العدد 1967 - الخميس 24 يناير 2008م الموافق 15 محرم 1429هـ

ملف خاص بتجربة الشاعر بدر الرويحي....الرويحي... كمنجة الشعر

بدر الرويحي، وفي تسمية أخرى بدر الروحي؛ ربما لأن في نصف اسمه خبز فضي يتلألأ في السماء ونصفه الآخر شعر يوغل في شغاف الروح أو ربما لرفيف الحمام الذي يتكدس في نصوصه المنقوعة بأوتار كمنجة شجية الأوتار والسهر.

شاعر يدعي الحب أكثر من أي شيء آخر يحب الظل ولكن الضوء يحبه بفداحة أكبر، شاعر يتوضأ بماء الأسئلة وإن اشتدت عليه الغيوم... شاعر إن شحّ عليه البلل فلا يتوانى أن يتيمم بطين الهموم الشفيفة بكل نتوءاتها أو بجرح لا يتسع له ملح المشهد الشعري.

المتتبع لذائقة هذا الشاعر المورق يلمس جليا حرصه على الغياب المثمر مفضّلا إياه على تكريس حضور بائس وممل. منذ الحب وهو حريص على تجنب الطرق العامة منحازا لهواجسه التي يحنو عليها لغة وإيقاعا وتقنية مقتديا قدر الأغصان بفطرة الحواس المدرّبة على التقاط النآمات الخافتة والحارقة في آن، كما أنه يظهر ولعا قلّ نظيره بإعادة إنتاج همومه الأكثر فربا إليه بانهمام شعري موغل في الذاتية المتوثبة بقلب يقظ وذاكرة ثملة.

ما يمتعني في نصوص هذا الشاعر هو هذا الاشتغال الحارق على جمله الموشّاة بأزهار الشجن والحنين وأكاد أجزم أن أهم ملامح نصوصه انسيابية ورشاقة الجملة المشغولة من صور موحية ومعبّرة ومحمّلة بفيض غامر من الأسئلة المدهشة والمربكة محتفظا بالحد الأقصى من العفوية العذبة.

شاعر يهوى اللغة بإفراط يغبط عليه أو قل جناحا يتجاسر بفرد مخيلته التواقة للبحث والتحليق والاكتشاف الممتع والأخاذ، تفنياته في النص محسوبة ببراعة الحزن وصوره مضفرة بذكاء فطري وحدس وحشي ومزاج أليف على رغم ريش القلق الذي يغطي ألفاظه ورؤاه، أقرأ نصوصه فألمس فيها وجدا يشد أغصان الروح فيما يتكفل الغيم بمؤاخاة الجسد، يغرف حروفه من معجم النوم الزاخر بالأحلام، يطارد الكلمات كغيم يلاحق غزلان البرية لا يحب الكلمات التي تكلس على أصابعها غبار الرتابة والتَكرار فيضخ فيها من رعشاته برقا يعيد لها عافية الشكل والمعنى، بعزف منفرد يجسد أفكاره وصوره مقيما بذلك جدارية باذخة الحزن والعتب.

نصوصه أقرب منها إلى الملاذ الذي يقوم بتشييده ليلمم بقاياه النائحة أو أشبه برجاء العينين قبل النوم، نصوص لها طاقة خلاقة تتيح له وضع أقفالها الخاصة بها ومفاتيحها المدهشة كما أنها لا تخلو من حبكات مستحبة لقارئ متسع. الرويحي هو نص عالي الآهات خفيض الرفرفة منغمس بالقلق الجميل/ بالهم الفاتك لا يفتأ عن مطاردة المعنى الهارب مانحا إياه إيقاعا داخليا خفيفا حينا وغامضا ولذيذا في حين آخر.

الرويحي يحفظ عن ظهر حب بأن الشاعر إنسان كرسته الحياة لمهمة خارقة هي ملء اليباس بالرأفة.

* شاعر وكاتب بحريني

بدر الرويحي... سمة الاختلاف

خليفة اللحدان*

الشعر لدى الشاعر بدر الرويحي شعور بالحياة، ثمّة من يكتب بجمال اللغة، وثمّة من يكتب بجمال الروح، وثمّة من يكتب بجمال الروح واللغة معا مثل شاعرنا.

لا يخضع الشعر لديه إلى التقسيمات، الشعر عنده تجاوز للوزن والقافية، وأصبح يؤمن بتداخل الفنون، وأصبح مشغولا دائما بالمطبخ الشعري، والقصيدة المختزلة والقصيدة المفتوحة والقصيدة المشتركة والمقطع الحامل، وغيرها من قضايا الشعر المستجدة والمتجددة.

إنه يتجاسر على التميز والاختلاف ليس حبّا في الاختلاف، ولكن للتحليق في فضاءات من العتق والحرية، فضاءات مبهرة يوغل في أعماقها ويسبر معانيها ليخرج لنا قصيدة طازجة بعيدة عن كل قوالب النظم الجاهزة.

الشعر لديه أفراس نافرة متمردة ليست للمهرجانات والاحتفالات والمناسبات، بل أفراس تعشق الحرية رافضة كل السروج والحدوات. في هكذا توجه وتحريض مستمر من النفس الشعرية لديه تجده ماضيا في تيهه المستحب على رغم ما يثار من لغط وعراقيل وعقبات.

ولكن المؤسف حقا، ألا تجد هذه التجارب الواعدة من ينصفها إلا القليل القليل.

* شاعر وكاتب بحريني

الرويحي هامة من هامات الشعر

إبراهيم المقابي*

في الحقيقة أراني أقف موقفا لا أحسد عليه بسبب طلب لا أقوى على رده، فيما يد المعد تقترف حسنة لصالحي عندما تحرّك فيّ القوالب المتجمدة بين الفينة والأخرى، ولن أدع للنفس مجالا لأن تكون مسكونة بهاجس الاستسلام أو هاجس المكابرة متى ما ولج هذا الحبر في باطن صفحة أعشقها منذ انطلاقها، كما أني لن أكون ذلك الشخص الذي يتخبطه العشق فيصيبه مس المجاملة حينما ألامس هامة من هامات الشعر الشعبي من الوطن العزيز مثل (بدر الرويحي).

أتصور نفسي أحيانا لا أفقه من شعر الرويحي شيئا حينما يصيب منى ذائقتي في مقتل وترتبك الصورة أمامي لتصبح مشوشة تماما وذلك لأني أقرأ أو استمع إلى فن مختلف من الكتابة غير معرّفة وغير المعروفة في قاموس شعراء الشعبي في البحرين.

ذلك الفن الذي يجعلك تمعن الفكر فيه وخصوصا عندما يخلط الرويحي أوراقه الشعرية القديمة بالحديثة.

أتخيل نفسي وكأني أجلس في مقهى رومانسي لا يحكمه سوى الهدوء، بينما رشفات كوب القهوة المطعمة باللذة تتغلغل إلى مسامع الحضور، وهذا ما يفعله الرويحي عندما يهمس إلى إحدى قصائده لتخرج من فمه وتتسلل إلى آذان مستمعيه.

استمعته أكثر من مرة وأرى أن الاستماع إليه أكثر لذة من قراءة قصائده على الورق.

أقول ذلك وأنا الذي لا تحكمه إلا علاقة الحرف والكلمة مع الرويحي وليس لي الحق بأن أضع تجربة الرويحي على نصل من نصال النقد أو التقييم طالما تمتلكنى حاسة الذوق وهوس تذوق كل ماهو جميل وسأبقى ممتنا للمعدّ الجمري لأنه أحد المواظبين على وضعي في خانة المحرجين ولكن الحذرين بشدة عند لحظة الكتابة عن قامة من قامات الشعر وتجربة متفردة مثل تجربة الشاعر بدر الرويحي المختلفة والرائعة في الوقت نفسه.

* شاعر شعبي وكاتب بحريني

العدد 1967 - الخميس 24 يناير 2008م الموافق 15 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً