العدد 2120 - الأربعاء 25 يونيو 2008م الموافق 20 جمادى الآخرة 1429هـ

تساؤلات أوّلية عن الرقابة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في بلدٍ يُعاني من وباء الطائفية، من شأن الجميع أنْ يرحّب بتشكيل لجنة من أربع وزارات لمحاربتها وتقليم أظافرها، وكلّ جهدٍ صادقٍ في هذا الطريق سينال مباركة الجميع.

الحكومة تحرّكت أخيرا بعد أن استشعرت خطورة اللعب بالنار من قبل المتلذذين بالإثارة الطائفية، وهي خطوة إيجابيةٌ ولكنها متأخرة مقارنة بحركة المجتمع المدني، الذي استشعر الخطر مبكرا، فطالب بالعلاج عبر جمعياته السياسية والحقوقية؛ وإعلامه المستقل؛ وما نظّمه من مؤتمرات وندوات طوال سنوات.

لسنا هنا لنلوم أحدا، وإنّما لنقرّر حقيقة أنّ ما وصلنا إليه إنما هو تحصيل حاصل، فهذا ما جنيناه، أو ما جناه علينا بعض المتلاعبين بالنار. وتكوين لجنة للرقابة على المنابر والمنتديات والصحف، لا يقطع بنا إلاّ 10 بالمئة من طريق الحل، وهو الجانب الأسهل من المهمّة، أمّا الجانب الأصعب فهو البحث عن علاجٍ لهذا الداء المستوطن في كلّ زاوية وزقاق، فمَنْ يملك الشجاعة لذلك؟

لو كان البرلمان برلمانا طبيعيا، يمثل بدقةٍ مختلف القوى والتيارات، لطالبناه بالتصدّي للمشكلة تشريعيا، ولكن كيف تطالب مريضا بتوفير العلاج؟ ألم تخرج الفتنة الأخيرة من تحت عباءة بعض أقطابه؟ فالبرلمان بتركيبته الحالية واصطفافاته أعجز عن توفير جرعة دواء.

في اليومين الأخيرين، قرأنا آراء لبعض قيادات الجمعيات السياسية (غير الممثلة بالبرلمان)، تؤكّد على أنّ 90 بالمئة من حلّ المشكلة الطائفية بيد الحكومة. وهي آراء لها وجاهتها، فالحكومة تمسك أغلب الخيوط، بدءا من سياسات التوظيف والتعيينات، والتقريب والإبعاد، والحب والبغض، ضمن لعبة «الولاء». وهي سياسةٌ لها كلفتها الاجتماعية والاقتصادية، فكلّما قرّبت تيارا وحابت أنصاره، دفع الثمن بقية الأفراد والتيارات، إذ سيعتبرونه تمييزا ضدهم، لا يحتمل التبريرات واللف والدوران.

بعض الحقوقيين والمستقلين اقترحوا ضمّ مؤسسات المجتمع المدني للجنة الرقابة، لكي تحظى بصدقية لدى الناس، وإلاّ فإنها لن تزيد عن كونها مجرد لجنة حكومية، وتعرفون سمعة هذه اللجان التي تمارس دور القاضي والضحية والجلاّد.

أحد أهم الإشكالات التي على الجمعيات والصحافة وقوى المجتمع طرحها، هو ضرورة وضع معايير واضحة للجنة، وآليات عمل شفّافة ومتفق عليها على نطاق واسع، لكي لا تكون اللجنة تمثّل الحكومة وحدَها، ولإبعاد الشبهات عنها، «كما أنّ وزارة العدل أكثر قبولا من الداخلية لدى الشارع»، بحسب تعبير الشيخ صلاح الجودر.

هذه إشكالات تتطلب الطمأنة، وإلاّ سيفتح الباب على خلافاتٍ لا تنتهي بشأن ما يهدّد أو يعزّز الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي، ومن هو الطائفي وغير الطائفي، ويختلط النقد بالتحريض. فرغم أننا بلدٌ صغيرٌ لا يظهر على الخريطة، إلاّ أن قراءاتنا للأحداث المحلية والإقليمية في السنوات الأخيرة لا تكاد تلتقي في أكثر الأحيان. فالمصالح والمواقف المسبقة والاصطفافات فرّقتنا، حتى بات صعبا الاتفاق على ما يمثل مصلحة عامة، بدءا من قانون النوخذة ومطالب الصيّادين وفصل العمّال وكادر المعلمين والأطباء والممرضين... وليس انتهاء بردم السواحل والدفان ومشاريع الإسكان ومصانع الأسمنت وتنقية هواء المعامير.

هذه بعض مفردات حياتنا اليومية في الصحافة، وبعض الجهات المشبوهة حاولت ترويج قراءة طائفية لكلّ ذلك، فاعتبرت كلّ ذلك الحراك الطبيعي، مجرد مؤامرة خارجية مبرمجة. والخوف كلّ الخوف، أن تتسرّب هذه النظرية «المكارثية» إلى لجنة الرقابة، فنقرأ على حرية الصحافة السلام.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2120 - الأربعاء 25 يونيو 2008م الموافق 20 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً