العدد 2025 - السبت 22 مارس 2008م الموافق 14 ربيع الاول 1429هـ

إيران اليوم... بين عنصرية ابطـحـي وإسلامـيـة أحمـدي نجـاد!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com
محمد صادق الحسيني

لأكثر من سبب, ولخطورة الوضع الذي نمر فيه نحن المسلمون من طنجة مرورا ببغداد وطهران وبيروت وغزة وكابول 

فقلت لها: سيدتي الفاضلة: عمّ تتحدثين وأين محل استغرابك؟

فقالت لي: أنت عراقي فلماذا تحمل مثل هذه الوثيقة؟

قلت لها: من أين لك هذا الاستنتاج؟ قالت لي أنت من مواليد النجف الأشرف إذا أنت عراقي!

وهنا علت نبرتي وأجبتها بغضب: وهل تقولين هذا الكلام لمن يأتي من الولايات المتحدة الأمريكية من المواطنين الإيرانيين ممن قد يكون من مواليد لويس أنجليس مثلا؟

فارتبكت المسكينة وانتبهت لما وقعت فيه من خطأ وأطلقت سراحي على الفور!

وقتها كانت أرجاء جامعة طهران تعجّ بشعارات مبتذلة وفتنوية وعنصرية مقيتة كان يحركها أولئك المتطرفون الآنفي الذكر وكان عنوانها: «أخرجوا هذا العراقي (هاشمي) من البلاد» وكانوا يقصدون يومها رئيس السلطة القضائية الحالي آية الله هاشمي شاهرودي والذي كان لتوّه قد عين بهذا المنصب.

ووقتها دارت نقاشات مثيرة حامية على أكثر من صحيفة إصلاحية فيما إذا كان الرجل من ولادة مدينة شاهرود في إيران أم مدينة النجف الأشرف في العراق!

لكن ذلك لم يكن الوجه الوحيد والغالب في إيران إلا في تلك اللحظة التي كان فيها أولئك القلة البائسة من «مثقفي» «البان ايرانيست» الذين تقمّصوا صفة الإصلاح وحاولوا اختطاف الرئيس الإصلاحي وإيران الإسلامية كلها في لحظة غفلة من الأمة الإيرانية المسلمة والمتسامحة مع الآخر البعيد فكيف مع جيرانها العرب فضلا عن شركائها في الوطن من مواليد البلدان العربية المجاورة ولاسيما العراق الحبيب!

نعم العراق الحبيب بمدنه المقدسة على الخصوص, والتي يعشقها الملايين من المسلمين الإيرانيين والذين يتبرّكون بك عندما يعرفون أنّك من مواليد تلك المدن! لكن الفرق بين هؤلاء وأولئك, أن هؤلاء الذين يتبرّكون بك هم أنفسهم من يتعطشون لدعم أبناء المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق, ويقدمون «ذهبهم وذهابهم ومذهبهم» فداء للإسلام العظيم وقادة الجهاد ضد العدو الصهيوني باعتباره أم المصائب والاخطار, فيما أولئك المدعون أنهم آمنوا بثورة الإسلام الإيرانية إنما تنطبق عليهم الآية الكريمة : «قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم» (الحجرات: 14)!

وعلى هذه القاعدة تدور المعارك الكلامية والانتخابية اليوم في إيران بين غالبية الأمة الإيرانية المسلمة بجميع أطيافها الموسومة بالمحافظة أو الإصلاحية وبين قلة بائسة وتعيسة تنطبق عليها الآية القرآنية الشريفة «أرأيت من اتخذ إلهه هواه» (الفرقان: 43)، وهي غائرة في قعر الاستسلام والهزيمة النفسية الداخلية وعينها مشدودة إلى سراب الخارج «الديمقراطي».

قبل أيام كنت في حوار ساخن مع مساعد الرئيس السابق محمد خاتمي، السيدمحمد علي أبطحي، وذلك في إطار الحوار المفتوح الذي يقدمه الزميل غسان بن جدو وكان الموضوع عن دلالات الانتخابات الإيرانية الحالية وكان رأيي بالطبع كما هو معروف أن ما يجري إنما هو صراع بين رؤيتين إحداهما «قومية» استئصالية ضيقة لا ترى من العالم إلا حدود إيران «الجمهورية» وهي الرؤية التي تمثلها أقلية متسلطة ومصادرة للرئيس الإصلاحي وشعار الإصلاحات والتي كادت أن تجر البلاد إلى الكارثة والسقوط؛ لأن عينها كانت دوما نحو الخارج الغربي ويمثلها أمثال أبطحي ومن يشبهه في طريقة تفكيره ممن يتدثرون بعباءة الرئيس خاتمي بحثا عن مظلة ومشروعية وهو براء منهم, وأخرى إسلامية عالمية النظر تريد الدفاع عن الإسلام والمسلمين على امتداد العالم الإسلامي بلا حدود قومية مانعة للتضامن ولاسيما قضايا النضال العربي وفي طليعتها القضيتين الفلسطينية واللبنانية, وكان ما كان من نقاش حاد وساخن على الأثير حاول أبطحي خلاله أن ينفي كل ما اتهمته به ويتفلت من الإجابة عن الأسئلة المحرجة وساعيا بكل ما أوتي من حيلة لتبرئة نفسه من كل ميل قومي عنصري!

لكن أبطحي لم يكذّب خبرا وما لم يجرؤ على قوله على الهواء مباشرة وعلى مسامع الرأي العام العربي قاله في موقعه الالكتروني بعنصرية صريحة مقيتة ذكرتني بالعصبية النتنة التي نهى عنها رسولنا الكريم, وذلك عندما لم يجد ما يرد علي بالقول إلا أن يقول إن هذا الحسيني إنما هو من «الكتاب العرب» وهو «عراقي الأصل» وبالتالي «لا حرج على أقواله»!

وكل ذلك بهدف الانتقام من «ملحمة» الانتخابات الأخيرة التي وحّدت كل القوى المبدأية من أطياف المجتمع الإيراني المتنوع من رفسنجاني إلى خاتمي إلى كروبي إلى احمدي نجاد مع حفظ الألقاب, فيما خذلت تحليلات أبطحي وأمثاله من القوميين العنصريين المتمسحين بالدين والمتدثرين بعباءة الرئيس خاتمي ولكن إلى حين!

وهنا أريد أن أقول لإخوتي الإيرانيين والعرب كلاما هو من صميم القلب ومن تجربتي الطويلة والمتراكمة مع كل شعوب المنطقة الغنية بالثقافة المتسامحة: إياكم والوقوع في حبائل هؤلاء المتمسحين بالصبغة الدينية الظاهرة من القوميين العنصريين والشعوبيين المشعوذين؛ لأن هذا هو داؤنا الحقيقي! وهذه هي مصيبتنا التي منها ينفذ اليوم الأميركي وغيره ممن يستنجد بهم البعض ليغرق بلادنا بمزيد من النظريات والسلوك العنصري والاستعماري المستورد على حساب نظرية وحدة الأمة الإسلامية التي كان يغضب منها أمثال أبطحي على مدى سنوات حكومة الرئيس السابق والذي حاول هو ومن معه حرف الرئيس المخلص والنجيب محمد خاتمي عنها وهم يحاولون اليوم صد الرئيس أحمدي نجاد عنها أيضا بل إنهم يرون في عالميته الإسلامية إحدى أهم «ذنوبه» الكبيرة التي لا تغتفر!

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 2025 - السبت 22 مارس 2008م الموافق 14 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً