العدد 2073 - الجمعة 09 مايو 2008م الموافق 03 جمادى الأولى 1429هـ

للمرة الأولى في حياتي الدراسيّة أقوم بذلك!

أن تظل ساهرا ليلة الدوام الدراسي لما بعد الثانية فجرا، وليس لديك سوى تفكير عميق في الحاضر المتقلّب، والمستقبل المجهول، تفكر مليّا في أحوال هذه الدنيا المتصرفة بأهلها، تشعر بأن ما يحمله الغد ضبابيّ لا معالم له بإمكانك استيضاحها، تتفاءل قليلا فهناك من الأعزاء من كان يعدك بالأمل والوطن وهو كل الأمل الذي يشعرك بالأمان، تخاف أخرى لأنك لا تدري ماذا يحمله المجهول الآتي!

تفكر، وتفكر في حال الأيّام التي سقطت من رزنامة العمر من دون رجعة، وتتساءل هل كان يومي أفضل من أمسي؟ هل أديت واجباتي باتقان؟ تسهر محدقا في الهدوء، ولا صوت سوى دقات عقارب الساعة، وصوت المروحة الهادئ يحاول هدهدتك ولكن من دون فائدة! فهناك الكثير من الأفكار التي تعصف في ذهنك، لا تعلم أيها تُمسك وأيّها ينفلت من بين يديك! تستهدي بالله وتصليّ على النبيّ وآله، تقرأ الآيات، كل ما يخطر على بالك من الدعاء لكي تغفو ولو قليلا، مع نيّة مبيتة بأن لا تحضر محاضرات الغد، فسيّان بين الحضور وعدمه، وتحاول أن تقنع نفسك بكل ذلك على رغم أفكارك المسبقة التي لا تسمح لك بالتغيب ولو عن يوم من أيام الفصل الأخير لك في الجامعة، الذي من الأجدر بك أن تستغل كل لحظة ودقيقة فيه، فما سيذهب لن يعود!

وأنت مستغرق في تفكير وتأمل ورجاء بالله في هدأة الليل وسكونه، وإذا بك قد استسلمت لسلطان النوم، لتستيقظ على وقع صوت أذان الفجر وطرق الباب، تقوم لتصليّ، ومن ثمّ تعود لفراشك، تحدث نفسك: لا رغبة لي ولا مزاج عندي في الحضور هذا اليوم لمحاضراتي، ولا ضير في ذلك، فكلها أربع محاضرات! سأحاول تدبير ما يفوتني من أي مصدر، أو ببساطة سأدرس لوحديّ، فلقد اعتدتُ ذلك! وقبل أن تنام، تأخذ موبايلك وتجعله في وضع «السايلنت» (الصامت )، لكي لا يزعجك أحدهم باتصال منذ الصباح!

يأتي من اعتاد على إيقاظك لتخبره في أكثر من مرة بأنك لن تحضر اليوم، يسألك ولماذا؟ تجيبه بملل: لا مهم اليوم لحضوره!وتنام وأنت مشتت نوعا ما لهذا التفكير، ولتفكير ليلة البارحة الذي أخذ منك مأخذا، ولكل الآمال والرجاء بالله التي عقدتها للمستقبل! تتقلب، فأنت في قرارة نفسك تعلم أنّك تخالف مبادئك، فعدم الحضور واللامبالاة هو ليس من عاداتك، فتنام عشر دقائق، ومن ثم تعي تطالع شاشة الموبايل، ترى الساعة فتحدث نفسك: إنها الآن المحاضرة الفلانيّة، وبعدها تنتهي لكي تبدأ المحاضرة الأخرى، وبعدها وقت «البريك»، ماذا حال الكلية اليوم؟ تحاول عدم الاستسلام لأفكارك، تأخذ لحافك وتتغطى جيدا، وما تلبث قليلا حتى تعي أخرى، وإذا برسالة جديدة على شاشة الموبايل: تفتحها بعين مفتوحة وأخرى مغلقة، فنور الشاشة قوي في ظلمة الغرفة التي تنام فيها، تحاول القراءة! مفاد الرسالة: أينك اليوم؟ لماذا لم نرك في المحاضرة ولا قبلها؟ عسى خير! تتجاهلها قليلا، ومن ثمّ تحاول الرد: شكرا على سؤالك، ولكن لا مزاج لي لأن أحضر اليوم ففضلت البقاء في البيت!

يمر الوقت وأنت تفكر ماذا يجري في الجامعة والمحاضرات، تقرر أن تنهض، تقوم بتثاقل! تقنع كل من يسألك في المنزل مرة أخرى عن سبب تغيبك هذا اليوم، بأن لا مهم اليوم لحضوره! يعاودون السؤال: هل أنت متعب أو مريض؟ تجيبهم بكل ثقة: لا! ولكن نفسي اليوم عافت الحضور، ولا رغبة لي في الذهاب إلى الجامعة، وتتركهم في حيرة، قانعا إيّاهم بعدم السؤال مرة أخرى!

المنزل هادئ وقت الصباح، تتناول إفطارك وحيدا، تشعر بعدم الرغبة في الأكل، تقوم بإرجاع الحليب والكوب والسندويتشة إلى أماكنها! تفتح التلفاز، تطالع مع رغبة في شيء يشدك في هذه القنوات! لا شيء للأسف! تفتح الكمبيوتر، تفكر في اليوم الذي ضاع! تغلقه هو الآخر! تتوجه إلى كتبك، تتوكل على الله، وتدرس تعويضا عما غبته من محاضرات! تتلقَ اتصالا من أحدهم، يسألك: أين أنت؟ تجيبه بابتسامة: في البيت! يسألك مرة ثانية وباستغراب: ولماذا ؟ تجيبه: لا رغبة لي في الحضور! يجيبك: يا سلام! وبين أخذ ورد تنتهي المكالمة وتغلق موبايلك، وتشعر بتأنيب الضمير، ولكنك في الوقت ذاته تشعر بقليل من الراحة والسكون الذي لا تدري ما مصدره! يمر اليوم بطيئا، فمن دراسة مقرر إلى قراءة متنوعة، إلى «سوالف», إلى جلسة على الكمبيوتر! عند ذلك تقرر وفي لحظة ما أن تحضر يوم الغد MW الذي هو يوم إجازة بالنسبة إليك؛ لكي تحضر ما فاتك اليوم، وفي الوقت ذاته تحضر يوم المهن الذي يقام في الجامعة؛ لكي ترى آخر المستجدات وتستفيد منه مستغلا إمكانات كثيرة هي مُوفرة!

هي المرة الأولى التي تتغيب عنها لسبب كهذا! الأسباب كثيرة، أهمها أنّك تفتقد زمنا مضى بأصدقائه ورفاقة وذكرياته!

ككل الأمنيات التي تتبخر وتبقى أطلالُها حية تعبثُ بداخل الروح...

ككل الأحلام الضائعة التي تبقى جاثمة على أنفاسِ الذاكرةِ...

ككل الأشياء التي لم تَعُد تشغل حيزا من الحياة...

تلاشت ملامِحُنا…

كلِ مُنعطف في الحياةِ سرقَ جزءا منا

أيننا يا أصدقاء؟

اسألو ظلالنا أين ضيعتنا الدروب؟

كوثر سعيد أحمد سليم

طالبة محاسبة - سنة رابعة - جامعة البحرين

العدد 2073 - الجمعة 09 مايو 2008م الموافق 03 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً