العدد 2043 - الأربعاء 09 أبريل 2008م الموافق 02 ربيع الثاني 1429هـ

«الجَعْكَرَة» والمحلّة البحرينية!

محمد المخلوق comments [at] alwasatnews.com

على عادة المثقّفين في التفلسف، فقد ابتدع مثقّفو/ لغويّو الزمن الغابر مصطلحا منحوتا يختزل عبارة «الجوع كافر» إلى «الجَعْكَرَة» بما تحمله حروف هذه الكلمة أصلا من أزمة تحدث في جهاز النطق عند التلفّظ بها بسبب عدم التجانس بين عناصرها.

ذلك المثل المنحوت المأخوذ من واقع حياة البشر هو ما دفع مارد قرية «المحلّة» المصريّة إلى الخروج من القُمقم في احتجاجات عنيفة على اشتداد أزمة رغيف الخبز نقلت بعض صورها وأخبارها وكالات الأنباء العالميّة على مستوى واسع في بلد محكوم بقوانين صارمة ويشهد ملاحقات أمنيّة منذ سنوات لفلول جماعات سياسيّة وأبرزها جماعة الإخوان التي تضمّ بين جوانحها طبقات متنوّعة. الفقير المصريّ في المحلّة الذي لا يملك قوت يومه، ويعيش تحت سندان ومطرقة الفقر معا، ويجد نفسه مسوقا يوميّا لأن يشتري أردأ أنواع الخبز بالنخالة بمبلغ يساوي خمسة فلوس تقريبا، خرج في مظاهرات عارمة لأنه لم يستطع أن يصدّ هجوم ارتفاع الأسعار إلى درجة إباحة حتى خبزه البائس، فلم يعد شيء عزيز لديه بعدما انتهكت حرمة ذخيرته في هذه الدنيا الفانية!

معلوم أنّ «الجعكرة» والاستئثار سبب رئيسيّ لكثير من الثورات والانتفاضات، إذ يتعاظم الشعور المتراكم بالإحباط والمعاناة مع إحساس المواطن بالغبن وسوء توزيع الثروة والتمييز، فتنفجر الأوضاع ساعتها إلى درجةٍ تفقد حتى الحكماء السيطرة، وينطبق حينها قول الإمام علي بن أبي طالب (ع): «عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه».

البحرينيّ مرشّح لأن يكون يوما كما المصريّ، فالإصرار الرسميّ على اعتبار «علاوة الغلاء» معونة، وصدور قائمة فضائحيّة، والتصريح بأنْ لا قوائم أخرى غير ما نشر، وتأكيد وزيرة التنمية الاجتماعيّة فاطمة البلوشيّ أن الموازنة المرصودة للعلاوة غير كافية وبالتالي العجز متوقع بما يعنيه ذلك من أثر على الاقتصاد البحرينيّ، كلّها مؤشرات على أنّ العلاوة ستكون بلاء يُضاف لبلاءات البحرينيّين الأخرى، وحينها ليس من المستبعد أن نشهد يوما من الأيّام خروج أكثر من «محلّة بحرينيّة» في مظاهرات لا تطالب الحكومة بشيء سوى إلغاء العلاوة بأثر رجعيّ، في محاولة لإرجاع عقارب سّاعة الأسعار إلى الوراء قليلا، ولكن ولات حين مناص!

صحيحٌ أن غلاء المعيشة ظاهرة تكتسح العالم كلّه، ولكنّ هناك مخارج لربّما تخفّف الأزمة، ومنها فكّ الارتباط بالدولار، وتطبيق الشفافيّة الاقتصاديّة وأخواتها على جميع الأصعدة، ومحاربة كلّ أشكال التمييز والتفرقة، وبناء دولة المؤسّسات وفق منظومة الحكم الصالح، وحينها لن نحتاج إلى «معونة»/ «علاوة»/ «مساعدة»/... أحد، بل سنرفضها رفضا باتّا طالما عشنا بكرامة تحت ظلّ القانون الذي يساوي الجميع، وبذلك سننزع فتيل أيّة «محلّة بحرينيّة» مستقبلا.

العدد 2043 - الأربعاء 09 أبريل 2008م الموافق 02 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً