العدد 2090 - الإثنين 26 مايو 2008م الموافق 20 جمادى الأولى 1429هـ

هل يتوجّب على الفلسطينيين أنْ يغفروا لـ«إسرائيل»؟

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

نستذكر بطلة الرواية هانا، في الفصل الأوّل من رواية أموس أوز My Michael صديقيّ طفولتها خليل وعزيز، الفلسطينيين اللذين اختفيا في العام 1948 مع 800،000 من شعبهم. تتخيّل في الفصل الأخير صديقيها يعودان لتفجير كل شيء. بحلول ذلك الوقت تكون هانا قد انحدرت إلى مستوى الجنون.

تعلم هانا، مثلها مثل أوز وجيله من الإسرائيليين أنه قبل حرب العام 1948 كان هناك مجتمع آخر أكبر وأوسع من مجتمعها، وأن ذلك المجتمع جرى تدميره ومحو أثاره. أُجبر السكّان على المغادرة وسويت القرى والبلدات بالأرض وأعيدت تسمية الأحياء والشوارع. وهي تعلم بالتأكيد أنّ تدمير المجتمع الفلسطيني كان ضروريا من أجل إيجاد دولة «إسرائيل». إلا أنها وبعكس أفراد جيلها، مستعدة للاعتراف بما تعلم، ولكن سبب ذلك يعود فقط إلى أنها مجنونة.

يعلم الإسرائيليون أنه في هذا النزاع المستمر قد يشكّل هذا الاعتراف، بحسب النتيجة التي تتوصل إليها الرواية، ضربا من الجنون ونداء بالدمار الذاتي. فهذا الاعتراف يوافق على الإدعاءات الفلسطينية الأساسية التي لا تسوية فيها.

يؤمن كلّ فلسطيني، عمليا، أنه قبل النكبة، كان هناك مجتمع فلسطيني مثله مثل المجتمعات العربية في لبنان وسورية والأردن ومصر، وأنه لولا الهجرة اليهودية إلى فلسطين بهدف وأساليب خلق الدولة اليهودية لكانت فلسطين قد تقدّمت لتصبح دولة فلسطينية ذات سيادة. لو قام الإسرائيليون بالموافقة على هذه الإدعاءات لتوجّب عليهم الاعتراف بأن إيجاد دولة «إسرائيل» قد وقف عائقا أمام الولادة الطبيعية لدولة فلسطين ولكان عليهم بالتالي المخاطرة بمواجهة النداء بالوقوف أمام مسئولياتهم وإصلاح الخطأ الذي ارتكبوه. ولكن كيف يتسنّى لهم أنْ يفعلوا ذلك من دون تفكيك دولتهم وأمتهم والموافقة على أنْ يصبحوا مواطنين في الدولة الفلسطينية التي تأخر وجودها كثيرا؟ هل يستطيع الإسرائيليون، كشعب عانى أجداده من تاريخ طويل من التمييز والاضطهاد والقتل الجماعي، المخاطرة من دون أنْ يكونوا قد أصيبوا بجنون مطبق؟

إلا أنّ الجنون لا يؤدّي دائما إلى المخاطرة بالدمار الذاتي. بالتأكيد، قد يكون بعض الجنون رقيقا لدرجة أن يشكل مجرد أمل. لنتخيّل بطلة رواية فلسطينية، هانا فلسطينية تستطيع أن تفهم موقف الإسرائيليين، الذين لا يملكون خيارا سوى تجنّب أو تأجيل الاعتراف بالحقائق المحرجة لما قبل العام 1948. وأنهم في أفضل الحالات يستطيعون تجاوز هذه الحقائق من خلال دعم حل نصف مطبوخ، مثل ما يسمى بحل الدولتين، يعطى الفلسطينيون بموجبه دولة بالغة الصغر كتعويض. تعترف هانا الفلسطينية كذلك بأن الضرر قد حصل وبأن محاولات تفكيك «إسرائيل» لن تؤدي إلا إلى المزيد من الضرر، وبأنه يتوجب على الفلسطينيين أنْ يغفروا للإسرائيليين.

الغفران أمر جيّد، ويتوجّب على المجتمع المحترم أنْ يفعل أشياء جيدة، وقد يكون كذلك الأمل الوحيد لإنقاذ الأجيال الفلسطينية الحالية والمستقبلية من لعنة الماضي وأضراره. ولكن بالتأكيد لا يستطيع أحد أن يتوقع من شعب بلا دولة، حُكِم عليه خلال السنوات الستين الماضية أنْ يعيش حياة اللاجئين، أو كمواطنين من الدرجة الثانية في أفضل الحالات، أنْ يغفر. سيكون ذلك استسلاما خالصا لسوء الحظ الأبدي.

حسنا، سيشكّل الغفران الفلسطيني مخاطرة تتطلب شجاعة هانا المجنونة. إذ قد يرى الإسرائيليون ذلك على أنه عمل من أعمال الاستسلام، وحافز ليس للسلام وإنما لمزيد من مصادرة الأراضي الفلسطينية والخنق الكامل للحياة الفلسطينية. وإذا ما أساء الإسرائيليون استخدام الغفران الفلسطيني فإنّ عمل المغفرة يصبح ملغيا. الغفران يتعامل مع الإجحافات الماضية فقط.

من خلال مغفرة الإسرائيليين يكون الفلسطينيون قد سامحوهم عن المسئوليات السابقة من دون إعطائهم إذنا لارتكاب المزيد من أعمال الظلم. من ناحية أخرى قد يقدّر الإسرائيليون ما يقدَّم لهم، فيعني الغفران نهاية للعنف الذي تحفزّه المظالم السابقة، وإذا لم يأتِ ذلك بحل سلمي فقد يؤدّي إلى حالة من الهدوء تتم فيها إزالة الإجراءات الإسرائيلية الخانقة ويعود الفلسطينيون إلى استئناف حياتهم العادية واليومية. بالنسبة للفلسطينيين المستعدين للغفران فإنّ الأمل هو أنّ غالبية الإسرائيليين، كمؤشر على التواضع أو نتيجة لرغبة شديدة في حياة هادئة، لا يريدون المزيد من الحرب. إدراكا منهم بأن المغفرة الفلسطينية عنت أنّ وجودهم الطبيعي لم يعد مهددا، سوف يريد الإسرائيليون من حكومتهم أنْ تستغل الفرصة وألا تصادر المزيد من الأراضي وإنما أنْ تعمل على إرساء قواعد حالة الهدوء والسلام، وأنْ تفعل ما بوسعها لإنقاذ الفلسطينيين من الاحتلال العسكري ومن كونهم مواطنين من الدرجة الثانية.

هذا حلم مجنون على الأرجح. قد لا تكون هانا فلسطينية موجودة، ليس في المستقبل القريب. ولو وجدت لعمل الإسرائيليون على إفشالها على الأرجح. إلاّ أنّ البديل هو المزيد من الجنون في نزاع سيستمر لستين سنة أخرى.

*كاتب وناقد فلسطيني، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2090 - الإثنين 26 مايو 2008م الموافق 20 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً