العدد 2290 - الجمعة 12 ديسمبر 2008م الموافق 13 ذي الحجة 1429هـ

المستشار شارلز بلغريف وهيئة الاتحاد الوطني (2)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

نشرت الحلقة الأولى الأربعاء في 10 ديسمبر/ كانون الأول وتناولت وضعية بلغريف ومخاوفه من خطورة التقاء السنة والشيعة وهنا الحلقة الثانية.

2 - المطالب الإصلاحية:

سعت الهيئة إلى عقلنة الحكم وتأمين المشاركة الشعبية من خلال مجلس تشريعي منتخب وإصلاحات تشريعية وقضائية والسماح بإنشاء نقابات عمالية، وانتخاب المجلس البلدي ومجلس الصحة. ففي رسالة من قبل الهيئة التنفيذية لهيئة الاتحاد الوطني إلى الحاكم في 9 فبراير/ شباط 1955 تذكره فيها بمسئولياته تجاه البلاد، وتذكره بالمطالب التي قدمها له في رسالة سابقة بتاريخ 28 أكتوبر/ تشرين الأول 1954 وهي:

1 - إنشاء مجلس تشريعي ينتخب الشعب أعضاءه.

2 - تقنين الأحكام الجنائية والمدنية.

3 - السماح بإنشاء نقابات عمالية.

4 - إنشاء محكمة استئناف عليا.

وقد سبق أن أكدت الهيئة على هذه المطالب في رسالتها إلى وزير الخارجية البريطاني سلوين لويد في 21 فبراير/ شباط 1955، من خلال المعتمد البريطاني باروز، بعد أن رفض وزير الخارجية الاجتماع بوفد الهيئة أثناء زيارته للبحرين وفيها عبروا عن عتبهم لعدم مقابلته لهم، وذكروا بمواقف حكومة البحرين السلبية من مطالبهم الإصلاحية، ومحاولتهم المستمرة مع الحكومة البريطانية للضغط على الحاكم لوقف الاستفزازات ضد الشعب، وحثه على إدخال الإصلاحات، وذكروا الحكومة البريطانية بالديمقراطية البريطانية وما تمنحه من حريات. وفي إشارة إلى دور بلغريف السلبي ذكروه بأن ما هو صالح العام 1926 لن يكون صالحا العام 1955. وردّ وزير الخارجية بسلبية على مطالب الهيئة ومواقفها من خلال تصريح مكتوب للمعتمد البريطاني في 17 مارس/ آذار 1955، وفيها أكد على رفض حكومته الاعتراف بالهيئة وتهديدهم في حالة اللجوء إلى العنف والابتعاد عن القانون بخسران تعاطف الحكومة البريطانية، ووجّه نصائح للشعب البحريني بالاعتراف بالتقدم والإصلاحات التي تحققت مؤخرا بمساعدة الحكومة البريطانية والمساهمة بأوسع قدر ممكن في اللجان المتعددة والمجالس المنتخبة المزمع إنشاؤها (المجلس البلدي ومجلس المعارف)، والتخلي عن أفكار العنف والأعمال غير القانونية.

ورغم صدمة أعضاء الهيئة التنفيذية برسالة وزير الخارجية، إلا أنهم كتبوا رسالة مطولة وهادفة إلى الوزير سلوين لويد في 29 مارس 1955، فنّدوا فيها مزاعمه بالآتي:

1 - عدم تطور تفكير الحكومة وأساليبها.

2 - إن الوسائل الملائمة الكافية لأن يُعبّر الشعب عن أفكاره ورغباته وأن يشارك في الإدارة العامة هو ضرب من الخيال، بما في ذلك بالطبع مجلس الحاكم.

3 - استغراب الهيئة من موقف الحكومة البريطانية بوصفها بالجماعة وطالبت بإجراء استفتاء شعبي لمعرفة موقف الشعب من الهيئة، وأن المؤسسات التي وصفتها الحكومة البريطانية بالدستورية ما هي إلا مؤسسات شكلية معينة.

وبعد شكر الحكومة البريطانية على اهتمامها بالتقدم والتطور السلمي في البحرين، فقد دعتها إلى فهم حقيقة الأوضاع القائمة في البحرين، مؤكدة أن الهيئة هي الممثل الحقيقي لشعب البحرين وأكدت على الطبيعة السلمية للحركة الإصلاحية مستنكرة إشارة وزير الخارجية البريطاني لمسألة الإخلال بالأمن.

ووقع الرسالة أعضاء الهيئة التنفيذية الثمانية وهم السيد علي السيد إبراهيم ومحسن التاجر والحاج عبدعلي العليوات والحاج عبدالله أبوديب والحاج إبراهيم موسى وعبدالعزيز سعد الشملان وإبراهيم محمد حسن فخرو وعبدالرحمن الباكر.

ما هو دور المستشار بلغريف في كل ذلك؟

لقد كان المستشار بلغريف وراء إقناع المعتمد البريطاني باروز بعدم اجتماع وزير الخارجية البريطاني سلوين لويد بممثلي هيئة الاتحاد الوطني، باعتبار أن قادتها ليسوا ذوي وزن اجتماعي كبير وأنها هامشية ولا تعد سوى كونها تكرارا لما حدث في الماضي ومنذ نشأتها في نوفمبر/ تشرين الثاني 1954، فقد استخف بلغريف بها وقلّل من أهميتها وتمثيلها لشعب البحرين، وقد جاء في مذكراته المنشورة: «في أواخر العام 1954 انبثقت إلى الوجود لجنة مكونة من ثمانية أعضاء وأطلقت على نفسها اسم «الهيئة التنفيذية العليا». المواطنون تساءلوا أعلى من ماذا؟ ادعت اللجنة بأنها تمثل شعب البحرين، وهو أمر بالتأكيد غير صحيح، فالشيخ سلمان لم يعترف أبدا بهذه اللجنة ونظر إليها البحرينيون الذين يشعرون بالمسئولية بالكثير من الارتياب والحذر ولكنها في الحقيقة، نواة لحزب سياسي، الأول من نوعه في الخليج، فيما بعد أصبح اسمها يُعرف من قبل الجميع بـ «الهيئة» ولاقت التأييد بحماس من قبل المتعلمين الشباب بالمدن الذين يزعمون بأنهم مثقفون بناء على الدراسة السطحية التي تلقوها في المدارس الابتدائية والثانوية وعلى قدرتهم على الترديد بطريقة خاطئة في معظم الأحيان للشعارات والخطب المهيجة للعواطف التي يسمعونها من الإذاعات العربية أو يقرأونها في الصحف الصادرة من مصر وسورية غالبا».

ويختتم تقييمه للهيئة بالقول: «لقد تعاطفتُ مع بعض مطالب الهيئة وأيدتُ جزءا من زفرات الفئة المثقفة، لكنني لم أثق في الرجال الذين يقودونها لأنني أعرف أنهم لم يتحركوا بدوافع المصلحة العامة وحب الغير». ويكشف موقف وتقييم بلغريف للهيئة وقيادتها عن احتقاره للقيادات الوطنية البحرينية من موقف استعلائي واستعماري ويمتد ذلك إلى المتعلمين واصفا دراستهم بأنها سطحية وهو الذي يتفاخر بأنه أدخل التعليم الحديث إلى البحرين. وفي موقف آخر يسخر بلغريف من ذكاء المواطنين البحرينيين، في عنصرية واضحة.

«سألت الرجال: لماذا أنتم مضربون؟ فردوا: نحن لا نعلم السبب، لكنهم أخبرونا أننا إذا واصلنا الإضراب فسنحصل على أجور أعلى». ويسخر من المتعلمين البحرينيين «أحد الشباب الأفضل تعليما من البقية الحامل في الجيب العلوي لثلاثة أقلام باركر قال لي: نحن نطالب بحقوقنا. وعندما سألته: أي حقوق، ظهر عليه الارتباك والبلاهة، ثم ردّ بتكشيرة غاضبة: أنا لا أعلم ما هي هذه الحقوق، لكن ربما يكون بوسعك إخبارنا بالمطالب التي يفترض فينا أن نعرفها».

بل إن نظرة الاحتقار والازدراء لبلغريف، كما عبّر عنها في يومياته غير المنشورة، تمتد إلى الحاكم وكبار أفراد الأسرة الحاكمة ليس في البحرين وحدها بل في السعودية وقطر أيضا. من هنا فإن صدمة بلغريف كبيرة عندما نزل الطلبة والطالبات - الذين يعتبر بلغريف أنه تفضل عليهم بالتعليم - إلى الشوارع في نوفمبر 1956 احتجاجا على العدوان الثلاثي على مصر، والوجود العسكري البريطاني في البحرين، ومطالبين بطرد بلغريف. معتبرا ذلك نكرانا للجميل لأفضاله على شعب البحرين.ويقول بلغريف: «لقد أصبت بخيبة أمل كبيرة عندما تبيّن لي أن الكثير من المشروعات والخدمات التي عملت مخلصا لتحقيقها في هذا البلد كالتعليم والأمن والصحة، أصبحت الآن مواضيع للهجوم بواسطة أشخاص استفادوا منها».

تعاطي بلغريف مع مطالب شعب البحرين والهيئة بإصلاح القوانين، وخصوصا الجنائية، وإصلاح النظام القضائي، ونظام ضمان الأراضي الزراعية وإصلاح جهاز الشرطة، وتشكيل مجلس للمعارف بالانتخاب وتشكيل مجلس البلدية بالانتخاب، وإقامة صندوق تعاوني لتأمين سيارات التاكسي، وإصدار قانون حديث للعمل يسمح بإقامة اتحاد عمالي، وتشكيل مجلس تشريعي منتخب، وانتفاع الشعب بالموارد النفطية، وتقنين العلاقة بين الأسرة الحاكمة والشعب، وتطلع شعب البحرين لالتحاق بأشقائه العرب، ودعمه للقضية الفلسطينية وتأييده للمشروع القومي بقيادة عبدالناصر، ومعارضته للوجود العسكري البريطاني ولسياسة الأحلاف وخصوصا حلف بغداد، بالاستخفاف والمماطلة والمراوغة باعتبار شعب البحرين قاصرا لا يفهم مصلحته واعتبار قادته جهلة وأنه هو من يفهم مصلحته، وأما تطلعاته القومية فهي استجابة عاطفية لدعايات عبدالناصر من خلال صوت العرب والصحافة المصرية المضللة

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 2290 - الجمعة 12 ديسمبر 2008م الموافق 13 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً