العدد 2058 - الخميس 24 أبريل 2008م الموافق 17 ربيع الثاني 1429هـ

تونس ضحية عنف النخبة وتطرف الإسلاميين

الإسلاميون ومأزق السياسة في مجال الممارسة (7)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أدى انقلاب نخبة الدولة في الجزائر على نتائج الانتخابات التعددية الديمقراطية إلى انفجار العنف في بلد المليون شهيد وتداعي المشروع برمته في بلدان المغرب العربي. وكانت تونس هي الضحية الأولى لتلك الانتكاسة الكبرى إذ أعطت الذريعة للسلطة في استكمال مشروعها الانقلابي على المجتمع التونسي والانقضاض على مؤسسات البلد المدنية والأهلية بذريعة أن التساهل الديمقراطي يعني الفوضى وإضعاف قبضة الدولة.

سجل الشيخ راشد الغنوشي انطباعاته تلك في كتاب «حوارات» التي عقدها معه قصي صالح الدرويش على سلسلة حلقات بدأت في أغسطس/ آب 1989 وانتهت في أبريل/ نيسان 1992 الأمر الذي يعطي فكرة شاملة عن تطور التجربة الزمني وانعكاساتها المتفاوتة بين نجاحها الأول وسقوطها الثاني. من البدء يسجل الغنوشي مخاوفه من إخفاق التجربة على رغم سعادته من حصولها وتقدمها في المرحلة الأولى لأنها ستحاصر تيارات التطرف والعنف وتزيد من فرص التعايش السلمي والاعتراف المتبادل بين الدولة والمجتمع، ويثمن شجاعة الرئيس السابق الشاذلي بن جديد ويرى في خطوته نقطة إيجابية لخير الجزائر بكل شرائحها ويبدي تخوفه من إقدام النخبة الحاكمة في تونس على الانغلاق ردا على نجاح التجربة.

ويكرر الغنوشي إعجابه مرة ثانية في حوار عن إيجابيات التجربة الديمقراطية في الجزائر ويرى أنها ستكون «محط آمال المسلمين في كل مكان». ولا يبدي انزعاجه من تعدد التيارات الإسلامية في الجزائر بل يرى فيها «تيارا إسلاميا فيه ألوان من الشدة والوسطية والاعتدال» ويرى أن الأحزاب التونسية معجبة بما تحقق وهذا «الإعجاب ليس عند الإسلاميين فقط بل حتى عند الأحزاب الأخرى». ويلاحظ أن حزب الدولة التونسية الحاكم يخشى نجاح التجربة الجزائرية فيضطر إما إلى تقليدها أو إلى إغلاق أبوابه أمام الديمقراطية لأن ما حصل في الجزائر «أكثر من كونه نجاح حزب، هو نجاح أمة، ونجاح شعب». (ص29، 30، 85، 87، 93، 94).

ويؤكد أن موقف النظام التونسي من تجربة الجزائر الديمقراطية موقف موتور إذ أصاب الحاكم «رعب شديد وتشنج»، لذلك أبدى تخوفه من أن يجعل نظام تونس من الحدث الجزائري «مناسبة لتقويض الاستقرار النسبي القائم، والدخول في مغامرة والتصادم الواسع بين الدولة والمجتمع» ويعلن حربه ضد حركة النهضة الديمقراطية والهوية العربية الإسلامية. وعندما انقلبت الدولة على نتائج الانتخابات في الجزائر وجد الغنوشي أن «التاريخ لا يعود إلى الوراء، والذي بلغ مرحلة الشيخوخة لا يعود شابا».

إلا أن إخفاق التجربة في الجزائر أدى إلى كارثة حقيقية في المنطقة على مستويات مختلفة فهي أحدثت حالات تشنج في بعض الحركات الإسلامية، وتركت آثارها السلبية في تونس فدفعت الدولة إلى خنق الحريات وتشديد قبضتها على الحياة المدنية والأهلية للمجتمع.

كانت حركة النهضة التونسية (الاتجاه الإسلامي سابقا) أولى ضحايا الانقلاب على الديمقراطية في الجزائر على رغم أن الغنوشي أكد منذ تأسيسها في العام 1981 «أن لا وصي على الشعب، وأن الحسم في الخلاف السياسي ينبغي أن يكون للرأي العام وليس للعنف»، الأمر الذي جعله في زاوية مختلفة عن توجهات بعض حركات العنف والجهاد التي انتقدها وقال إنها لا تملك فهما دقيقا «لا للديمقراطية ولا للإسلام، أو لأحدهما فقط. هم يختزلون ويبسطون القضايا المعقدة، وعلوم الإنسان، ومنها العلوم السياسية». وهو يرى أن غلو بعض الحركات الإسلامية وتشددها «ليس إلا رد فعل حيال ما مورس على العالم الإسلامي وعلى الحركات الإسلامية، من إرهاب محلي مدعوم بإرهاب دولي». ويرى أن «التطرف موجود في التيار الإسلامي وموجود خارجه» ولا يمكن منعه «إلا بمحاربة أسبابه» الاجتماعية والسياسية ومن طريق اعتراف «السلطة بالمجتمع، وأن يعترف المجتمع بالسلطة، الاعتراف المتبادل يجعلنا على الأقل من الناحية القانونية، ومن الناحية الواقعية على أرضية واحدة». (ص 99، 100، 101، 158).

أهم نقاط تفكير الغنوشي، الذي يعتبر شيخ فكرة الديمقراطية في الحركات الإسلامية العربية المعاصرة، هي رفضه لمصادرة رأي الآخر بل إنه يعتبر «الإسلامية» صفة وليست احتكارا وهي من دلالات التوجه العام وليست مجرد قانون وكتب. ويعترف بتنوع أشكال الحكم في الإسلام وتنوع الحركات الإسلامية ويربط ذلك «بتنوع أحوال الناس ومستوى تطورهم» (حوارات ص 22 و48 و71).

يرى الغنوشي في حوار سابق أجرته معه مجلة «قراءات سياسية» أن الحركة الإسلامية في تونس «هي ملتقى لتيار واسع من الألوان الفكرية والمنازع السياسية والأمزجة المتعددة ضمن منظور أصولي إسلامي مما تعارف عليه المسلمون في عصورهم المتلاحقة، إنه الحد الأدنى من الإسلام». ويمرحل الغنوشي في حواره محطات أجيال الحركة السياسية المعاصرة ويرى أنها تطورت على أربع فترات: جيل التوفيق، جيل الاقتباس، جيل التقليد، وجيل التغريب، ويفصل أخيرا بين التغريب والديمقراطية لأن «التغريب هو بذاته عملية عنيفة تتمثل في التسلط على إرادة شعب وسلخه عن هويته وسياقه الحضاري والتاريخي». (السنة الأولى، العدد الرابع، خريف 1991).

أخطر محاور تفكير الغنوشي هو إسهامه الكبير في إعادة إنتاج الديمقراطية معرفة وتاريخا ومحاولة تفسيرها إسلاميا وربطها بتراث الإسلام. فهو لا يرى ديمقراطية في المنطقة من دون إسلام ولا إسلام من دون ديمقراطية. المسألتان متلازمتان في منهج تفكيره، لذلك تركز جهده في إعطاء مضامين مختلفة للديمقراطية تربط آلياتها التنظيمية في إنتاج السياسة المعاصرة بأفكار التنمية والتوافق والتراضي والهوية الثقافية، إذ إن «عدم التمييز بين الديمقراطية كجهاز وبين المضمون الليبرالي الذي تلبس بها منذ قرنين تقريبا أوقع كثيرا من دعاة الإسلام وبعضهم القليل من العلماء في هذا الخلط العجيب». ويؤكد أن «ليس للديمقراطية بعد سياسي فقط هو احترام رأي الأغلبية، الديمقراطية لها بعد ثقافي، احترام ثقافة الأغلبية وعقائدها، ولها بعد اجتماعي»، ومن يحكم عليه «أن يحترم هذه الشخصية الثقافية، والعملية الديمقراطية، عندئذ تجري على هذه الأرضية مع احترام الناس الذين لم يشتركوا في هذه الهوية»، ويستنتج أن الديمقراطية «هي بضاعتنا التي ردت إلينا، هي الشورى، باعتبار أن الشورى في الإسلام ظلت في معظم عهوده، قيمة أخلاقية تصلح للوعظ والإرشاد في أيام الجمعة ولم تتحول إلى نظام سياسي، على حين أن الغرب قد طور الشورى وحولها إلى نظام سياسي» (حوارات، ص 72، 34، 35، 63).

ويعتبر أن ضمانة الديمقراطية «هو وجود رأي عام. الرأي العام الواعي، المعبأ بمفاهيم الديمقراطية، هو الضامن لعمل التداول، لمقاومة الاستبداد، وحيث ضعف الرأي العام، وضعفت أهميته، فانتظر الاستبداد». ويربط الديمقراطية بالتنمية لأنه «لا مجال لتنمية حقيقية وديمقراطية صادقة من دون احتواء لكل التيارات الثقا فية والسياسية في البلاد. لا مجال للتنمية، ولا مجال للديمقراطية مع استمرار الإقصاء والنفي».

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2058 - الخميس 24 أبريل 2008م الموافق 17 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً