاف أو اختلاف أو نزاع؟ كلا لا يمكن تصور ذلك أصلا، إذا لماذا يقع الاختلاف بين أتباع الأنبياء، هل لأنهم أحرص على الدين من الأنبياء أنفسهم؟ كلا ليس الأمر كذلك ولكن الواقع هو أن كثيرا من أتباع الأديان لم ينفذوا إلى عمق الدين وجوهره ولم يستوعبوا مقاصد الدين وأهدافه العليا ووقفوا على ساحله وتمسكوا بالشكليات والمظاهر مضافا إلى ما أشرنا إليه سابقا من سوء استغلال الدين لتحقيق غايات ومآرب على حساب الدين نفسه.

وهل استطعنا نحن أتباع الأديان أن نبرز جمالية الدين وتسامح الأديان؟ وهل استطعنا أن نبرز حقيقة الدين وروحه وجوهره في جميع تعاملاتنا ومفاصل حياتنا وعلاقتنا الاجتماعية والبينية وفي دائرة حياتنا الخاصة والعامة؟، هذا هو السؤال الذي يجب أن نوجهه، وأن نجيب عليه بصراحة وشفافية، فإننا بقدر ما نستطيع أن نحقق تقدما على هذا الصعيد نستطيع أن نقول إننا حققنا شيئا وقدمنا خدمة متميزة للأديان وللأوطان وللإنسان

إقرأ أيضا لـ "الشيخ ناصر العصفور"

العدد 2283 - الجمعة 05 ديسمبر 2008م الموافق 06 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً