العدد 2053 - السبت 19 أبريل 2008م الموافق 12 ربيع الثاني 1429هـ

حروب الكلمات ومعركة «كي الوعي»!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

لست من المداحين ولا أحب مدح أحد, كما أنني لست من اللعانين ولا أحب لعن أحد!

ولست من المطبلين لأية شخصية أو نظام ولا أحب أن أكون مهما علا شأن تلك الشخصية أو ذلك النظام, وخصوصا أنني لا أستسيغ ولا أحتمل العمل مع السلطات في أي بلد كان مهما كانت معروفة بالتقى!

إلا أنني أيضا لست من جماعة الذين يكتبون على طريقة ما ينقل أحدهم على سبيل الفكاهة: «فيما إذا لو كان من حيث الذي بلي مولانا...»! أي... كلام لا طعم ولون ولا رائحة له!

حياة دولة الرئيس الشهيد رشيد كرامي كانت تستثيرنا دوما وكنا نتفك في نقلها في حياته, وهي: «لمصلحة ما فيه مصلحة هذا البلد...» إذ كنا نقول يا ريته يفسر لنا أو يشرح لنا أو يفصح لنا مباشرة بمفهوم مصلحة البلد وأين تكمن حتى يريحنا في فهمها على الأقل كما يريد هو, لكنه ذهب رحمه الله إلى لقاء ربه وهو متمسك بتلك اللازمة!

طبعا أنا لا أذكر هذه القضية هنا في باب الذم مطلقا, بل فقط من باب تبيان الحال وشرح المقال فللمرحوم دلائله حتما في تلك اللازمة وخصوصا أن الزمن الذي عشناه في وقتها لم يكن بعد مصطلح «الشفافية» قد اكتشف وانتشر على نطاق واسع كما هو اليوم!

اكتب هذا اليوم وأنا أشعر بحرج شديد في الكتابة عن أي شيء أو أي موضوع بشكل يعبر عن رأيي الحقيقي والكامل بكل شفافية وبالتأكيد خالٍ من أي مديح أو ذم أو لعن, وهذا الأمر ليس وليد البارحة أو في الأسابيع القليلة الماضية بل هو يلازمني وأعتقد أنه يلازم كل كاتب عربي ومسلم منذ واقعة الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول ولا أدري هنا ماذا أقول المشرومة أو...! حتى لا نقع في شبهة الممنوع!

وفي الواقع منذ سنين طويلة بل ربما منذ انخرطت في الكتابة أي منذ ما يزيد على ربع قرن من الآن وأمثالنا يعانون أصلا من مثل هذه الحرج في الواقع, لكنها باتت تشتد في الآونة الأخيرة وباتت تطبق علينا بشكل يكاد لا يطاق ولا يحتمل!

إنها حرب الكلمات والمصطلحات كما سماها البعض, وحرب «كي الوعي» كما سماها البعض الآخر!

قبل سنين من الآن اتصل بي مدير إذاعة دولية كنت أعمل فيها وقال لي بالحرف الواحد: «إننا نتعامل مع عرفات وبيريس على مسافة واحدة وعليك أن تأخذ ذلك في الاعتبار وإلا لا مكان لتقاريرك في نشراتنا!

لم أكن احتمل ذلك طبعا فقدمت استقالتي بعد أيام قليلة فقط, ولكن بعد جلسة عاصفة مع المدير المذكور الذي كنت قد التقيته خصيصا لهذا الأمر في الأشرفية في لبنان الحبيب, لأقول له لا يمكنني المساواة بين الضحية والجلاد!

الفدائي, الشهيد, البطل, المقدام, الشهم, الشجاع, الناسك, العابد, التضامن العربي والإسلامي, المقاومة, الممانعة, العدو, الجهاد...الخ من المصطلحات أكاد أخاف عليها من الانقراض, بل أكاد أخاف مما هو أخطر وأمر كما يقول أحد الصحافيين الخبثاء بأن يأتي علينا يوم يرشح فيه شيمون بيريس نفسه لأمانة الجامعة العربية أو المؤتمر الإسلامي والعياذ بالله!

أو أن تشطب آيات الجهاد والقتال من القرآن الكريم بقرار ليس حكوميا فقط بل وصحافي أيضا بحجة الدفاع عن الموضوعية أو الحياد مثلا... لا سمح الله ولا أبقانا الله أحياء لمثل ذاك اليوم المشئوم!

من جهة أخرى ففي مثل هذه الأيام تمر علينا الذكرى السنوية المشئومة والأليمة لما اتفق على تسميته عرفا بالحرب الأهلية اللبنانية - نسال الله ألا يعيدها علينا أمراء الحرب المحليون والإقليميون والدوليون أبدا - والتي ما هي في الواقع إلا مؤامرة محكمة الضبط والربط ضد الشعب اللبناني نتيجة لوقفته المشرفة والفاعلة مع أشقائه الفلسطينيين واحتضانه لكفاحهم العادل!

ومهما قيل ويقال اليوم عن انتهاء تلك الحرب المشئومة وأنه قد تم التعلم من الدرس أو أن العبرة اللازمة قد اتخذت, فإن الحرب على لبنان لاتزال مستمرة بشكل أو بآخر ليس فقط فوق الأرض اللبنانية بل ها هي تنتشر على امتداد الأرض العربية والإسلامية للأسباب نفسها التي عوقب عليها اللبنانيون!

صحيح أن اللبنانيين ليسوا في حالة حرب نظامية مباشرة وأنه لا قصف عشوائيا على الأحياء السكنية كما كانت الحال في السبعينات والثمانينات وأنه لا اغتيالات تتم على الهوية الطائفية في لبنان, إلا أن المؤامرة على لبنان الإرادة الحرة واستقلالية القرار وخصوصا الانتماء القومي والإسلامي حتى بالمعنى الحضاري والحواري لاتزال مستمرة بقوة!

هذا ناهيك عن أن المعركة بأشكالها الحربية قد انتشرت واتسعت لتشمل أقطارا عربية أخرى ولاسيما العراق الذي ينهمك في حروب طائفية ومذهبية مقيتة ليست بعيدة عنها أيدي وأدوات وأعين الصهيونية والاستعمار الأميركي الجديد, فضلا عن انتشار الموجات «التكفيرية» الفكرية والسياسية على امتداد العالم الإسلامي, والتي هي الأخرى ليست بعيدة عن السياسات الظالمة والمجحفة للدول العظمى والتي باعتقاد الكثيرين تتحمل المسئولية الكبرى في تكون مثل هذه الموجات واتساعها!

لا أحد في العالمين العربي والإسلامي مرتاح لسياسات الدول الكبرى ولاسيما الغربية منها تجاه قضايا العرب والمسلمين وخصوصا فيما يخص القضية الفلسطينية, وهناك شبه إجماع على أن الغرب وفي المقدمة منه الولايات المتحدة الأميركية يمارس سياسة الكيل بمكيالين ومنحاز بشكل شبه مطلق للسياسات الإسرائيلية, ويكفي في هذا المجال ذكر أقل المواقف ضررا مباشرا على قضايانا وذلك عندما نسمع تصريحات مثل تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة التي تصرح بـ «إدانة واستنكار» أي عمل فلسطيني مقاوم من دون استثناء حتى إذا كانت العملية عسكرية بحتة وفي ميدان القتال المباشر! ومثال العملية الفلسطينية الأخيرة واحدا مما لا يحصى من الأمثال, هذا فيما لا تتعدى تصريحات المسئول الأممي على الإطلاق مستوى «الأسف» على سقوط ضحايا حتى لو كانت الخطوة الإسرائيلية من نوع المحرقة المعلنة أي الهولوكوست الفلسطيني بامتياز كما حصل أخيرا في غزة!

ومع ذلك كله فنحن محرومون عربا ومسلمين ومسيحيين أو لأي دين أو ملة أو عقيدة انتمينا من إعلان التضامن الصريح مع حق الدفاع الفلسطيني, هذا ناهيك عن مساعدته أو نجدته بالمال أو الغذاء فضلا عن السلاح في وقت يقف فيه الغرب بكل صراحة وبكل وقاحة يمكن تصورها إلى جانب القوات الإسرائيلية الغازية والمعتدية والمغتصبة للأرض والعرض والحقوق متبجحا على الدوام بأنه بذلك يدعم الدولة الديمقراطية الوحيدة في منطقتنا بسبب تعرضها للخطر الداهم والفتاك من قبلنا!

وكأننا نحن الذين نمتلك الترسانة النووية ونحن الذي جئنا إلى هذه المنطقة من وراء البحار البعيدة ونحن الذين جيشنا الجيوش ضد «شعب» «مسالم» «جالس في بيته»!

والأدهى من كل ذلك بات أمر التضامن مع الفلسطيني أو العراقي المظلوم والمقاوم «شبهة» بعرف الكثيرين من أهل جلدتنا يعاقب عليها ويتهم المرء فيها بتهمة التحريض على «الإرهاب», وأخيرا زيد عليها تهمة «التخندق في المحور السوري الإيراني» التي لا يمكن تطهيرها حتى بماء زمزم!

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 2053 - السبت 19 أبريل 2008م الموافق 12 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً