العدد 2105 - الثلثاء 10 يونيو 2008م الموافق 05 جمادى الآخرة 1429هـ

لبنان... في انتظار جولة ثانية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

متى تبدأ الجولة الثانية؟ سؤال يقلق مختلف الأطياف اللبنانية. والجواب يدفع الكل إلى منزلق الخوف ولحظة تستعيد تلك الصور المتراكمة من بقايا حروب شهدتها ساحات بيروت في محطات سابقة.

المشهد العراقي الذي كاد أن يدخل الأراضي اللبنانية تراجع مؤقتا واحتمالات عودته واردة. والمشهد الفلسطيني الذي تمثل في الانقسام الأهلي واقتسام السلطة ليس بعيدا عن ساحات لبنان وما تعكسه من مرايا محطمة في الزوايا والأحياء والأزقة والزواريب.

لبنان بعد 7 مايو/ أيار دخل في منعطف أهلي خطير ولولا انتباه اللحظات الأخيرة لكان البلد الآن في خبر كان. فالمشهد الذي انفتح على تداعيات عسكرية سهلة وسريعة أعطى مفاعيلَ سياسية سلبية تحتاج إلى مهلة زمنية لاحتواء ذاك الفائض من العنف النفسي/ الثقافي الذي توالد بقوة في الشوارع.

لغة الشوارع لاتزال هي الطرف المسيطر في ترسيم حدود الوعي. وبسبب تلك اللغة الملتهبة تخشى القوى العاقلة من انشداد الأطياف إلى هوة التضارب الطائفي والمذهبي والمناطقي. الكل خائف من الكل. الضعفاء خائفون من الأقوياء. الأقوياء خائفون من الضعفاء. والتسوية التي انعقدت في الدوحة عطلت عجلات التصادم ولكنها لم ترفع منسوب التفاؤل إلى درجة الحل. فالكل يرى في اتفاق الدوحة مجرد هدنة مؤقتة أو تهدئة طوائف مدروسة تحتاج إلى اختبارات ميدانية للتأكد من متانة قوتها على تحمل الصدمات.

متى تبدأ الجولة الثانية؟ مجرد طرح السؤال يثير القلق والخوف ويزيد من نسبة التوتر. فالكل لا يريدها ويتمنى أن تستمر التسوية المؤقتة إلى أجل مفتوح وغير محدد. ولكن الوقائع الجارية تؤشر على اتجاهات متعاكسة تشبه تلك المرايا المحطمة في شوارع بيروت وأعالي الجبل ومرتفعات عكار وسهل البقاع.

الجولة الأولى التي وقعت شكلت ذاك المنعطف في مسارات داخلية متعاكسة زعزعت العلاقات الأهلية ودفعتها بالانكفاء إلى الذات بعد لحظات من الانقضاض على مواقع بعضها بعضا. التراجع ساعد في تأخير الانفجار الكبير وتسهيل التدخل العربي وإعطاء موقع القيادة لدولة قطر لتقوم بمهمة الاحتواء تحت مظلة دولية وإقليمية وعربية. والتفويض الذي أخذته قطر لعقد اتفاق الدوحة شكل تلك القناة التي نجحت في تنفيس الاحتقان ومنع الانفجار من الحدوث.

إلى متى يصمد اتفاق الدوحة؟ الجواب يتصل بمدى قدرة التفويض الدولي والإقليمي والعربي والجواري على الصمود. حتى الآن الأمور سالكة بعد أن عقد مجلس النواب دورته المنتظرة وانتخب رئيس للجمهورية. والنواب ينتظرون الآن الإعلان عن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ليبدأ النقاش بالموازنة والبرنامج ومشروع الحوار. وبعدها تنتقل الكتل للبحث في تفصيلات مشروع الانتخابات التشريعية وصولا إلى عقدها في مايو 2009.

هل يصمد «اتفاق الدوحة» إلى ربيع العام المقبل؟ كل القوى تتمنى ذلك لكون ذاك الموعد الزمني يشكل بداية لإعادة هيكلة التوازن السياسي في مواقع السلطة التشريعية وما تعينه من تمثيل صحيح لموازين القوى. إلا أن المشكلة في لبنان ليست لبنانية بالكامل فهي تعكس في جوانبها المختلفة مجموعة أزمات إقليمية وجوارية ودولية مترابطة تتجاوز حدود جغرافيا الكيان الصغير.

الأكثر انبساطا يعطي لبنان مهلة سنة للانفراج أو التسوية أو الانفجار. الأقل تفاؤلا يعطي البلد الصغير فرصة لا تتعدى شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

مواقيت

لماذا نوفمبر 2008؟ التوقيت يرتبط بالانتخابات الأميركية وبغض النظر عن الفائز بالرئاسة. ففي ذاك الشهر سيعرف من هو الرئيس الذي سيقود الإدارة الأميركية في السنوات الأربع المقبلة. وبعيدا عن هوية الرئيس الديمقراطي (باراك أوباما) أو الجمهوري (جون ماكين) هناك فترة انتقالية تمتد إلى الأسبوع الثاني من يناير/ كانون الثاني 2009. وخلال فترة التسلم والتسليم التي تمتد على شهرين ستقدم كل القوى الدولية والإقليمية والعربية والجوارية على إعادة النظر في الحسابات سلبا أم إيجابا. كل طرف سيقرأ الصورة من زاويته وسيرى فيها متغيرات لمصلحته أو ضده. وبناء على تقدير المواقف ستتخذ القوى الإقليمية مجموعة خطوات إلى الأمام أو الوراء يسرة أو يمنة. ومثل هذا الحراك سيترك انعكاساته السلبية والإيجابية صعودا أو هبوطا على الساحات المفتوحة والملفات الساخنة.

ساحة لبنان الصغير مفتوحة ومكشوفة وساخنة منذ العام 2004 وهي تشكل مرآة للتوازنات والتحالفات والتجاذبات والاستقطابات الجوارية والعربية والإقليمية. وهذا يعني في المنظار السياسي أن البلد الصغير سيشهد اهتزازات أمنية خلال تلك المرحلة الانتقالية التي تبدأ في نوفمبر 2008 وتنتهي في يناير 2009. وربما تشكل تلك الفترة المتأرجحة بين عهدين أو رئيسين مناسبة لتوجيه الرسائل واستقبال العروض.

الجانب الدولي من الأزمة اللبنانية ليس بعيدا عن الفضاءات الإقليمية وتجاذباتها. فالملف العراقي الذي يحتل أولوية في المشروع الأميركي الشرق أوسطي يرتبط بجوانب منه بالملف الإيراني والتفاوض «الفني» و «التقني» بين طهران وواشنطن بشأن البرنامج النووي والمعاهدة الأمنية. والملف الفلسطيني الذي دخل عقدة المسارين تراجعت أولوياته بعد الإعلان عن بدء التفاوض الإسرائيلي على المسار السوري ورفض حكومة إيهود أولمرت وقف سياسة الاستيطان وتوسيع المستوطنات والوحدات السكنية في القدس والضفة.

المسألة اللبنانية إذا مكشوفة ومفتوحة على ملفات تتجاوز حدود الكيان الصغير. فالجغرافيا الإقليمية تلعب دورها في صوغ الأزمة وتحديد عواملها التفجيرية. العراق في مشهده الطائفي/ المذهبي ليس بعيدا عن الصورة اللبنانية. وفلسطين في مشهدها الانقسامي وتلاعب تل أبيب بالمسارين السوري والفلسطيني ستترك أثارها على مساحات من البلد الصغير. و «اتفاق الدوحة» الذي يشكل خلاصة تفويضات دولية وإقليمية وعربية وجوارية محكوم بمجموعة شروط تبدأ باستقرار المحيط الجغرافي وتنتهي بمدى استعداد القوى الفاعلة على تطويع طموحاتها تحت سقف توازن المصالح. ومجموعة الشروط هذه مرتبطة باشتراطات من نوع استمرار أولمرت في رئاسة حكومة تل أبيب، ومدى نجاح نوري المالكي في تسويق المعاهدة الأمنية مع الاحتلال الأميركي، ومدى قدرة الرئيس محمود عباس في المضي في سياسة تبدو مقفلة على المسار الفلسطيني بعد عودة النشاط على المسار السوري. كل هذا الكم من الشروط والاشتراطات تواجه تلك التسوية المؤقتة (هدنة الطوائف) في لبنان. وبسبب تلك التراكمات التي تنتظر «الحلول» تتخوف الأطياف اللبنانية من احتمال اندلاع جولة ثانية.

«جولة ثانية» تبدو شبه مؤكدة في جدول أعمال السياسة المحلية الموصولة بالأطراف والأقاليم. ولكن الخلاف على تحديد موعد. متى تبدأ؟ في نوفمبر، في يناير... أم تستمر الهدنة إلى ما بعد مايو وتعطى الانتخابات وظيفتها السياسية في تشريع هيكلية للسلطة اللبنانية.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2105 - الثلثاء 10 يونيو 2008م الموافق 05 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً