العدد 2049 - الثلثاء 15 أبريل 2008م الموافق 08 ربيع الثاني 1429هـ

عن الصفوية التي عنها يثرثرون

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في آخر برامج «الرأي والرأي نفسه»، التي تمتّعنا به قناة العائلة العربية، عليك أن تسمع فقط، لا تتكلّم، لا ترد، لا تنتقد، وإلاّ فإنك صفويٌ وموالٍ لإيران!

في بعض البرامج «الحرّة»، عليك أن تلزم الصمت مثل الصنم، حتى لو شتموك، أو كذبوا عليك، أو اتهموك بالخيانة والعمالة لدول أجنبية، أو تلاعبوا بحقائق التاريخ. وإذا تكلمت فأنت عدوٌ لحرية التعبير! والمفارقة أن من يطالب بحبس الصحافيين على آرائهم، أصبح هو المنافح عن حرية التعبير!

لا إشكال! قولوا ما تشاءون، اكتبوا، بالغوا، (شلخوا)... إلاّ الخربطة في التاريخ، فالتاريخ بالنسبة لعشّاقه خطٌ أحمر، وخصوصا على من يستمرئ السرقة من الكتب القديمة والمقالات!

الجماعة لا يتحملون نقدا ولو بمقدار ملليمتر واحد على جهاز الباروميتر الزئبقي، لكن من الواجب تصحيح الأخطاء والمغالطات انتصارا للحقيقة والتاريخ. فالشيعة لم يكونوا قبيلة صغيرة تعيش في أدغال إفريقيا أو غابات الأمازون، ولا يمكن تلخيص تاريخهم بين مقتل الحسين وعام الغيبة كما يزعمون. والتشيّع لم يُولد مع إسماعيل الصفوي في بطنٍ واحدٍ حتى يربطوا به كل التطورات السياسية في العالم الإسلامي أواخر القرن العشرين! إنها «جمبزة» تاريخية ليس فيها شيء من احترام عقول المشاهدين.

تاريخ الصفويين لا يقل بشاعة عن تاريخ بقية السلالات التي حكمت العالم الإسلامي في العصر الوسيط، وكما كان بعض الأيوبيين والسلاجقة والمماليك يشنقون منافسيهم ويعلقون جثثهم فوق أسوار العواصم وأبواب المدن، فإن الصفويين كانوا يقلعون عيون منافسيهم ويعلّقونهم على أبواب الحصون والقلاع.

الصفويون واحدةٌ من السلالات التي توالت على حكم الدول والممالك والسلطنات والإقطاعيات والحظائر والخيام والمضارب في هذا الشرق التعيس! لكن جريمتهم التي لا تغتفر أنهم فرضوا على الإيرانيين التحوّل من «التسنّن» إلى «التشيع»، واستخدموا الترهيب والترغيب، تماما مثلما فعل الأيوبيون مع المصريين، بتحويلهم من «التشيّع» إلى «التسنّن» عن طريق الترهيب والترغيب. هذه بعض حقائق التاريخ التي يجهلها بعض كتّاب آخر الزمان.

ثم إن التشيع لم يُولَد بعد 1979، ولم تكن «الجمهورية الإسلامية» أول دولة «شيعية» تقوم في الأرض، فقد سبقتها عشرات الدول التي لم يسمع بها هؤلاء، من جبال الديلم وسهوب خراسان، إلى دولة الأدارسة في فاس على أطراف الأطلسي. بل إن سيطرة إحدى دولهم امتدت قرنين من شمال إفريقيا (المغرب وتونس والجزائر وليبيا ومصر) إلى الشام (سورية وفلسطين ولبنان والأردن) نزولا إلى الحجاز واليمن. فالتشيّع لا يمكن لفّه مع إسماعيل الصفوي في قماطٍ واحد، فهذه «جمبزة» تاريخية لن تمر حتى لو أذيعت في برامج «الرأي الذي لا يمس»!

هناك معلومةٌ تاريخيةٌ نتمنى أن يعرفها الجميع، وتتعلّق بفارق مهم بين التجربتين المصرية والإيرانية في التحوّل الجماعي بين المذاهب الإسلامية، ففي الوقت الذي لجأ الأيوبيون إلى تصفية كل ما خلفه أسلافهم من تراث ثقافي وفلسفي وفقهي «فاطمي»، ليحل محله فقه آخر، فإن ما فعله نظراؤهم الصفويون هو تصفية ميراث أسلافهم، واستبداله بمدرسة فقهية أخرى على يد علماء وفقهاء من العراق والبحرين وجبل عامل.

العرب الشيعة -للعلم- يفخرون بدورهم الخارق في إحداث التحوّل الفكري بطريقة سلمية هادئة لدى الإيرانيين باتجاه اعتناق مذهب أهل البيت النبوي، بينما يربط بعض الجهلة بالتاريخ ولادة التشيّع بالقزلباش والخرفان الخرافية البيضاء!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2049 - الثلثاء 15 أبريل 2008م الموافق 08 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً