العدد 2003 - الجمعة 29 فبراير 2008م الموافق 21 صفر 1429هـ

الممثل العربي وجه مستهلك

فيما المحطات لا تمانع الربح على حساب الصدقية

في كل عام تمطر علينا الفضائيات العربية بأمطار موسمية من المسلسلات العربية، بالتحديد في شهر رمضان فيتجاوز عدد هذه المسلسلات المنتجة في مختلف الدول العربية 100 مسلسل في غالب السنوات، ويتربع على عرش بطولة هذه المسلسلات في غالب الأحيان أسماء لا بد أن تجد لها في رمضان عملين كحد أدنى، وقد تصل لدى بعض الممثلين إلى خمسة أو ستة أعمال تلفزيونية تعرض في شهر رمضان.

فالممثل يساهم في مسلسل كوميدي يعرض في فترة الظهيرة، وفي مسلسل تاريخي نشاهده قبل فترة الإفطار بقليل، وسيتكفل الوجه نفسه بإبكائك في آخر السهرة عند مشاهدتك للدراما الاجتماعية الحزينة والباكية جدا.

وبعد انتهاء موسم الأمطار المسلسلاتية الغزيرة في رمضان، تحرص المحطات الفضائية العربية على ألا يفوتنا أي عمل للممثل، فتعيد كل ما عرض في ذاك الشهر على شاشاتها، حتى أننا قد نشاهد وجه أحد الممثلين المصريين أو السوريين في اليوم القصير أكثر مما نشاهد وجوه بعض أفراد عائلاتنا لكثرة تكرار وجودهم في الأعمال التلفزيونية، وتجاهل المحطات العربية لأهمية عدم عرض عددت أعمال للوجه التلفزيوني ذاته في الوقت نفسه.

تكمن الإشكالية في مسألة عمل الممثل في عدة أعمال تلفزيونية تعرض في الفترة ذاتها على الشاشات، إلى أن هذه الطريقة تستهلك وجه الممثل كفنان ينقل لنا بقدراته الخاصة القيمة الفنية التي تتعامل مع العمل الدرامي، فغالبية المحطات ما لم نقل جميعها تتعامل مع العمل والفنان من وجهة نظر تجارية، لا من منطلق عرض عمل يمتلك مقومات إبداعه وقيمته الفكرية والفنية، فالمسلسل أو النجم التلفزيوني بالنسبة إليهم اسم يجلب لهم المشاهدين المعلنين وبالتالي العائدات المادية الضخمة، فما الإشكالية إذا عرض وجه الفنان في عملين أو ثلاثة أو حتى أكثر على المحطة نفسها في أوقات متقاربة، فالشاشات العربية التي تعاني من أزمة النصوص الجيدة بالتأكيد لن تمانع من أن تكون المشكلة هي ممثل متعدد الأدوار فقط، من جهة أخرى فإن الكثير من الفنانين يتعاملون مع التمثيل كمصدر رزق (عمل كغيره من الأعمال)، والممثل إنسان يرغب كغيره من الناس في تحسين وضعه المعيشي، وخصوصا أن أجور الممثل العربي ليست كأجور الممثل الهوليودي.

ومن بين أكثر الأمور التي تنتقد في مسألة المشاركة في عدة أعمال في الوقت نفسه، هي أن صدقية الفنان ومقدرته على إقناع المشاهد بالدور الذي يلعبه ستكون على المحك، فكيف سيقنع الممثل الذي يرتدي (بنطلون جينز وقميصا بسيطا لدور يلعبه في مسلسل اجتماعي عن الحياة العادية للناس) المشاهد نفسه الذي يتابعه بعد وقت قصير في مسلسل آخر يظهر فيه وهو يرتدي خوذة من الحديد ويحمل سيفا بيده ويتحدث بالفصحى، وخصوصا أن شكل الممثل وملامحه لن تختلف ما بين العملين فقد يكون الفارق الزمني ما بين تصوير المسلسلين لا يتجاوز البضعة أشهر، كما أن قدرات التغير من خلال مستحضرات التجميل مازالت ضعيفة في الدراما العربية في مقابل ما نشاهده من إبداع وقدرات في تغير ملامح الفنان كليا من خلال المكياج في هوليود مثلا.

من الأمور الأخرى التي تأخذ على الفنان العربي، إصرار الكثيرين منهم على عدم تقديم الدورة، ما لم يظهر بشكل جميل وحسن، ببشرة نقية وشعر مسرّح وأسنان براقة، يعتبر بعض الفنانين هذا الأمر أولوية قد تتفوق لدى بعضهم على أهمية إقناع المشاهد بصدقية الشخصية التي يؤديها، وغالبا ما ترى هذه لدى الفنانات؛ إذ لا يمكن أن تقبل الفنانة الوقوف أمام الكاميرات، ما لم تضمن كريمات الأساس وألوان المكياج غياب عيوب وجهها وملامحه الطبيعية التي قد تكشف عمرها الحقيق، حتى لو كان الدور الذي تؤديه هذه الممثلة هو دور سيدة متواضعة بسيطة تجلس في منزلها، تعد طعام الغداء لأفراد عائلتها.

على رغم أن تعداد الإشكاليات التي تواجه الإنتاج التلفزيوني العربي مازالت تتفوق على عدد مزاياه ومحاسنه، إلا أن ما رأيناه من تقدم على مستوى المواضيع قد يكون خطوة للأمام، ولعلنا نصل في يوم من الأيام إلى أن نقنع بعض الممثلين العرب بأن التمثيل ليس بمهنة عادية إنما هو عمل بمتطلبات خاصة تقتضي أول الأمر الحس الفني والإبداعي وليس القدرة الخارقة على تحمل عدة كيلوغرامات من مساحيق التجميل على وجوهنا

العدد 2003 - الجمعة 29 فبراير 2008م الموافق 21 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً