العدد 1975 - الجمعة 01 فبراير 2008م الموافق 23 محرم 1429هـ

سولجنتسين والتآمر على الألم

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

صاحب رواية «أرخبيل الغولاغ» و»جناح السرطان»و»يوم في حياة إيفان ديتسوفيتش»، وغيرها، إضافة إلى موسوعته في التاريخ الروسي (العجلة الحمراء) التي صدرت في 10 مجلدات رصد فيها التاريخ الروسي من العام 1914 إلى 1917، الحائز على جائزة نوبل في الآداب، الروائي الروسي ألكسندر سولجنتسين،وهو يدشن عقده التاسع، يطلّ على العالم في حوار موسّع ونادر، مع «أورينت برس» طرح فيه الكثير من القضايا والإشكالات التي أضفى عليها مسحة شعرية بلغته الحادّة والرهيفة. ذلك الذي أبدى مقاومة شرسة من موقف النهب التاريخي وتناسل اللصوص الذي يبعث على الاستغراب، بُعيْد سقوط الاتحاد السوفييتي السابق، لم يتردد في القول: «من أين أتى أولئك اللصوص بكل تلك المليارات في حين كان الجنود يمشون حفاة فوق الجليد؟». هو ذاته الذي أطلق صرخته بعفوية بالغة وهو في خريف العمر: «لا مجال للصفقة مع العبث أو مع الضجيج».

صاحب «أرخبيل الغولاغ» التي كتبها بين العام 1958 - 1967، جُرّد من جنسيته بسببها، وسيق إلى المنفى في فبراير/ شباط 1974، ليتخذ من «فيرمونت» بالولايات المتحدة الأميركية وطنا مؤقتا له، إذ أنجز في المدينة نفسها موسوعته الشهيرة «العجلة الحمراء».

لم يحد عن نَفَسِه الفلسفي حتى وهو في حوار مفتوح تناول فترة إقامته في أميركا، ليعرّج على قراءة الواقع الروسي في ظل «تناسل اللصوص» بحسب تعبيره، وانعطافا مرة أخرى على تفاصيل غاية في العمق تتعلق برؤيته وتفكيكه للثقافة الأميركية التي لم يستسغ إلا القليل من «أدبها»: «لأنني لا أحب صهيل الخيول، ولا فرقعة العربات داخل الرواية. تعنيني كثيرا النفس البشرية كما هي. كما صنعتني». لم يخف حبه لأميركا التي آوته بعد قرار النفي بسبب روايته المذكورة، لكنه حبٌ ظل فارقا حين يتعلق الأمر بالتفاصيل: «أحببت أميركا التي أعطتني هواء إضافيا. كنت بحاجة ماسّة إليه. لكنني لا أستطيع أن أطهوَ أبطالي كما تطهى أطباق (الهوت دوغ)».

في روايته «يوم في حياة إيفان ديتسوفيتش» كتبها بعد كتابته رسالة إلى أحد أصدقائه ينتقد فيها ستالين، الأمر الذي كلّفه 8 سنوات في معسكرات الاعتقال، وكان قبلها جنديا على الجبهة الألمانية العام 1948. الرسالة وقعت في يد السلطات وكان أنْ سيق إلى الجحيم السيبيري!. الرواية نشرت العام 1962.

في «جناح السرطان»، التي نشرت العام 1965، يعمد سولجنتسين إلى «الحدوته» الفلسفية ويرصد فيها تجربة مرضه في خمسينات القرن الماضي. لذلك تجد صدى من روح الرواية ذاتها في لقائه الأخير مع «أورينت برس» حين بدا متهكّما، خصوصا وقد استقر به المقام في روسيا، وحظي بتكريم لائق به وإن بدا متأخرا: «ذهبت إلى أميركا التي استقبلتني بالطبول. لم أكن أرغب في ذلك. عادة لا تُقرع الطبول للذين هُزموا، أو للذين تآمروا على الألم».

هل تآمر سولجنتسين على الألم؟ فقط أعيدوا قراءة: «لا مجال للصفقة مع العبث أو مع الضجيج»!. ستجدون سولجنتسين ذاته الذي يصرّ دائما على: «حتى الثلج بحاجة إلى من يعطيه بعضا من القلب!».

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 1975 - الجمعة 01 فبراير 2008م الموافق 23 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً