العدد 2299 - الأحد 21 ديسمبر 2008م الموافق 22 ذي الحجة 1429هـ

أميركا والمسار السوري - الإسرائيلي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ملف التفاوض مع سورية بدأ يحتل أولوية في برنامج الإدارة الأميركية المقبلة. فالرئيس المنتخب باراك أوباما تلقى عشرات النصائح تشجعه اعتماد المسار السوري وتغليبه على الفلسطيني بذريعة أنه أسهل وأقل كلفة ويتطلب بعض التنازلات والانسحاب من الجولان مقابل فوائد لا تحصى يمكن أن تجنيها واشنطن وتل أبيب.

النصائح الأميركية تلاقي بعض التجاوب من الجانب الإسرائيلي. فتل أبيب أيضا أخذت تسير في هذا الاتجاه باعتبار أن المفاوض الفلسطيني يعاني من انقسام داخلي وصراع على السلطة ويطالب «إسرائيل» بالكثير من التنازلات والانسحابات والتراجعات لا تقوى أي حكومة جديدة منتخبة على تحمل كلفتها السياسية.

هذا التقاطع الأميركي - الإسرائيلي في رؤية الحل المؤقت للموضوع الفلسطيني يمكن أن يتحول إلى سياسة دولية - إقليمية في حال تطورت المفاوضات غير المباشرة بين تل أبيب ودمشق وانتقلت إلى إطار من الاتصالات المباشرة بين الطرفين في الفترة الانتقالية المقبلة.

رئيس الحكومة المنتهية ولايته إيهود أولمرت بات على قناعة بضرورة فتح باب التفاوض مع سورية حتى لو كلف الأمر تنازلات مؤلمة. ولهذا السبب توجه أولمرت في الأسبوع الماضي إلى تركيا وطلب من أنقرة إعادة تنشيط قناة اللقاءات غير المباشرة بعد أن توقفت اضطراريا لعوامل انتخابية إسرائيلية.

زيارة أولمرت للعاصمة التركية أثارت غضب زعيم تكتل «الليكود» بنيامين نتنياهو الذي اعترض على تحركات رئيس حكومة انتقالية وغير مفوض رسميا ولا يمتلك صلاحيات تقرر سياسة الدولة في الفترة المقبلة. واعتراض نتنياهو جاء على خلفية إيديولوجية حين أكد رفض الكنيست الإسرائيلي الانسحاب الشامل من الجولان وعدم استعداد تل أبيب تقديم تنازلات مجانية من دون مقابل يضمن أمن «إسرائيل» ويخفف عنها تلك الضغوط الدولية التي أخذت تتفهم مبادرة السلام العربية.

سورية من جانبها كانت واضحة من موضوع التفاوض مع «إسرائيل» فهي أكدت على ضرورة أن تحسم تل أبيب موقفها من مسألة الانسحاب من الجولان إلى حدود 4 يونيو/ حزيران 1967 من دون اجتزاء أو تعديل.

الملف إذا ليس بسيطا ويحتمل الكثير من التفسيرات ويمكن أن يواجه صعوبات وتعقيدات تتجاوز مختلف التبسيطات والتسهيلات التي تنافست مراكز القوى الأميركية على ترتيبها في أوراق تنصح الرئيس أوباما اعتمادها في سياسته الجديدة في «الشرق الأوسط».

الملف السوري مهم ويشتمل على مجموعة أوراق يمكن أن تستخدمها دمشق في عملية التفاوض مع الجانبين الأميركي والإسرائيلي إلا أن موضوع الانسحاب الشامل من الجولان سيبقى عرضة للتأويل والتأجيل في حال تمسكت سورية بحقها الكامل في أراضيها المحتلة مقابل رفض تل أبيب التجاوب الكامل مع هذا الحق. المشكلة ستبدأ من هذه النقطة وهي يمكن أن تتحول إلى عقدة تتجاذب مختلف العروض المطروحة على طاولة المفاوضات الأميركية - السورية والسورية - الإسرائيلية.

عقدة الجولان يمكن أن تصبح إطار تفاوض بين الأطراف المعنية بها على أوراق أخرى تشكل بدائل عن الانسحاب الشامل والكامل من الأراضي السورية المحتلة. والعقدة يمكن أن تزداد صعوبة في حال فاز تكتل «الليكود» وأصحابه بغالبية مقاعد الكنيست في الانتخابات التي ستعقد في فبراير/ شباط المقبل. فالتكتل الليكودي يرفض من الآن تقبل فكرة الانسحاب من الجولان ويشترط مقابلها مجموعة نقاط يرجح أن دمشق في موقعها الحالي لا تستطيع تلبيتها. كذلك تبدو سورية ايضا غير قادرة على الموافقة على حل جزئي للجولان أو تأجيل الحل أو تجميده من دون مقابل إقليمي يعيد تنشيط دور دمشق ويعزز تأثيرها على مجموعة أوراق تحيط بها جغرافيا.

المسألة كذلك ليست سهلة في الطرف الأميركي لأنها تتطلب من إدارة واشنطن الجديدة التخلي عن أوراق أو إعادة التفاوض بشأنها مقابل تجميد ملف الجولان وتمديده أو تأجيله تحت مظلة المحافظة على أمن «إسرائيل» وضمان استقرارها. فهل إدارة أوباما مستعدة سياسيا للتنازل عن أوراق وتقبل فكرة إعادة التفاوض بشأنها مقابل تأجيل سورية مطالبتها بحقها في استعادة الجولان؟

أجوبة مؤجلة

الجواب مؤجل بانتظار استلام أوباما مقاليد السلطة. ولكن الاحتمالات مفتوحة أمام مجموعة أوراق. هناك أولا التفاوض بشأن الساحة اللبنانية ودور سورية وموقعها في إدارة بلاد الأرز. وهناك ثانيا التفاوض بشأن الساحة الفلسطينية ومدى تأثير دمشق على تحريك الأوراق وإعادة خلطها في إطار التحالفات الإقليمية ما سيؤدي إلى تأخير المسار الفلسطيني وتعطيل مبادرة السلام العربية. وهناك ثالثا التفاوض بشأن الساحة العراقية وإمكانات دمشق في التأثير على ضبط العنف واحتواء عناصر التشتت الأهلي في بلاد الرافدين. وهناك رابعا التفاوض بشأن العلاقة مع طهران ومدى قدرة دمشق التأثير بموضوع الملف النووي وطموح إيران لتعزيز نفوذها الإقليمي في العراق والخليج.

كل هذه الأوراق اللبنانية والفلسطينية والعراقية والإيرانية تراهن الإدارة الأميركية على كسبها في حال قرر الرئيس المنتخب اعتماد المسار السوري في المرحلة المقبلة. ولكن الرهان الذي تشجع عليه تلك النصائح المطروحة على طاولة أوباما يحتاج فعلا إلى قراءة متأنية تقوم على الوقائع الميدانية لا الفرضيات النظرية. فالرهان قائم على فرضية بسيطة وهي أن تكون سورية مستعدة لتسهيل أمور أميركا و«إسرائيل» في المنطقة مقابل تعهدات غير مضمونة النتائج ويمكن أن تتغير في حال حصلت طوارئ في المنطقة.

المسألة ليست واضحة المعالم. موضوع لبنان ليس سهلا وساحته الآن تختلف عن تلك التي تشكلت ميدانيا في العام 1976 وأدت إلى حصول نوع من التقاطع الإسرائيلي - السوري ساهم في دخول قوات الردع العربية مقابل إضعاف شوكة منظمة التحرير الفلسطينية وضمان أمن الحدود الدولية. الموضوع اللبناني في طوره الراهن اختلف واختلطت أوراقة وتغيرت تحالفاته ودخل في منعطف جديد سواء على مستوى المقاومة أو في إطار الاستقطابات السياسية والأهلية. المشكلة الآن ليست مع منظمة التحرير وإنما مع حزب الله ما يستدعي تفاهمات تتجاوز حدود لبنان وسورية.

موضوع فلسطين ليس سهلا حتى لو ظهرت سلطة الرئيس محمود عباس ضعيفة أو معرضة للاهتزاز في المرحلة المقبلة. فالموضوع الفلسطيني ليس معزولا عن الإطار العربي ومشروع مبادرة السلام. وإقفال المسار الفلسطيني قد يؤدي إلى خسائر إقليمية كبيرة في سياق التعامل العربي - الأميركي بشأن ملفات أخرى. وأيضا الموضوع العراقي لا يمكن التعاطي معه في سياق منعزل عن المحيط العربي - الإقليمي وتوازن المصالح المحكوم بالشروط الأهلية في بلاد الرافدين. كذلك موضوع إيران من الصعب التوصل إلى صيغة تسيطر عليه من دون إدخال الأطراف العربية الخليجية في إطار أي تسوية إقليمية لمسألة العراق أو الملف النووي.

كل هذه الموضوعات مترابطة ومتداخلة وهي تسير في نسق متكامل من المسارات وبالتالي لا يمكن اتباع سياسات تعزل قوى وتنفتح على قوى من دون توقع حصول انعكاسات سلبية قد تؤدي إلى تقويض كل الخطوات التي تخطط إدارة أوباما اعتمادها في منطقة شديدة الحساسية وتحتاج إلى آليات ذكية ومرنة في تعاملها مع تعقيدات «الشرق الأوسط». فالتلاعب بالمسارات مسألة خطيرة ومقلقة وسلبياتها كثيرة تتجاوز تلك الأفكار التبسيطية التي احتوتها أوراق النصائح الموجهة لإدارة أوباما

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2299 - الأحد 21 ديسمبر 2008م الموافق 22 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً