العدد 2004 - السبت 01 مارس 2008م الموافق 22 صفر 1429هـ

شرق المتوسط والقنبلة الصوتية الأميركية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ما هي الأهداف التي توختها الإدارة الأميركية من وراء رمي «القنبلة الصوتية» في شرق المتوسط وعلى مقربة من الساحل اللبناني؟ حتى الآن تبدو الأهداف غير واضحة ولكن خطوة تحريك المدمرة «كول» سجلت نتائجَ سلبية في الداخل اللبناني. فالخطوة استنفرت القوى المحلية واستفزتها وأحرجت الحكومة (المحاصرة أصلا) ووضعتها في زاوية اضطرتها للدفاع عن نفسها حين أعلن رئيسها فؤاد السنيورة أنه ليس على اطلاع مسبق على الموضوع.

تحريك البواخر إلى الشواطئ يعتبر في العلم العسكري رسالة سياسية يراد منها التذكير بوجود قوة قادرة على تعديل الموازين وتغيير قواعد اللعبة. وهذه الإشارة التي تعمدت واشنطن إرسالها من فوق سطح البحر كان بإمكانها أن تبعثها بوسائل أخرى من طريق الوسطاء (الأطراف الثالثة) أو الحقائب الدبلوماسية.

لماذا إذا تعمدت إدارة جورج بوش إثارة زوبعة من الرياح في وقت كان بإمكانها تجنب هذه الوسيلة؟ الجواب يحتاج إلى وقت لتوضيح جوانب الصورة. فالوجود العسكري في البحر المتوسط ليس جديدا والدول تعلم به منذ خمسينات القرن الماضي وتحديدا بعد انفجار أزمة قناة السويس. وكل الدول تملك معلومات كافية عن الانتشار الأميركي في جزر المتوسط. فهناك قواعد عسكرية ثابتة مشتركة مع بريطانيا أو الحلف الأطلسي. وهناك مهابط طيران وموانئ للسفن في تركيا وقبرص وتل أبيب وكريت ومالطا والبحر الادرياتيكي وإيطاليا وإسبانيا. وهناك الأسطول السادس وتوابعه وملحقاته. وهناك قوات منتشرة برمائية (برية بحرية) أو مجوقلة (قوات منقولة جوا) تتوزع في محيط المنطقة من أفغانستان وقطر إلى العراق واليونان. فالمشرق العربي مطوق عسكريا من كل الجهات برا وبحرا وجوا والدول المعنية بالمسألة هي على دراية تفصيلية بكل هذه الحشود ولا تحتاج إلى مدمرة إضافية للتذكير بكل هذا الكم من القوات المتنوعة الإمكانات والتجهيزات.

إذا لماذا قررت واشنطن تفجير هذه القنبلة الصوتية والإعلان عن إرسال «كول» إلى شرق المتوسط في وقت تمتلك الولايات المتحدة أكبر القواعد وأضخمها في المشرق العربي؟

وراء الافتعال الإعلامي لابد من وجود رسالة تحت سطح البحر تريد واشنطن تمريرها. وهذه الرسالة ليست بالضرورة أن تكون لبنانية أو ضد سورية أو للمحافظة على «الاستقرار الإقليمي».

لبنان مثلا يمر كعادته في مرحلة صعبة ولا يحتاج إلى هذا النوع من المدمرات التي لا فائدة منها سوى تفخيخ وضعه الداخلي وجرجرة أطيافه إلى درجة أعلى من التوتر الطائفي والمذهبي. وسورية أيضا تمر في منعطف صعب وهي تدرك أنها مطوقة عسكريا من الخلف (قواعد في العراق وتركيا) ومن البحر (الأسطول السادس) ومن الأمام (مخافر عسكرية إسرائيلية على مرتفعات الجولان المشرفة على العاصمة). والاستقرار الإقليمي ليس بحاجة إلى «كول» في وقت تحتشد الأساطيل في الخليج وبحر العرب والبحر الأحمر وتهدد المنطقة بالمزيد من الزعزعة والفوضى. وبهذا المعنى إضافة «كول» أو عشر مدمرات من نوعها لا يؤخر ولا يقدم في معادلة التوازن العسكري في اعتبار أن التفوق الجوي وكثافة النيران والقدرة على المناورة يميل من دون نقاش لمصلحة الطرف الأميركي. فالحسابات الترجيحية لا تحتاج إلى عناء أو تفكير لتحديد جهتها في اعتبار أن مختلف القوى الإقليمية، على علم ودراية بالوجود العسكري الأميركي وانتشاره الواسع في إطار دول «الشرق الأوسط الكبير».

اختبار القوة

لماذا إذا اختارت إدارة بوش اختبار القوى والتذكير بقوتها العسكرية التي لا نقاش بقدراتها وكثافتها وتفوقها في مختلف المجالات؟ التذكير بالقوة مسألة سياسية وأحيانا تعطي مفعولها الدبلوماسي من دون حاجة إلى استعمالها. وهذا النوع من التحرك الذي يطلق عليه «دبلوماسية البوارج» تعتمده كثيرا الولايات المتحدة في إشاراتها وتنبيهاتها. فهي ترسل باخرة للتذكير بالقوة (استعراض عضلات) ثم تتجه نحو الدبلوماسية (للتنبيه والتحذير) وإلا ستكون العواقب وخيمة.

إذا كان هذا هو القصد من وراء الإعلان رسميا عن إرسال «كول» إلى شرق المتوسط، فإن المطلوب من الإدارة الأميركية توضيح الأهداف من وراء هذه الحركة المسرحية المفتعلة وتحديد المعاني المتوخاة من رمي هذه القنبلة الصوتية على مقربة من الساحل اللبناني. هناك احتمالات كثيرة يمكن افتراضها نظريا قياسا على ما حصل في مضيق هرمز عشية زيارة الرئيس جورج بوش إلى منطقة الخليج. فقبل وصوله بثلاثة أيام افتعلت البحرية الأميركية مشادة كلامية مع زوارق صيد إيرانية تستخدم عادة للتزلج على سطح المياه. إلا أن هذا الحادث المفبرك فجر قنبلة صوتية شدت الانتباه إلى الزيارة وأعطتها ذاك الزخم المطلوب لجذب الإعلام إلى دائرة استراتيجية وحيوية في العالم.

بناء على هذا القياس ماذا تريد واشنطن من تلك الحركة الدبلوماسية المحشوة بفوهة مدافع المدمرة «كول»؟ هز العصا لدمشق. تنبيه حزب الله وتحذيره من اتخاذ خطوات في إطار ما أطلق عليه بالحرب المفتوحة. التغطية الإعلامية على اتصالات دبلوماسية تحصل قريبا أو بعيدا من شرق المتوسط. قطع الطريق على انفعالات وتفاعلات قد تحصل للرد على هجمات نوعية اعتزمت حكومة أيهود أولمرت اتخاذها ضد قطاع غزة. محاولة شد الانتباه إلى زيارة تعتزم وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس القيام بها إلى المنطقة في فضاء إقليمي متوتر.

كل هذه الاحتمالات يمكن إيرادها تتابعا لتشكيل فرضية تقارب تلك الحركة التي أقدمت عليها إدارة واشنطن في شرق المتوسط وقبالة الشاطئ اللبناني. إلا أن المنطق يشير إلى أن كل هذه الاحتمالات لا تحتاج إلى هذه القنبلة الصوتية التي أثارت الرعب والفزع وأطلقت السيل من التحليلات والتكهنات في وقت تمتلك أميركا الأضعاف المضاعفة من المعدات والتجهيزات والقوات الكافية لإشغال المنطقة بالحروب الصغيرة والكبيرة.

فزاعة إرسال المدمرة إلى مجال غير مرئي في الأفق تحتاج إلى وقت لرسم صورة مرئية بشأنها. إلا أن مردودها اللبناني أعطى نتائج سلبية لا تساعد على الهدوء والاستقرار في بلد يعيش هواجس الانزلاق نحو فتنة أهلية.

هذا على المستوى السريع والبسيط. أما على المستوى البعيد والمعقد يمكن ملاحظة الكثير من الخلافات العربية - الأميركية بشأن حل الملفات الساخنة. فإدارة بوش غير متعاطفة مع مشروع السلام العربي الذي أعيد إنتاجه في قمة الرياض. والإدارة أيضا غير متحمسة لذاك التفاهم الذي حصل بين «فتح» و«حماس» في مكة المكرمة. والإدارة كذلك لا تؤيد المبادرة العربية بشأن الرئاسة اللبنانية التي توافقت عليها دول الجامعة في القاهرة. وحين تقفل واشنطن كل البوابات على الدول العربية وتعطل عليها مساعيها لتفكيك مشكلات تتصل بالسلام وفلسطين ولبنان وصولا إلى غزة فضلا عن العراق وما ألحقته أميركا من كوارث بذاك البلد العربي فمعنى ذلك أن الهوة السياسية بين الجانب العربي والجانب الأميركي أخذت تتسع وتمتد من الخليج والعراق إلى المشرق العربي.

رسالة «كول» الدبلوماسية - الحربية قد تكون قنبلة صوتية احتجاجا على سياسة عربية إقليمية. فالرسالة الصوتية في شرق المتوسط قد تعكس ذاك القلق الأميركي من وجود اعتراضات أو قراءات عربية لا تتوافق بالضرورة مع توجهات واشنطن ورغباتها وغاياتها. وهذا الاحتمال البعيد المدى يتضمن ملفه الكثير من الأوراق الساخنة وهي في مجملها ترسم بوضوح خطوط خلافات عربية أميركية تبدأ بالعراق وفلسطين وتنتهي في لبنان. ومثل هذه الأوراق الساخنة تحتاج فعلا من وجهة نظر واشنطن إلى «قنبلة صوتية» تحاول تذكير الدول المعنية بوجود قدرات خاصة تمتلك إمكانات وتجهيزات ومعدات تستطيع كسر قواعد اللعبة وتغيير معادلاتها.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2004 - السبت 01 مارس 2008م الموافق 22 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً