في صباح يوم جديد استيقظت مبكرا ولم أرغب في الاستيقاظ... أستيقظ لماذا؟!
ففي النوم راحة للإنسان من متاعب الدنيا، وفي الليل سكينة للفرد من ضوضاء النهار، وفي السكون راحة للنهار من ضوضاء الفرد... على رغم ذلك استيقظت، ولا أدري ما الذي دفعني على غير ذي عادة أتوجه لحديقة المنزل باكرا... أهو قدري أم هو أيضا هروب؟!
نظرت في الحديقة لا يوجد جديد... تلك الأشجار، وهذه النباتات، وهناك بذرة قد ولدت لتستقبل معي الصباح... نظرت إليها مليا، تصورت فيها ما هو قادم لي ولها، وفي ظل سكوني وتخيلاتي اقتحم علي صوت عذب لفت انتباهي وضيّع علي تفكيري، تلفت أبحث عن مصدر الصوت يمينا ويسارا لعلي أجد ضالتي والصوت مستمر في تغريده، هناك شيء داخلي في وسط بحثي المعمق عن مصدر الصوت ألهمني بأن انظر إلى احدى الشجيرات، وإذا به طائر صغير الحجم رأيته كثيرا، وأعرفه جيدا، وقرأت عنه كثيرا... إنه بلبل صغير.
لعل شكله ليس بالجميل، ولعل لونه ليس باللون المرغوب، كما يقال ذلك اللون يبعث في النفس التشاؤم، لكن من دون أدنى شك أن صوته فاق كل تصوري ومخيلتي، كنت في السابق أقرأ عن البلابل وصوتها الرائع، قلت في بالي «كلام قصص»، إلا أنه سبحان الله الخالق المبدع الذي يصور الأشياء كما يريد، الذي خلق هذا الطائر الصغير بكل هذه المميزات... وكما يقال لكل شيء حكمة.
لونه أسود، منقاره صغير أصفر، أرجل طويلة نوعا ما على طائر صغير مثله... هكذا رأيته... أما صوته وما أدراك ما صوته؟! ذلك الصوت المفعم بالأمل وبأجمل سمفونية للصوت المصحوب بأشعة الشمس الذهبية، ومع قطرات الندى التي تغطي حديقة المنزل، أراه يطير من غصنٍ إلى غصن، ومن شجرة إلى شجرة، فرحا مغردا، يشدو بأجمل ألحان التغريد التي فاقت كل الألحان الموسيقية لعباقرة الملحنين الموسيقيين، المصنوعة التي تخدع الناس بألحانها الزائفة، ولكن ذلك الصوت الحقيقي الرباني الذي لا يوجد فيه زيف أو خدعة هو الصوت الذي تطرب إليه الأنفس وتستريح وتحلق في السماء مع أصواته ومقطوعاته الموسيقية الخلابة الجميلة.
لذلك أمام هذا الجمال الرباني البديع من منا يستطيع أن يصم آذانه، أو يعمي عيونه؟!... لنفرح بالطبيعة ونحافظ عليها حتى تبهرنا بجمالها ورونقها الخاص الذي لا مثيل له.
محمود عصفور
العدد 1989 - الجمعة 15 فبراير 2008م الموافق 07 صفر 1429هـ