العدد 2075 - الأحد 11 مايو 2008م الموافق 05 جمادى الأولى 1429هـ

الأبعاد المتعددة لأزمة الوقود الحيوي العالمية! (2-2)

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

«يمكن للولايات المتحدة الأميركية أن تنجح في التصدي لظاهرة الاحتباس الحراري المتصاعدة عبر اتباع ثلاثة خيارات حتمية تتعلق بضرورة وجود نظام صارم يضع غطاء للتجارة في ما يتعلق بتحديد انبعاثات الغازات الكربونية المتسببة بهذه الظاهرة، إلى جانب العمل ضمن تفويض حازم للتعامل مع معدلات استهلاك الطاقة، بالإضافة إلى تشجيع الاستثمارات من قبل القطاعين العام والخاص في خيارات بديلة أكثر فاعلية وكفاءة في مجال إنتاج التكنولوجيات الخضراء والنظيفة، وإن أدت جميع تلك الخيارات إلى امتصاص ما تقدر نسبته من معدل الناتج المحلي الإجمالي بنحو 2 في المئة أو 3 في المئة في بعض الأحيان، وذلك بحسب خبير الطاقة بكلية كينيدي للحكومة في جامعة هارفارد هنري لي، فسيكون ذلك أفضل بكثير من الركون إلى معدلات متصاعدة للاحتباس الحراري قد تقضي بالمرة على الرخاء والرفاهية العالمية إجمالا!».

ربما بمثل ذلك الاستنتاج اختتم الصحافي برايان والش تقريره المفصل الذي عنونه بـ «كيف يمكنك تحقيق الانتصار في حرب ضد الاحتباس الحراري؟» والذي نشر في مجلة «التايم» الأميركية. دعا من خلاله إلى ضرورة اعتبار مقتضيات البحث عن حلول بيئية حازمة هي بمثابة استثمار بإمكانه لو انطلق عالميا أن يساهم في تخفيض راديكالي لمعدلات الاحتباس الحراري خلال نصف القرن المقبل؛ مما يعني - بحسب تعبيره - الانتقال إلى»عالم ما بعد الكربون».

واعتبر المؤلف قبلها أن الولايات المتحدة الأميركية أمام ما يشبه التحدي الصاخب والانعطافة التاريخية الحاسمة؛ مما يتطلب استجابة وعزما للانتصار في الحرب ضد «الاحتباس الحراري» في ما لا يقل إرادة وعزما وانتصارا لقيمها النضالية «Patriotism» عن تجربة غزو الفضاء والطاقة النووية وغيرها من مراحل مفصلية كانت لها بصماتها العصرية الحاسمة. فهي تواجه حاليا أزمة مصيرية «تكلف البلاد مزارعها وصحة مواطنيها واستقرار اقتصادها»، بل هي أزمة عالمية بامتياز لا يمكن حصرها ضمن أي نطاق جغرافي!

وأشار والش إلى سلبية انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من توقيع معاهدة كيوتو الدولية لخفض مستويات انبعاث الغازات الكربونية، واعتبر الإدارة الأميركية في عهد الرئيس جورج دبليو بوش الأسوأ بامتياز في التعامل مع القضايا البيئية في الذاكرة الأميركية الحديثة. فعلى رغم شمولية التأثير المدمر للمخاطر البيئية على الجميع فإن «انبعاث الكربون من مدينة بوسطن أو من مصنع في بكين أو عبر إحراق غابة خارج العاصمة البرازيلية قد يعطي القدر ذاته من الضرر على جميع من في الكوكب»، واستشهد بمقولة للسناتور جون وارنر من فرجينيا وهي: «إن لم نتحرك في هذا الصدد فإن الصين والهند ستختبئان خلف تنورات أميركا الممثلة في عدم وجود الفعل الحقيقي والخطوات الملموسة لوضع حد لانبعاثات الكربون».

واستعرض المؤلف إحدى الخطط المحافظة لمواجهة أزمة التغير المناخي بفعل الانبعاثات الكربونية والتي أعدها روبرت سوكولو وستيفن باكالا من جامعة برينستون ودعا من خلالها إلى ضرورة خفض ما يقدر بـ25 مليار طن من انبعاثات الكربون خلال الأعوام الخمسين القادمة؛ مما يعادل التخلص نهائيا من تلك الانبعاثات لمدة أربع سنوات بحسب المعدل الحالي، إلى جانب مراعاة وضع استراتيجية متماسكة ذات أهداف قصيرة المدى وبعيدة المدى، وتخلط بين الطموح والواقعية العملية بالإضافة إلى قياس أية آثار اقتصادية محتملة لكل ذلك ورصدها.

ولعل من بين المحاور الرئيسية التي تستند إليها الخطوط العامة للخطة المقترحة من قبل المؤلف لمواجهة «الاحتباس الحراري» هي الدعوة إلى تسعير الكربون عبر إيجاد نظام غطاء تجاري - كما أسلفنا - عبر وضع سقف للمخرجات الكربونية بهدف تشجيع التنافس بين الشركات على التقليل من المساهمة في التلوث وبالتالي يدفع نحو الاستثمار في إيجاد الطاقة البديلة.

وفي ما يتعلق بنظام الغطاء التجاري يتناول المؤلف نموذجا مقترحا لهذا النظام الذي قدمه السناتور الجمهوري جون وارنر والسيناتور المستقل جوزف ليبرمان من كونتيكيت بهدف إقراره وتشريعه، والذي يهدف إلى التقليل من انبعاثات الكربون من أكثر المصادر المحتملة إلى ما بلغته من مستوى في 2005، حتى إلى تخفيضه بمعدل 70 في المئة من مستوى الانبعاث في العام 2005 حتى العام 2050، وقد أشارت الكثير من المؤسسات والوكالات البيئية إلى أن من الممكن التعامل معه لكون آثاره الاقتصادية المحتملة سلبا طفيفة جدا بغض النظر عن الفوائد الاقتصادية الممكنة مع تطبيق هذا المقترح.

واستعرض المؤلف في تقريره الخطوة التي قام بها حاكم ولاية كاليفورنيا الأميركية آرنولد شوارتزينيغر في العام 2006 حينما وقع أحد أكثر التشريعات صرامة للحد من انبعاثات الكربون بالعودة إلى مستويات الانبعاث في العام 1990 وتطبيقها حتى العام 2020؛ مما يشير إلى خفض في مستويات انبعاث الكربون إلى نحو 25 في المئة.

وقد أورد المؤلف نموذجا للانتقادات الكثيرة التي وجهها عدد من أرباب رؤوس الأموال ومسئولي قطاعات الأعمال لحاكم كاليفورنيا لإقدامه على هذه الخطوة لكونها ستساهم في تسرب الشركات وقطاعات الأعمال من الولاية إلى ولايات أخرى؛ مما يؤدي إلى تدمير اقتصاد الولاية، ولكنه في الوقت ذاته يستند بما توصل إليه تقرير من جامعة كاليفورنيا - بيركلي في العام 2006 الذي تمثلت خلاصته في كون أن هذا القانون من الممكن أن يساهم في حدوث زيادة تقدر بـ60 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي للولاية وخلق 17000 وظيفة بحلول العام 2020، وإحداث تغيير نوعي في الثقافة التقنية والمؤسسية بالإضافة إلى دفع شركات جديدة إلى تحقيق معايير جديدة تخدم حسن استخدام الطاقة.

ويستشهد المؤلف ببحث أعد من قبل معهد ماكنزي الدولي بيّن أن من الممكن قطع النمو العالمي المستمر على الطاقة نصفيا خلال 2020 عبر الاستفادة من مزايا الموارد والفرص المتوافرة حاليا وإيقاف الإسراف في استخدامها.

ويدلّ على نماذج عدة لمشروعات الطاقة البديلة المنطلقة في الولايات المتحدة، والتي من بينها ما تقوم به شركةAmyris Biotechnologies حيث يتولى جاك نيومان وفريقه تطوير عدة طرق للمعالجة والتعديل الجيني للبكتيريا بغرض خلق وقود حيوي أكثر جودة، بالإضافة إلى الصناعات المرتبطة بالطاقة الشمسية في صحارى نيفادا، ومصادر طاقة الرياح حيث مازالت هنالك حاجة لاختراع طريقة كهربية تعوض وتخزن هذه الطاقة حينما لا يوجد هنالك هبوب للرياح والنسيم.

ويشير المؤلف إلى أن «بما أن الموازنة الاتحادية الأميركية بلغت 2.9 تريليون دولار في 2008، كما يلزم ما يقدر شهريا بـ 12 مليار دولار لاستمرار اشتعال حرب العراق لوحدها، فإن هنالك ضرورة ماسة لتخصيص مبالغ لمعالجة هذه الأزمة الوجودية»!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 2075 - الأحد 11 مايو 2008م الموافق 05 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً