العدد 2064 - الأربعاء 30 أبريل 2008م الموافق 23 ربيع الثاني 1429هـ

كارتر و «حماس» والحلول البراغماتية

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

أثار رئيس الولايات المتحدة السباق جيمي كارتر، منذ نشر كتابه الخلافي «فلسطين: سلام وليس نظام فصل عنصري» قبل سنتين، انتقادا واسعا من قبل صانعي السياسة ومراكز البحوث بل وأقرب المعجبين به. حتى في جامعة إيمري التي تخرج منها، تبعت الاحتجاجات الطلابية والإدانات حملة إدانة من كبار أعضاء الهيئة التدريسية لقيت تغطية إعلامية واسعة. وعلى رغم أن تدخله حديثا للقاء حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لن يصنع له الكثير من الأصدقاء، فإنه يتوجب النظر إلى حركته هذه على المستوى نفسه لزيارة نيكسون للصين العام 1972.

يتوجب على الزعماء والعلماء الذين يتعاملون مع مجموعات الإسلاميين الناشطين في مختلف المضامين أن يحذوا حذو الرئيس كارتر في خبرته الطويلة في مجال حل النزاعات وقيادته ذات الرؤية وتوجهه غير العقائدي نحو بناء السلام. لا توفر براغماتية كهذه سبيلا للاستقرار المستقبلي فحسب وإنما يبدو أنها تزيد من اعتدال من يبدون أنهم أعداء، الأمر الذي يثبت مرة أخرى أن المشاركة السياسية هي الرادع الأولي في العنف السياسي.

إلا أن مشاركة كارتر مع «حماس» ليست جديدة أو جذرية بشكل كامل، بل هي في الواقع ترمز إلى الأسلوب الذي توجه فيه الكثير من المراقبين ذوي الكفاءات والعاملين في المجالات الإنسانية والمتمرسين في أمور الشرق الأوسط نحو ظهور المنظمات والحركات الإسلامية السياسية.

وبعكس التمثيل النابع من الرهاب الإسلامي لموجة ضخمة على شكل كتلة واحدة من العنف المتطرف، لاحظ معظم الخبراء أن المجموعات السياسية الإسلامية ذات القاعدة الشعبية الواسعة تشارك بشكل منتظم في إجراءات سياسية ديمقراطية وتتجاوب بشكل جيد مع المبادرات الدبلوماسية ويستطيع ذلك الرئيس السابق أن يتحقق من نداء «حماس» الذي يطالب منذ فترة طويلة بعقد هدنة ويظهر كذلك أنه حتى المجموعات الإسلامية المتطرفة التي قد نجد طرحها الناري غير مقبول، تميل إلى الاعتدال إذا أعطيت مقعدا على طاولة التشارك في السلطة.

لقد جرى تجاهل هذه الظاهرة على رغم كونها واضحة أمام المراقبين وعلماء السياسة حول العالم، كما جرى تهميشها من قبل النخب السياسية في الديمقراطيات الغربية وأنظمة الحكم الاستبدادية في الشرق الأوسط لصالح سياسة الخوف والمبالغة والسيطرة. خذ على سبيل المثال توجه النظام في مصر نحو الإخوان المسلمين، فعلى رغم حقيقة أن المنظمة نبذت العنف كاستراتيجية سياسية بإصرار وتبنت الانتخابات الحرة النزيهة، فإن الحكومة المصرية وضعت المعوقات أمام الإصلاح الديمقراطي بنفسها من خلال اضطهاد واعتقال مرشحي الجماعة وإطلاق خراطيم المياه على صفوف الناخبين وتعديل الدستور. يبدو في هذه المرحلة أن السماح بانتخابات حرة ونزيهة في مصر أمر غاية في الضرورة حتى لا تتبع مصر مسار الجزائر نحو الحرب الأهلية.

على جبهة أخرى، لجأ المرشح الرئاسي الجمهوري المفترض جون ماكين وبإصرار إلى التهديد الشامل الوشيك للإسلام المتطرف حتى يضغط للحصول على دعم الناخبين.

لقد قبل ماكين دعم راعي الكنيسة المتعصب جون هاغي، الذي يصف الجمود التاريخي الحالي بصدام الحضارات، ويقول «هذه حرب دينية لا يمكن للإسلام أن ينتصر فيها، بل يجب ألا ينتصر فيها... نهاية العالم الذي نعرفه تقترب بسرعة... احتفلوا وكونوا سعداء إلى أبعد الحدود لأن الأفضل آتٍ».

سياسة ماكين بعد إدارة الرئيس بوش، والتي توافق عليها المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، هي أنه يتوجب على الولايات المتحدة ألا تنخرط في حوار سياسي أبدا مع «أعدائها». هذا الطرح، مثل ذر الرماد في العيون، يغطي بشكل كامل على التحديات السياسية التي واجهها زعماء العالم ويتجاهل النجاحات التاريخية التي تم تحقيقها من خلال تطبيق السياسات المعاكسة.

الواقع أنه حتى إدارة الرئيس بوش وجدت أن الانخراط في حوار مع الأحزاب السياسية المقاوِمة دينية كانت أم علمانية له فوائد فورية، فقد أخذ الزعماء العسكريون الأميركيون على الأرض يعتمدون على عبدالعزيز الحكيم زعيم المجلس الإسلامي الأعلى العراقي، وهو مجموعة تدعمها إيران التي قام حراس الثورة الإيرانية بتدريب ميليشيات قوات بدر التابعة لها، لتوفير ضمانات أمنية أساسية. لقد عملت مشاركة «المجلس» في العملية السياسية عبر السنوات القليلة الماضية على جعل مواقفه الأيديولوجية أكثر اعتدالا، تلك المواقف التي كانت تضر بالعمليات الديمقراطية. ويجب أن نتذكر أن اسم هذا المجلس الأصلي كان المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق. يجب النظر بإيجابية إلى هذا التحالف السياسي إلى جانب الموافقة على مجالس الصحوة السنية وقنوات الاتصال الخلفية الأميركية مع مراجع دينية.

من سخريات القدر أن نضال رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي للحفاظ على السلطة قد يكون أدى به للوقوع في عقلية بوش وماكين وتوجهه المربك نحو رجل الدين الناري الشاب مقتدى الصدر.

وعلى رغم أن المالكي اعتمد على دعم الصدر للوصول إلى منصبه، ومع تحدي رجل الدين الشاب لمن يكبره سنا الآن، يهدد المالكي بمنع حزب الصدر من المشاركة في العملية السياسية.

في العام 2004 أثار الصدر تمردا ضد سلطات التحالف. لدى إعطائه السلطة للمشاركة في العملية السياسية قام بعملية تنظيم سياسية وقام بالمشاركة في الانتخابات لدمج سياساته في السلطة العام 2006. بعد أن واجه حائطا صخريا من قبل المالكي في الأسابيع الأخيرة، هدد بحرب مفتوحة في بداية الأسبوع الماضي.

يتوجب أن يكون من الواضح الآن أن التعامل مع الأحزاب الإسلامية لا يختلف عن التعامل مع الحركات السياسية المقاومة في مضامين أخرى. لقد تعلم العاملون في المجالات الإنسانية والإداريون العسكريون حول العالم أن الخطوة الأولى في عملية حل النزاع هي وضع أولويات العمل السياسي والالتزام بالطرح السياسي. إذا كانت «حماس» قد وافقت على الدخول في «وقف دائم لإطلاق النار»، يعترف بموجبه بحدود العام 1967 كإطار لإنشاء الدولة الفلسطينية، فإنه يبدو أن رفض الانخراط معها يرتكز منطقيا على الالتزام الأيديولوجي.

وإذا أخذنا في الاعتبار الوضع الإنساني المخزي في غزة والمشرف على الكارثة، أضف إلى ذلك الوضع الأمني المتداعي، يتصور المرء أن القادة في واشنطن وتل أبيب سيهرعون لاستغلال الفرصة لحل الأزمة. وبدلا من ذلك، فإن الالتزامات الأيديولوجية لرئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت وبوش، اللذين تداعت مواقفهما وأصبحا عرضة للمخاطر، وينتظران أن تطويهما صفحات التاريخ، هي التي تسيطر على الأمن البشري.

وستكون نهاية ختامية ساخرة، إن لم تكن رومانسية، إذا أصبح جيمي كارتر، الذي تذكرنا فترته الرئاسية بأزمة الرهائن وظهور مرشد الثورة الإيرانية السابق آية الله الخميني، رمزا للمشاركة البراغماتية والحلول السلمية لخط الغرب الصدامي المفترض مع العالم الإسلامي.

في أية حالة، تطلب الأمر الكثير من الخطوات لهدم جدار برلين في نهاية المطاف. ولا يستطيع المرء إلا أن يأمل أن نتعلم قليلا من ماضينا إن لم يكن من حاضرنا.

* طالب دكتوراه بجامعة إيمري، تركز بحوثه على تعقيدات الجالية الأميركية المسلمة وتنوعها الديني والثقافي والسياسي، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2064 - الأربعاء 30 أبريل 2008م الموافق 23 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً