العدد 2117 - الأحد 22 يونيو 2008م الموافق 17 جمادى الآخرة 1429هـ

السقوطُ مسموحٌ... أمّا النهوضُ فواجبٌ

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الشرق الأوسط بحُكمِ منطقه إقليم نَشِط. فعلى أرضه تُقام الحروب ولكن السّلم مربوط بعنقه أيضا. وهو يقبل هِدَانة المتحاربين وعجيجهم ولكنه أقدر على تكثير الطرق المسدودة أمامهم؛ مما يعني أنه جيبوليتيك فريد يجمع الشيء ونقيضه.

خلال الشهرين الماضيين تحركت رمال راكدة على أرضه. فاستوى جزء كبير من أزمة لبنان على سوح اتفاق الدوحة. وقَبِلَ محمود عباس التصالح مع «حماس» من دون الحاجة إلى تأكيد انقلابها على شرعيته. وأُلقِي السلاح المُعمّر من يد حكومة إسماعيل هنية وإيهود أولمرت بوساطة مصرية. وتزيّتت محادثات وديعة رابين بين سورية والكيان الصهيوني بوساطة تركية. وتسلمت الجمهورية الإسلامية رُزمة من الحوافز الغربية لثنيها عن مواصلة التخصيب.

بين تلك الأحداث قد نجد البوصلة وحكمتها. فمحاور الإقليم بين حلفي الهوامش والممانعة باتت تستقر على حال جديد. والأهم في هذه السطور اليوم الحديث عن أحوال خط الممانعة خلال المرحلة الراهنة، وتحديدا ما يجمع حاضنتيها الرئيستين طهران ودمشق.

الغرب وفي طليعته الولايات المتحدة الأميركية اتخذ لنفسه خيارا راديكاليا وتحركا استباقيا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول من دون «استراتيجية أشمل للتعامل مع التحديات المتشابكة»، بحسب تعبير سكوت لاسنزكي ومنى يعقوبيان. فأراد كسر حائط الإسناد لهذا المحور عبر ضغط دبلوماسي قاسٍ مع خيار الاستحلاب بالضربة العسكرية «المُلوَّحَ بها» على طول الخط.

ضمن خيارات الإلغاء تلك كان خيار الفصل الحاد بين قطبيه سورية وإيران، أو في درجة أقل تبادل الأدوار عبر إبعاد الأول عن الثاني بمجموعة من الطُعْم أو العكس. فكان مؤتمر أنابوليس وتمثّل السوريون فيه على حساب الإيرانيين، وكانت مباحثات «أمن العراق» بين واشنطن وطهران على حساب السوريين - هكذا فُسّر - وهي كلها محاولات لم تُكلّل بنجاح الفصل المطلوب أميركيا.

اليوم تبدو الأمور مختلفة. فما يجري عبارة عن قفزة إلى الأمام بحسابات غربية حذرة. الغربيون بدأوا علاقة مُيسّرة مع سورية عبر البوابة الفرنسية التي بدت رئاستها مرتاحة إلى حدّ تصريح نيكولا ساركوزي في مقابلة له مع صحيفتي «معاريف» و «يديعوت أحرونوت» بأن «كل ما فعلنا كان رد فعل على لفتات عينية قامت بها الحكومة السورية حين سمحت بتحقيق تقدم حاسم في الموضوع اللبناني». كما أن ساركوزي دعا الأسد لحضور اجتماع الاتحاد المتوسطي في الثالث عشر من يوليو/ تموز المقبل في باريس، مع ورود أنباء تفيد أن مُسَوَّدة البيان المقرر صدوره في قمة الاتحاد المتوسطي ستتضمن الاستجابة لمرجعية مدريد ومبدأ الأرض مقابل السلام والمبادرة العربية وهي المطالب ذاتها التي ترغب في إحيائها دمشق.

وأن يتلازم ذلك الغزل بموضوعات السلام السوري - الصهيوني الذي بدأت عربته التحرك من الأراضي التركية وأيضا مع زيارة وفد الوكالة الدولية للطاقة الذرية دمشق في 22 إلى 24 يونيو/ حزيران الجاري لمعاينة موقع الكبر الذي يُعتقد بأنه كان مفاعلا نوويا سوريا بُني بمساعدة كورية شمالية ودمّرته تل أبيب في سبتمبر الماضي فكلها أمور تزيد قناعة بعض الأطراف بضرورة تفكيك التحالف السوري - الإيراني عبر اتباع دبلوماسية ناعمة مع سورية.

أمام ذلك وفي الضفة الأخرى من المدماك حيث الجمهورية الإسلامية تبدو الأمور متحركة أيضا ولكنها في مسار تصعيد إلى حدّ ما. فالأحداث البارزة هناك يجمعها عنوان واحد ولكن تفصيلاتها متعددة. ففي السادس والعشرين من مايو/ أيار الماضي صدر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعقبه اجتماع بين رئيس فرق التفتيش التابعة للوكالة أولي هاينونن ودبلوماسيين معتمدين من دول شتّى أعلن فيه أن معلومات جُمِعت من عشر دول تشتبه في أن طهران أجرت سابقا بحوثا عن عسكرة برنامجها النووي، معتمدا في ذلك على وثيقة «معدن اليورانيوم» التي تبيّن عملية تحويل اليورانيوم إلى كرتين نصفيتين كتلك المستخدَمة في الرؤوس النووية.

بعد ذلك بأسبوعين قدّم الغرب رزمة من الحوافز المُعدلة إلى طهران لحثّها على إيقاف تخصيب اليورانيوم، تلتها بعد أسبوعين أنباء نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» نقلا عن مسئوليين أميركيين لم تُسمّهم قولهم إن أكثر من مئة طائرة صهيونية شاركت في المناورات التي نُفّذت فوق شرق البحر الأبيض المتوسط واليونان، في الأسبوع الأول من يونيو الجاري؛ لإجراء تدريبات على توجيه ضربات بعيدة المدى إلى البرنامج النووي الإيراني.

هذه الأحداث تبدو كأنها من أجل الضغط على طهران للقبول بالحوافز المقدمة إليها والكف عن المضي في برنامج التخصيب أو حتى دعوتها لإقامة كونسورتيوم يضم إيران ودولا غربية وعربية من أجل تخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية ومن ثم تسويقه دوليا لتبديد المخاوف الغربية من عسكرة برنامج إيران النووي.

الأكثر من ذلك إن ساركوزي قال كلاما موازيا لتصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عندما قال: «إن من ينادي بالقضاء على (إسرائيل) سيضطر إلى مواجهة فرنسا»؛ مما يعني مزيدا من الضغوط على طهران من جهة وتليين الجانب السوري من جهة أخرى لإتمام مشروع الفصل.

وما بين الغزل مع دمشق والضغط على طهران تبدو المفاضلة الأميركية كالتالي: حاجة سورية إلى ديناميكية اقتصادية وشرعية سياسية، وحاجة أميركية إلى مواجهة إيران بحسب تعبير معهد السلام الأميركي. فدخول دمشق منظمة التجارة العالمية وإعادة المناشط الاقتصادية إلى ما قبل العام 2005 قد يدفع سورية لأن تُخفّف من تحالفها مع طهران.

ولكن التشكيك القائم في ذلك هو عبر طرح سؤال مفتوح، وهو: هل ستكون تلك الجزرات الغربية كافية لإبعاد دمشق عن طهران، وبالتالي التفرّد بالأخيرة بشكل أقلّ تعقيدا؟ أم أن ذلك التقطير لا يعدو كونه اختبارا قصيرا يُراد منه نتائج سريعة لتحديد الخيارات الأكثر صعوبة وكُلفة؟ وهو ما يُمكن الحديث عنه بشكل أكثر تفصيلا في حلقة أخرى.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2117 - الأحد 22 يونيو 2008م الموافق 17 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً