العدد 2540 - الأربعاء 19 أغسطس 2009م الموافق 27 شعبان 1430هـ

تداول السلطة في البحرين... أين موقعها على سلم الأولويات؟

هادي حسن الموسوي comments [at] alwasatnews.com

البحرين، مملكة صغيرة، مساحتها اليابسة لا تتجاوز 800 كم مربع، سكانها المواطنون لا يتجاوزعددهم 600 ألف نسمة، الأصول والأعراق والانتماءات الدينية للإنسان البحريني متقاربة، ونتيجة لذلك التميز أصبحت البنية المجتمعية متماسكة وقوية، تتحقق فيها نسبة عالية من انسجام النوع البشري، من جهة أخرى، تمثل البنية التحتية ومقومات قيام الدولة، فرع آخر من فروع المشهد السياسي البسيط والبسيط جدا بكل وقائعة وصيرورته، حجم الموازنة العامة فيها يعتبر مؤشرا ودلالة واضحة على بساطة التركيبة الجغرافية والديموغرافية وما بينهما. والموازنة من ناحية الأرقام فإنها لا تتجاوز المليارين دينار في العام الواحد، والتي إذا ما قورنت ببعض الموازنات فإنها لا تعدو أن تكون مقاربة في جانبها الرقمي بأرقام صافي أرباح سنوية لبعض الشركات في دول آخرى، وبمقارنة البحرين بالغالبية العظمى من بلدان العالم فإنها تكون جزءا صغيرا من مكون تلك البلدان بجميع المقاييس.

ولكن على رغم هذه المميزات التي تتميز بها البحرين، فإنها تعاني من مشكلات لا تتناسب مطلقا مع طبيعتها الجغرافية والسكانية المحدودتين؛ ومع الأخذ بافتراض أن أسباب نشوء المشكلات المجتمعية أصلا غير موجودة، وإن كانت المشكلات موجودة بالفعل. ولكن، كيف يمكن تفسير أو تبرير معاناتها من مشكلات وكأنها دولة مترامية الأطراف، مليونية السكان، متنوعة الأصول والأعراق، وغير ذلك من المشكلات التي تعاني منها الدول المليونية، معقدة التركيب ومركبة التعقيد.

أي نوع من المشكلات التي يمكن التركيز عليها، مع عدم صحة إغفال غيرها من المشكلات؟ هناك مشكلات «سبب»! ومشكلات «نتيجة»! واحدة من أهم «مشكلات السبب» في البحرين، هي مشكلة تداول السلطة؛ تداول السلطة كمفهوم يبحث عن رفع منع تداوله على المستويين الرسمي والشعبي، وكقيمة سياسية تتعلق بعملية التنمية والحكم الصالح والدفع بعجلة مكافحة الفساد الإداري والمالي في الدولة، فإنها تبحث عن مفاعيل مؤثرة للأخذ بها والعمل بأصولها. وتداول السلطة واحدة من المشاكل التي يمكن أن تصنف في خانة المشاكل الجوهرية التي تعاني منها السياسة العامة في البلاد. وتتسبب في تنشيط كثير من المشكلات الثانوية وتساعد على تفريخها.

غياب الوعي المجتمعي بأصالة حق تداول السلطة في المجتمع الديمقراطي، بحد ذاته مشكلة، إذ إن مبدأ تداول السلطة كحق مجتمعي أصيل بحاجة إلى أداة تمكنه من كسر القيود المانعة وذات الحساسية العالية من «مبدأ حق تداول السلطة» حتى على مستوى التداول الفكري والحواري؟ وإذا كان مبدأ تداول السلطة حق سياسي، اجتماعي وتنموي، إذا أين موقعه من الاستحقاق الثابت لشعب البحرين؟ وأخيرا هل مسألة تداول السلطة - في البحرين - يتعامل معها على أنها حق سياسي مكفول نظريا ولكنه ممنوع على مستوى الممارسة؟ أم أنه ممنوع حتى على مستوى التداول النظري؟ ويعتبر من المحرمات التي يعاقب عليها القانون المدون، أو العرف، أو الاعتقاد السائد المنسوج في خيال الفرد والمؤسسة المسكونان بثقل السائد والمشهور والمتداول والممنوع.

من خلال الأخذ بمبدأ حق تداول السلطة، كمشكلة سببية وليست مشكلة نتيجية، فإن الوقوف عندنا يستحق كثير العناء، وعظيم الجهود، لما يعود على المجتمع، المكون الأساسي للدولة، بخاصية القدرة على التخلص من صناعة المشكلات وتراكمها بعد حين، وانفجارها في مراحل لاحقة، وارتفاع معدل الخسارة على جميع الأصعدة.

أهم ما يجب أن يكون عليه التنفيذي، هو أنه قابل للمساءلة والمحاسبة، إذ إن المتسلط من موقع التحكم في إدارة الموارد والأصول والأموال والرجال، أما ينجح ويحقق ما لا يمكن أن يصل إليه الخيال البشري، أو أن يخفق ويفشل، إلى درجة أن لا يمكن لأحد أن يتخيل أي وجود لبشر!

شتان بين التنفيذي الذي لا يحق «بفعل الواقع» لأحد أن يحاسبه، أو يراقبه، أو يساءله، أو يستجوبه؟ وبين تنفيذي يخضع للمساءلة والمراقبة والنقد والمتابعة، من خلال توظيف أدوات الشفافيه والوضوح والانفتاح على الآخر في حدود الالتزام بحق الآخر في الحصول على أفضل المخرجات، الحكم الصالح الرشيد، أو الحد الأدنى من الفساد المالي والإداري، أو دولة الرفاه والأمان.

ومن هنا تأتي هذه الخطوة للدفع باتجاه العمل على مناقشة مبدأ تداول السلطة كحق أصيل في المجتمع السياسي الديمقراطي، وكرافعة من روافع التنمية المجتمعية، وكسلوك بشري راق متقدم يتجه للميل نحو تقليص مساحة الاستبداد وتوسيع رقعة المشاركة في صنع القرار كمرحلة من مراحل احترام وتقديرالإنسان، وليس من أولوية تستحق أن تأخذ مكانها على سلم الأولويات أهم من «مبدأ تداول السلطة» كحق مجتمعي أصيل يسبح في أفق الديمقراطية.

إقرأ أيضا لـ "هادي حسن الموسوي"

العدد 2540 - الأربعاء 19 أغسطس 2009م الموافق 27 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 5:58 م

      المنطقة المحرمة

      انا اتصور بان الكاتب الكريم عنده غلط مطبعي.
      وهو يقصد تداول السَلـطة(سَلطة الطعام)

    • زائر 5 | 6:51 ص

      رد على رحم الله أمرء عرف قدر نفسه

      المقبوول الذي تقول عنه دمار ويمكن المجهوول افضل نحط إيد على إيد ونقول المجهول يمكن مب زين ونسكت ماايصيرررررررررر

    • زائر 4 | 6:29 ص

      ثقافة الراي الاخر غائبة عنا

      الفوضي الخلاقة في كل شئ ,الازمات لاتنتهي والمشاكل تزداد بأطراد ملفت النظر ,مشاكل حدث بلا حرج ,تجنيس سياسي ,فقر مدقع ,بطالة مقنعة ,فساد اداري ومالي واخلاقي اختلاسات سرقات تهميش وتمييز وطائفية تنخر في كل جزء من جسم هذا الوطن ,تداول السلطة بحاجة الي ثقافة وشراكة سياسية مجتمعية واول مهمات هذة الثقافة الاعتراف برأي الاخر مهما يكن دورة او وضعة في الوطن ,الشفافية في ترسيخ مفهوم الحكم الصالح منعدم ونحتاج ترسيخ هذا المفهوم لكي نطبق نظرية تداول السلطة وتكون ثقافة

    • زائر 3 | 5:26 ص

      رحم الله أمرء عرف قدر نفسه

      الافضل التطوير بدل التدمير .... و السير الي المقبول خير من القفز الي المجهول..

    • زائر 2 | 4:26 ص

      إلى أبو مستحيل

      الحجي مستحيل أنتم، من أنتم؟ ان كنت تقصد بالمجتمع "الطائفي القبلي" الدخيل على الوطن فهذا الكلام صحيح، لكن هذا المجتمع الدخيل بعد لا يحق له الحديث عن "إحنه" ذلك لأنهم لم يتعرفوا بعد على المجتمع الأصيل، ثقافاته وتقاليده، لأن هذه الثقافات لا تأتي بمجرد الحصول على جواز سفر.

    • زائر 1 | 2:44 ص

      مستحيل هذي إلي ناقص بعد !!!!!

      مستحيل هذي إلي ناقص بعد بديتوا بنبي برلمان و ألحين نبي تداول السلطه !!! إنسى الموضوع يا حبيبي لأن هذا الشيء مستحيل يصير أبداً إحنه في النهايه مجتمع طائفي \ قبلي و لا يمكن أبداً أن يقبل المجتمع بهذا.

اقرأ ايضاً