العدد 2107 - الخميس 12 يونيو 2008م الموافق 07 جمادى الآخرة 1429هـ

أسلمة المعرفة تقوم على مراجعة المعارف المعاصرة في ضوء الركائز الإسلامية

ردا على مقال «أسلمة علوم الإدارة أنتجت ظاهرة الدعاة الجدد» لمنصور الجمري...

مصطفى أحمد بن حموش comments [at] alwasatnews.com

أستاذ في جامعة البحرين

تنشر «الوسط» إيمانا منها بحرية الرأي والرأي الآخر، مقالا ورد إليها من الأستاذ في جامعة البحرين مصطفى أحمد بن حموش يرد فيه على مقال رئيس التحرير منصور الجمري الذي نشر بتاريخ 6 يونيو/ حزيران 2008 في صفحة «إسلاميات» تحت عنوان: «أسلمة» علوم الإدارة أنتجت ظاهرة «الدعاة الجدد». وهذا نص المقال:

«جلب انتباهي مقال الأستاذ الفاضل منصور الجمري في صحيفة «الوسط» عدد (2100) ليوم الجمعة 6 يونيو/ حزيران 2008 بشأن «أسلمة العلوم» وربطه المتعسف بظاهرة الدعاة الجدد. وقد استهل المقال بإسناد كلامه إلى كاتب سعودي اسمه وليد سامي أبوالخير، الناقم على الأسلمة. وكنت أعتقد أن هذا الأخير قد يكون أحد أعمدة الأكاديميا الذي توصل بأبحاثه إلى المراجعة الجذرية لهذا المفهوم الذي استهواني منذ سنين، كما استهوى الكثير من المفكرين العرب والعجم الذين سلخوا أعمارهم لخدمة ما يعتقدونه صحيحا. لكنني وجدته (سامي أبوالخير) صحافيا شابا غضا يانعا، مفعما بالحيوية، إلا أنه لا يمت بصلة إلى المجال الأكاديمي. ومن البديهي ألا يعتدّ بكلامه في القضية المطروحة وخصوصا عند وضعه إلى جانب أعمال تلك المؤسسات التي تبنت المشروع، وأولئك الباحثين الكبار أمثال البروفسور حسين نصر الإيراني الأصل الذي يعيش في أميركا، والبرفسور محمد نقيب العطاس من ماليزيا، والأستاذ جعفر شيخ إدريس من السودان، والأستاذ الشهيد إسماعيل الفاروقي الفلسطيني الأصل، الذي اغتيل في أميركا، والبروفسور السعودي عبدالحميد أبوسليمان، رئيس الجامعة العالمية الإسلامية الماليزية سابقا، ناهيك عن مهندس التقدم الماليزي الرئيس السابق مهاتير محمد.

وعلى رغم اجتهاد المقال في إخفاء الحمولة الإيديولوجية العلمانية، فإن القارئ البسيط سيدرك أن من وراء مهاجمة هذا المفهوم، الضجر من امتداد الإسلام إلى العلوم والمعارف المعاصرة، والذي أصبح بدوره مغذيا حيويا للتوسع الإسلامي السياسي. وما يلام على المقال عدم الاعتماد على مصادر موثوقة في العرض، ومنافاته للأمانة العلمية بتقديم المشروع بصورة مشوهة وكاريكاتورية، وغياب أية أدلة تؤكد ارتباطه بإنتاج ظاهرة الدعاة الجدد.

لقد جاء في المقال أن واضع المفهوم هو الأستاذ السوداني جعفر إدريس. لكن الرجوع إلى موقع هذا العالم سيجد أن أقدم مقال لهذا الباحث في الموضوع نفسه يعود إلى العام 1988، بينما تعود الفكرة الجنينية لمصطلح «الأسلمة» إلى تكتل جمعيات علمية أكاديمية في أميركا من بينها «جمعية المسلمين العلميين الاجتماعيين» التي تأسست العام 1972، والتي انصهرت كلها في العام 1981 في «مؤسسة المركز العالمي للفكر الإسلامي IIIT» القائم حاليا في فيرجينيا في أميركا. وقد طُرحَت فكرة الأسلمة بعد ذلك في سلسلة مؤتمرات انعقد أولها في باكستان العام 1982، وفي بلدان إسلامية أخرى.

وفي الإنتاج الأكاديمي قدم الأكاديميون السابق ذكرهم جهودا معتبرة في باب الأسلمة كل حسب رؤيته. ولعل المجلات العلمية المحكمة «إسلامية المعرفة» و»التجديد» و»AJISS» ومواقع كل من هذه الشخصيات المذكورة في هذا المقال عينات لثمرات هذا المشروع ومادة للتقييم.

ما هي دوافع هذا المشروع؟

إن أسلمة المعرفة تقوم على مراجعة المعارف المعاصرة في ضوء الركائز الفكرية الإسلامية الكبرى مثل التوحيد، والاستخلاف، وثنائيات الخير والشر والفساد والصلاح، ومقاصد الشريعة، كما تهدف إلى تجديد وسائل الاجتهاد الإسلامي الذي لايزال يقوم على أسس المدارس الفقهية والمذهبية التقليدية منذ قرون، وذلك لا يتم إلا بالاستفادة ما توصل إليه العقل الغربي من مناهج وطرق حديثة في التحليل والاستنباط. وتختلف الحاجة إلى الأسلمة بحسب نوع العلوم، فهو يضيق في المجالات التقنية والطبيعية مثل الفيزياء والرياضيات، بينما يزداد هامشها اتساعا في العلوم الإنسانية مثل الأنتروبولوجيا والتاريخ وعلم النفس والاقتصاد والاجتماع.

إنه بالطبع لا يمكن نفي العلاقة بين العلوم المعاصرة والفكر الغربي الحالي، فقد سبق تأكيدها في الغرب قبل أن ندلو نحن العرب بدلونا. فقد رأى كل من المفكر الألماني يورغن هابرماس، والفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو وجود الارتباط العضوي بين العلوم والتقانة الحالية من جهة والقيم الغربية وإيديولوجية المجتمعات الصناعية الحالية، وذلك من خلال إملاءات النظام المهني، وأخلاقيات المنافسة، وضغط التنافس الإنتاجي، وقيم التشيؤ المرتبط بالملكية، وقيم الإشباع الغريزي، وفكرة السيطرة على الطبيعة، وموت الإله، وتفوق العقل. ومنذ ما يزيد عن قرن كان عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر قد كتب كتابه الشهير عن الأخلاق البروتستانتية وارتباطها العضوي بروح الاقتصاد والفكر الرأسمالي. أما في المجال الإداري، فإنه لا يمكن بحال نفي أثر الثقافة في الخلاف بين المدرستين الأميركية واليابانية في تنظيم العمل والأداء الفردي والولاء إلى المؤسسة الذي يعود إلى القيم المجتمعية المختلفة في كل من أميركا واليابان.

ولذلك فإنه من غير المنطق استنكار البحث عن مدى توافق المعارف المعاصرة المستوردة مع الثقافة الإسلامية وخصوصا في العلوم والاجتماعية والإنسانية. فعكس ذلك هو الذي يؤدي إلى التكلس الفكري - بعبارة الكاتب السعودي - واستمرار التبعية الفكرية، والاكتفاء والتلذذ باستهلاك الإنتاج الفكري الغربي، وقتل روح النقد، وتحنيط الثقافة العربية والإسلامية في متحف التاريخ.

قد يكون الاعتراض على كلمة الأسلمة من حيث اشتقاقها اللغوي محل نظر، وهو ما ينطبق على كثير من المصطلحات التي دخلت لغتنا عنوة في غياب النسق الثقافي والعلمي الذي يسمح لها بالدخول السليم وإيجاد المثيل لها، وذلك مثل الديمقراطية (دمقرطة!) والإيديولوجيا (أدلجة!)، والأتمتة، وغيرها من المصطلحات. لكنه لا مشاحة في المصطلحات طالما أنها تؤدي دورها - المؤقت على الأقل - في توصيل المعنى وذلك في انتظار عباقرة اللغة - من أهل الصحافة - في نحت المصطلح المناسب. فليس إيجاد المصطلح هو الذي يدفع عجلة البحث العلمي، ولا هو الذي يسبق الاكتشاف العلمي وإنما هو تبع له.

ليس من الموضوعية إقحام الإسلام في كل تفاصيل الحياة وجعله وسيلة لتضخيم الخلاف والفجوة مع الآخرين الذين نشترك معهم في الكثير من نواحي الحياة البشرية واللجوء إلى وضع ملصق «الإسلامي» الذي ينم عن الهوس الديني. كما أنه من غير الأمانة العلمية سرقة أعمال الآخرين ووضع «ماركة» الإسلام عليها. لكنه في المقابل يكون نفي علاقة الإسلام بالعلوم الطبيعية من فيزياء وفلك وجيولوجيا وبيولوجيا والإنسانية مثل فلسفة التاريخ والاجتماع وعلم النفس والانتروبولوجيا أمر مجانب للتاريخ والفكر والواقع، إذ يجعل الإسلام الذي كان المحرك الحضاري في السابق مجرد كهنوت وصلوات في المساجد ونواح في المآتم.

إن الكثير من العلوم تقف عند حدود الغيب فلا تجد بدا من القفز إلى الفلسفة وذلك من أمثال بداية الحياة التي تفسر حاليا بالانفجار الكبير (BIG-BANG)، ووجود الحياة بعد الموت، وإمكان نهاية العالم بنهاية الطاقة أو خراب النظام الفلكي، ووجود العوالم وراء المجرات التي عجزنا عن مشاهدتها، وكنه الحياة المعقدة التي تقف وراء الكائنات المتناهية الصغر. لقد أدى مجموع هذه الأسئلة بالأكاديمي إيليا بريغوغين - صاحب جائزة نوبل في الفيزياء - أن يكتب كتابه الشهير The End of Certainty ويعلن انتهاء اليقين الديكارتي وسواد عصر الشك العلمي الذي تسلل إلى كل العلوم بما فيها الرياضيات والفيزياء. فلماذا نستصغر إجابة الإسلام على مثل هذه الأسئلة؟

قد تكون الأسلمة مرحلة أولى في هضم العلوم المعاصرة. فالغرب لم يبن مجده العلمي من الخواء، فيكفينا في ذلك دراسة كتاب المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه (شمس الله تستطع على الغرب) لنكتشف مدى تسلل الفكر الإسلامي إلى النهضة الأوروبية عن طريق الأندلس وصقلية والقدس. ولذلك فإن مراجعة الإنتاج الفكري الغربي في ضوء الفكر الإسلامي ما هو إلا المرحلة الأولى من نفس المسار البشري الذي أوصل الغرب إلى ما فيه من تقدم ونماء. فالمعرفة فعل تراكمي ودورة لولبية منتظمة تقوم على إدراك ما توصلت إليه الأمم السابقة ثم إضافة الجديد إليه من منطلقات فكرية وواقعية جديدة على خط الزمن المتغير باستمرار.

لقد مرت كل حضارة بمرحلة هضم إنتاج سابقتها قبل أن تساهم هي بدورها في إضافة شيء إلى الرصيد البشري. وهذا الذي يعيشه أي أكاديمي صغير. فلا يمكن البدء في البحث في أي موضوع إلا بالاطلاع على ما كتب فيه الأولون والوقوف على آخر ما قيل فيه قبل الإسهام الفردي في ذلك الموضوع. فالقضية الجديدة التي يُراد البحث فيها إنما تنشأ عن معرفة سابقة، والتجربة التي تجري تفترض صحة معلومات سابقة، فلو أن كل باحث بدأ تجربته وهو خال الذهن حتى من تلك المعلومات الخاصة بمجال بحثه لما نمى العلم وما تطور.

إن سحب الصراع الإيديولوجي إلى المجال الأكاديمي، قد يعطل الكثير من الجهود العلمية، لكنه من المؤكد أنه يصعب وضع حد فاصل بين الإيديولوجيا والأكاديميا في مجالات العلوم الإنسانية، ولذلك فإن أسلم موقف هو فتح المجال للحوار والإقناع، لأنه لا أحد من البشر يملك الحقيقة المطلقة.


توضيح من الجمري بشأن مقال «أسلمة علوم الإدارة»

أتقدم بالشكر إلى الإستاذ مصطفى أحمد بن حموش على ملاحظاته القيمة على مقالي المعنون:«أسلمة» علوم الإدارة أنتجت ظاهرة «الدعاة الجدد»، وأود التنويه إلى أن المقال بدأ بالإشارة إلى ما ورد في مقال صحافي في صحيفة سعودية بشأن «الأسلمة» وكان ذلك من باب التقديم للدخول في الموضوع، بغض النظر عن مكانة الكاتب أو موقفه من الإسلاميين.

أما بشأن جذور التعريف فلم يكن الهدف إجراء مراجعة أكاديمية، بقدر ما هو إشارة إلى أن هناك اختلافا في مصطلح «الأسلمة» بين المتحاورين فكريا.

صلب الموضوع يتعلق بمحاولة «أسلمة علم الإدارة»، وأن هذه المحاولات لم تنجح في إنتاج أية نظرية جديدة في علم الإدارة، وليس لدينا حاليا - بصفتنا إسلاميين ومسلمين وعربا - أي إنتاجات مميزة في هذا المجال، وكل ما تمكن بعضنا فعله هو إدخال الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة ضمن كتابات الإدارة.

والمقال يشير إلى أن محاولات «أسلمة علوم الإدارة» أنتجت تطبيقات استخدمت للدعوة إلى الاتجاهات الدينية، ولكن بأسلوب جديد ولبق ومتمكن من علوم الإدارة الحديثة.

والربط بين عدم تمكننا بصفتنا مسلمين أو إسلاميين من إنتاج مفاهيمَ جديدةٍ، وفي الوقت ذاته تمكن الدعاة الإسلاميين من استخدامه (علم الإدارة) ليس اعتباطيا، ويمكن الالتفات إلى أسماء مرموقة في الحركات الإسلامية تستخدم حاليا أساليب علم الإدارة للدعوة إلى أهداف الاتجاهات التي ينتمون إليها، والإشارة إلى هذه الأمور ليس فيه أي طرح مؤدلج أو تحامل على أية جهة ما. والله من وراء القصد.

إقرأ أيضا لـ "مصطفى أحمد بن حموش"

العدد 2107 - الخميس 12 يونيو 2008م الموافق 07 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً