العدد 2010 - الجمعة 07 مارس 2008م الموافق 28 صفر 1429هـ

امتهان «الغضب»

ندى الوادي nada.alwadi [at] alwasatnews.com

.

عندما تغضب فإنك تخرج من إطار ذاتك المعتادة إلى ذات أخرى قريبة منك ولكنها كانت محبوسة طويلا في تلك المساحة المظلمة التي لا يسمح لها عقلك الواعي بالخروج. لذلك إنك عند الغضب تفقد السيطرة على هذه الذات؛ لأن عقلك يكون متوقفا تقريبا حينها، فتتلفظ بألفاظ أو تؤدي حركات أو مواقفَ قد تتراجع أو تندم عليها لاحقا. لذلك ينصح المرء أن يكبح جماح غضبه ولا يعبّر عنه في حينه، ويمتص الصدمة التي تستدعي الغضب لدقائق قبل أن يقوم بأي فعل أو يتلفظ بأي لفظ. ولعل الحكم السليم والطبيعي على الأمور يستدعي أن نحترم من يكبح جماح غضبه أكثر من ذلك الذي يغضب؛ لأن هذا الأخير سيكون حينها مخطئا، مهما كان مصيبا.

الآية معكوسة تماما في البرلمانات وخصوصا العربية منها، والبرلمان البحريني الذي شهد وتيرة متصاعدة من الغضب انفجرت في جلسة الأسبوع الماضي ليس استثناء من هذه القاعدة. إذا كنت نائبا فيجب أن تغضب، وتصرخ، وكلما غضبت وفقدت أعصابك فأنت نائب قوي الشكيمة تستحق أن يمنحك الناخبون أصواتهم من جديد، وكلما كنت هادئا مستكينا فأنت ضعيف غير قادر على المواجهة، وربما ينخفض رصيدك عند آخرين بناء على هدوئك الطبيعي أو المصطنع ذاك.

المشكلة التي يخلقها هذا العرف الجديد الذي يرضي الجماهير، ويملأ صفحات الصحف في اليوم الثاني إن موجة الغضب تلك تكون أحيانا مصطنعة، وكثيرا ما كانت من دون طائل. فمواقف سياسية قليلة جدا تلك التي اتخذها نواب وقفوا بحزم مواجهين موضوعا معينا بالحجة والدليل القاطعين، وليس بالغضب.

المشكلة الأكبر إن الغضب أصبح «امتهانا» لدى بعض النواب الذين اعتبروا مهمتهم نوابا تنحصر في أن «يغضبوا» لغضب الجماهير، حتى كأنهم يتمرنون أسبوعيا على مد المجلس بجرعة جديدة من الغضب في جلسته القادمة.

في المقابل، تواجه أحيانا حتى على الصعيد الشخصي مواقف تدفعك للغضب دفعا، وربما نشط قليلا لكي نقول إن الغضب يكون في تلك الحالة ضرورة ملحة؛ لأنك تسجل من خلاله موقفا. هذا الشكل أيضا موجود في مجلس النواب البحريني على أنه أحد أشكال «الغضب» المعتمدة فيه. فممارسات السلطة التنفيذية أو الكتل بين بعضها بعضا تدفع في أحيان كثيرة إلى الغضب دفعا، حتى للمراقب من بعيد فما بالك بالنائب في عقر دار البرلمان. من هنا نجد الوضع منفجرا أحيانا بشحنات «غضب» مشتعلة لنواب عرف عنهم الهدوء، أو آخرين ضجوا مما يجري حولهم، وفقدوا أعصابهم ليقعوا ضحية «الغضب».

وبعيدا عن مجلس النواب وقريبا أكثر من الشارع، نجد «الغضب» صار مفتاحا للوصول إلى الأهداف وأحيانا تحصيل الحقوق التي غُلِّقت أمامها الأبواب. صرنا شعبا غاضبا، لا يجد أمامه - وهو يرى التجاوزات التي تجري أمام عينيه، أو حقوقه المهدورة أو قضاياه المعلقة من دون حل - إلا أن ينفجر غضبا، وينفجر، فيخرج في اعتصامات ومسيرات، ويصرخ؛ لأنه عرف أنه عصر «الغضب»، الذي لا يصل فيه الفرد إلى حقوقه إلا من خلاله.

على رغم تفهمنا كل دوافع الغضب الإنساني، فهل يمكننا أن نقبل به طريقا أوحدَ للوصول إلى الأهداف، وهو الذي يميت العقل؟

إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"

العدد 2010 - الجمعة 07 مارس 2008م الموافق 28 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً