العدد 1968 - الجمعة 25 يناير 2008م الموافق 16 محرم 1429هـ

التركات الاقتصادية للإدارات الأميركية

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

ما مقدار التأثير الذي يطرأ على الاقتصاد الأميركي بفعل السياسات التي يقررها رؤساء الولايات المتحدة؟ المترشحون لتولي الرئاسة الأميركية هم قيد المباشرة بوضع سياساتهم الاقتصادية المفترضة، ويقول كل مترشح أو مترشحة للرئاسة إن سياسته أو سياستها ستؤدي إلى ازدهار أكبر وإلى مزيد من الوظائف. والحقيقة هو أن لدى الرئيس في أميركا صلاحيات محدودة فقط للتأثير على مجريات الحوادث، إلا أنه مازال بإمكانه صنع فرق حقيقي. فكل زيادة في النمو الاقتصادي ستكون عرضة للتأثر بمعدلات الضريبة وبالإنفاق الحكومي وبالسياسات التنظيمية والتجارية، والتي تتطلب كلها القيام بعمل مشترك من قبل الكونغرس والرئيس معا. كما أن الفروع الحكومية كلها ستكون مقيدة بشكل كبير في حال عدم وجود بعض التعاون من قبل الفروع الأخرى، بما في ذلك المحاكم.

بإمكان القرارات التي تصدرها المحاكم أن تؤثر بشكل كبير على قدرة الشركات التجارية في العمل بشكل سليم وفي خلق وظائف جديدة. وهناك متغيرات غير قابلة للتحكم والتي تكون خارج سيطرة جميع الأعمال التي يمكن أن يقوم بها الرئيس كالطقس والزلازل والحروب والسياسات الاقتصادية التي تقررها دول أخرى. هذه المتغيرات تستطيع أن تؤثر بدرجة كبيرة على نمو الاقتصاد الأميركي. كما أن كل الرؤساء الأميركيين الذين يتولون مناصبهم الجديدة يرثون عن أسلافهم (الرؤساء السابقين لهم) الضرائب التي قام هؤلاء الأسلاف بفرضها وكذلك الإنفاق الحكومي والسياسات التجارية والتنظيمية، وسيكون الرؤساء الجدد بحاجة إلى سنة واحدة فأكثر لكي يقوموا بتطبيق سياساتهم.

عندما تولى الرئيس كارتر منصبة بتسلمه رئاسة الولايات المتحدة من الرئيس فورد، كان الاقتصاد الأميركي ينمو بسرعة بعد ركود حاد، إلا أن التضخم كان مرتفعا جدا. بعد ذلك، قام الرئيس كارتر بتعيين جيه. وليم ميللر كرئيس للبنك الاحتياطي الفيدرالي، والذي استطاع أن يقدم لنا في العام 1979 تضخما قياسيا (بنسبة بلغت 13.3 في المئة)! وكان الفريق الاقتصادي للرئيس كارتر قد أخفق في هذا المجال بحيث كان يغير سياساته كل بضعة اشهر، والذي نجم عنه حدوث كساد في العام 1980، وإعداد المرحلة الخاصة بالكساد الكبير الذي حدث في العام 1982، عندما قام رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي الجديد بول فولكر (الذي عينه الرئيس كارتر عند نهاية مدته تقريبا)، بالتنزيل التدريجي للنمو النقدي بغرض انتزاع التضخم من الاقتصاد.

أما الرئيس ريغان فقد قام بعد أن تولى منصبه بدعم السياسات النقدية «الصارمة» التي وضعها فولكر وأوصى بالقيام بتخفيضات كبيرة في الضريبة بغرض الوصول إلى تحريك للأنشطة الاقتصادية. وكان الكونغرس الذي كان تحت سيطرة الديمقراطيين قد أخفق في الموافقة على الكثير من الخفض الذي قام به الرئيس ريغان في معدل نمو الإنفاق المقترح، إلا أنه قام بالفعل بدعم الزيادة في إنفاقه العسكري بما يقارب نسبة 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وبمجرد وضع خفض الضرائب التي طلبها الرئيس ريغان موضع التنفيذ، انطلق الاقتصاد بحيث أدى إلى معدل نمو اقتصادي مذهل بلغ نسبة 7.2 في المئة في العام 1984. وتم توجيه الانتقاد إلى الرئيس ريغان بشأن الزيادات في العجز التي حدثت في السنوات القليلة الأولى من فترة رئاسته، لكن حقيقة الأمر تكمن في كون هذه الأمة تقوم دائما باستخدام التمويل من القروض بغرض شن الحروب. ولم تكن الحرب الباردة استثناء من ذلك.

وقام الرئيس بوش الأول بنسف الكثير من تركة الرئيس ريغان التي تم تسليمها له بفعل إخفاقه في الوفاء بوعد «التجميد المرن» الذي قدمه في حملته الانتخابية والمتعلق بالإنفاق وبـ «لا ضرائب جديدة». كما قام آلن غرينسبان، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، بارتكاب خطأ أيضا اقترن مع أخطاء السياسة الاقتصادية التي اتبعها بوش، مما أدى إلى حدوث كساد غير حاد في العام 1990.

أما الرئيس كلينتون فقد استفاد من الأخطاء الاقتصادية التي ارتكبها بوش، حتى وإن كان الاقتصاد في حالة نمو منذ سنتين قبل الانتخابات الرئاسية. قام كلينتون بزيادة الضرائب حتى وإن قدم وعدا بأنه لن يقوم بذلك، ثم قام بعد ذلك بعكس وجهة السير بمجرد أن تولى الجمهوريون أمور الكونغرس من خلال التوقيع على خفضهم لمعدل ضريبة النماء الرأسمالي. وقام الكونغرس الجمهوري الجديد بالانضمام إلى إدارة الرئيس كلينتون الضعيفة بالتضييق على نمو الإنفاق العام مما أدى إلى هبوط كبير في الإنفاق كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، والذي كان في معظمه عائدا إلى هبوط الإنفاق العسكري. وفعلا، فقد نما الاقتصاد بشكل سريع خلال معظم فترة إدارة الرئيس كلينتون، والسبب في ذلك يعود جزئيا إلى سياساته بالنسبة إلى التجارة الحرة ولتقييد الإنفاق، إلا أن النمو في الضرائب كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي والأخطاء الجديدة التي ارتكبها غرينسبان قد وضعت الاقتصاد في حالة ركود في الوقت الذي كان كلينتون يغادر منصبه.

أما بالنسبة إلى الرئيس بوش الحالي، فقد قام، وبشكل صحيح، بخفض معدلات الضريبة كي يخرج الاقتصاد من الركود وليستعيد النمو الاقتصادي، إلا أنه ولغاية الأشهر الأخيرة قد أخفق في فرض تقييد على نمو الإنفاق. وكانت نتيجة ذلك وجود اقتصاد نامٍ، لكن تشغيله كان من دون إمكاناته. وسوف لن تكون تركة بوش الحالي الاقتصادية معلومة بالكامل لمدة سنتين، إلا أنه إذا ما استمر في مكافحة زيادة الإنفاق، فسيكون العجز قريبا من الصفر، وسينتعش النمو في السنة المقبلة بما أن الاقتصاد قد أنجز المطلوب خلال مأزق الائتمان الذي تسبب به غرينسبان.

*خبير اقتصادي في معهد كيتو بواشنطن العاصمة،

والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»

www.misbahalhurriyya.org

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 1968 - الجمعة 25 يناير 2008م الموافق 16 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً