العدد 2043 - الأربعاء 09 أبريل 2008م الموافق 02 ربيع الثاني 1429هـ

حيث لا رئة قادرة على استنشاق الحرية... يكون الإحباط

الشاعر المصري أشرف عامر في لقاء مع «فضاءات»:

صمت كثيرا، لعقدين من الزمن، رفض أن يتكلم إلى الكبار واختار بديلا عنه عالم الصغار، لجأ إلى الطفل علّه يكون المأوى من ظلم الكبار، وبعد عقدين من السكوت، نطق بـ «هو تقريبا... متأكد»، ديوان شعري تكلم من خلاله الشاعر المصري أشرف عامر، ولكن كلامه لم يحمل سوى الإحباط، روح محبطة تطرح تساؤلا ملحا عن الأسباب التي دفعته إلى أن يتكلم بعدما طال سكوته، لماذا نطق بكل هذا الإحباط؟ وماذا أراد من قطعه لصمت العشرين سنة؟

مختلف هذه الأسئلة طرحناها على صاحب «هو تقريبا... متأكد» الذي كان ضيفا على أسرة الأدباء و الكتاب بالبحرين لدى احتفالها باليوم العالمي للشعر، في الحوار الآتي:

بإعتقادي يصعب البدء في الحديث من دون التطرق إلى حالة الإحباط التي ترافق نصك الشعري في ديوانك الأخير، «هو تقريبا... متأكد»، لماذا هذه النبرة المحبطة؟

- أعتقد أن الإحباط أصبح سمة العصر وتحديدا سمة المبدعين في هذا العصر والأكثر تحديدا، هو أنه أصبح سمة مبدعي العالم العربي.

لكنك لم تجب عن أسباب هذا الإحباط، لديك أنت أشرف عامر الشاعر ولدى المبدعين العرب، كما قلت منذ حين؟

- حيث لا رئة قادرة على استنشاق الحرية بمعناها الحقيقي وليس بمعانيها الزّخرفية وتجلّياتها الاستعراضية وحيث فقدان القارئ الذي أصبح تائها بين الكثير من المغريات الاستهلاكية حتى في مجال الفن والأدب والثقافة بشكل عام، فإن وجد قارئ فكثير منه أصبح استهلاكيا لا يبحث إلا عن متع ثقافية زائلة، وهذا بلا شك يدعو إلى شعور المبدعين الحقيقيين بالوحدة و بالتالي بالإحباط، اللّهم إلا وجود ذلك الاستبشار التاريخي لدى نفر منهم ما يجعلهم في حالة اتصال وتواصل مع اللحظة.

لكنك عدت إلى الساحة الشعرية و الثقافية على الرغم من اقتناعك بانعدام جدوى الكلام في هذه الفترة، عدت بعد صمت دام عقدين من الزمن، عودة تتناقض مع موقفك الذي أعلنته سواء من خلال هجرك للشعر أو من خلال رأيك في قارئ اليوم الذي وصفته بأنه قارئ استهلاكي؟

- لأن القارئ كذلك ولأنني اكتشفت أننا في لحظات تحول مرعب خلال الـ20 سنة الماضية ولأنني أيضا وهذا أمر حقيقي، كسول، فقد كنت أكتب ويكفيني أن يكون هناك قارئ واحد ليسمعني، كي أضع ما أكتبه في درج المكتب، هذا القارئ هو أمل الشريف، زوجتي.

لهذا السبب حوّجت خلال الخمسة عشرة سنة الماضية 3 مجموعات شعرية، أولها كتب في البحرين ولم ينشر إلى حدّ الآن بعنوان «اكتشافات الفراشة» وثانيها «نصوصها» وثالثها «حبّة خردة» وهو ديوان بالعامية المصرية» وهذا بخلاف ديواني الأخير «هو تقريبا... متأكد».

ولا يفوتني أن أقول إن «اكتشافات الفراشة» كتب خلال الفترة بين 1988-1989-1990وهو مهدى إلى صديقة وزميلة بحرينية كانت تعشق الشعر، وهي الراحلة وداد الصّحاف، وقد كانت زميلتي في العمل لدى عملي في البحرين حيث شغلت مهمة أخصائي البرامج الثقافية ومدير تحرير مجلة «صدى الأسبوع» ومشرف الصفحات الثقافية في صحيفة «الأضواء» من أول الثمانينات وإلى أواخر التسعينات.

الملفت في تجربتك الشعرية هو مراوحتك بين الكتابة باللغة العربية الفصحى والعامية المصرية، يبدو غريبا أن تجمع بينهما، كيف توفق بين الكتابة بالفصحى والعامية، وهي على ما يبدو ليست مجرد تجربة خصوصا وقد صدر لك من قبل ديوان شعر بالعامية المصرية وها أنت تتحدث الآن عن ديوان ثان ينتظر النشر؟

- أولا بشكل شخصي لا أرى الفن منقسما، لغة الشعر لغة خاصة تتجاوز حدود العامية والفصحى، وسواء كانت الكتابة وفق قواعد النّحو العامي وللعامية نحوها الخاص، أو كانت الكتابة وفق قواعد اللغة العربية الفصحى، فإن كلاهما لا يتعدى كونه حالة اصطياد للّحظة الشعرية أو الإبداعية بشكل عام، وهذا المهم في عملية الكتابة، لذلك أنا أترك نفسي للكتابة والقصيدة أو النص الأدبي هو الذي يفرض وسيلة الكتابة.

خلال الفترة التي انقطعت فيها عن الكتابة أو بالأحرى عن نشر كتاباتك، توجهت إلى عالم الطفل، لماذا هذا التحول؟

- كتبت للأطفال للسبب ذاته، إحساسي بالإحباط من عدم وجود اهتمام حقيقي بالشعر، ربما كانت محاولة مني للمساهمة في خلق جيل يحب الشعر، هي مساهمة مع آخرين في عدد من الدول العربية، حاولنا من خلالها الوصول بالشّعر إلى مستحقيه الصّغار.

لكن من المعلوم أن الكتابة للطفل من أصعب أنواع الكتابة، وكأنك لجأت إلى الحل الأصعب لإنقاذ الشعر من خطر التهميش؟

- صحيح أعتقد أن اختيار الكتابة للطفل وبلغة عربية فصحى، اختيار صعب ولكنني و وفق ردود أفعال الصغار و الكبار، أستطيع أن أجزم أن تجربة الكتابة للأطفال حققت نجاحا ملحوظا قد يكون السبب الرئيسي الذي أغناني خلال تلك الفترة عن الدّفع بالدّواوين الشعرية الأخرى إلى النشر، خصوصا أنني كنت أعتمد على الكتابة بلغة صحيحة إيقاعا ولفظا لكنها في الوقت ذاته تحتوي على بساطة تليق بخبرات الأطفال المحدودة.

سواء تعلق الموضوع بشعر موجه إلى الطفل أو غيره من الشرائح العمرية، فإن الجميع يتحدث عن أزمة تمر بها الساحة الشعرية العربية، ما رأيك؟

- قال لي أحد الشعراء الأصدقاء، الشاعر إبراهيم داوود، الشعر أصبح صعبا، وفعلا أنا أشاطره الرأي فالشعر صار صعبا فقد تجرد من كل أدواته الكلاسيكية التي كان يعتمد ونعتمد نحن عليها بالتفريق بينه وبين النثر السردي ولم يعد أمام الشاعر الآن إلا قدرة الشعر الخاصة بنبضه الحقيقي من دون مؤثرات أو عوامل أخرى.

أصبح هناك خيط شديد الدّقة يفصل بين ما هو شعري وماهو غير شعري، هذا الخيط الرفيع هو ما يفصل بين شاعر حقيقي وغير ذلك.

بحكم اطلاعك عن قرب على المشهد الثقافي في البحرين، كيف تقيمه؟

- المشهد الشعري في البحرين يتساوى مع المشهد الشعري في الدول الرائدة ثقافيا فالبحرين تتمتع بمناخ ثقافي كان يدفعني منذ20 عاما وإلى اليوم، إن البحرين بكاملها عبارة عن شارع ثقافي يجري بين مدينة الأمة العربية.

العدد 2043 - الأربعاء 09 أبريل 2008م الموافق 02 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً