أيتها النفس الوديعة، مالي أراك تحملين فوق طاقتك، ما بالك تتفطرين حزنا وألما، ودماء الأسى تسيل من بين أرجائك وشعور اليأس يكاد يهدم كيانك؟
ما لي أراك ناقمة على الدنيا وما فيها، ومازلت في مقتبل عمرك ومازال أمامك درب طويل ملئ بمسرات الدنيا ولذائذها؟ لماذا لا تنطلقين وتهيمين في أجواء الآمال والأحلام كما يفعل غيرك في عمرك؟
أو تدفنين الآمال العذبة والأحلام السعيدة تحت أنقاض اليأس والحزن؟ من تكونين أيتها النفس فمنك عجبي...
تحركت كوامن النفس الصغيرة، وضاءت في داخلها فجأة شعلة خافتة سرعان ما خنقتها الذكريات وأطفأها الواقع الأليم وسمع صوتها الخفيض الهامس وهي تقول:
ومم العجب؟ ولماذا؟ أو تعجبين من نفس مقهورة مغلوبة على أمرها وجدت نفسها فجأة وحيدة بعد أن أصابت قذيفة «ضلت الطريق» منزلها؟
رأت أمها تخرج من تحت الأنقاض جزءا جزءا، وأختها الرضيعة لن تتاح لها فرصة التعرف على استخدام القدمين فقد بترتا قبل أن تتعلم المشي!
وأخوها ذو السبع سنوات خرج مستغيثا صارخا لتسكته رصاصة حية اخترقت قلبه انطلقت من بندقية محتل غاشم لا يرحم صغيرا ولا كبيرا ولا يعرف للأخلاق سبيلا؟
مجرمون هم هؤلاء الذين صيروا ابتسامة الطفل إلى دموع غزيرة لا تعرف النضب حتى تقرحت العيون وتصدعت القلوب من الحزن مجرمون هؤلاء نسجوا الشرانق المتينة حول فراشات العمر فخنقوها وحولوا أراضينا إلى أراض جرداء.
كيف لي أن أضحك وألهو ومن حولي الذئاب تنتظر نهش لحمي وعلك عظمي الطري أنا أيضا؟ كيف ابتسم وأنا أرى الناس في كل مكان وقد اعتادوا على مشهد الدماء لتكرارها كل يوم فلم تعد تلفت نظرهم تلك الأعداد الضخمة من الشهداء إلا كما يلفت شروق الشمس في كل صباح كلا لا تطالبيني بالفرح فلم يعد مصطلحا يشغل حيزا من قاموسي، بعد أن عجزت عيني عن رؤية قلوب نابضة وضمائر مستيقظة ولم تعد تقع إلا على جيف متعفنة وقلوب استحالت صخورا سوداء لا ينفذ إليها شعاع الضوء أبدا... تسمى مجازا بالحكومات العربية والمجتمع الدولي!
فهل عرفت الآن من أكون؟
أنا نفس طفل صغير، يعيش في لبنان وفلسطين، راعها ظلم الإنسان، وهزتها مرارة العيش، وحملتها أمواج الأسى بعيدا، فلن أعود أبدا... إلا بعودة الوطن المفقود
العدد 2015 - الأربعاء 12 مارس 2008م الموافق 04 ربيع الاول 1429هـ