العدد 2545 - الإثنين 24 أغسطس 2009م الموافق 03 رمضان 1430هـ

الصيام هل يحيي الأحاسيس المتبلدة؟

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

سئل رسول الله (ص) عَنْ عِلَّةِ الصِّيَامِ فَقَالَ: «إِنَّمَا فَرَضَ اللَّهُ الصِّيَامَ لِيَسْتَوِيَ بِهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَذَلِكَ أَنَّ الْغَنِيَّ لَمْ يَكُنْ لِيَجِدَ مَسَّ الْجُوعِ فَيَرْحَمَ الْفَقِيرَ لِأَنَّ الْغَنِيَّ كُلَّمَا أَرَادَ شَيْئا قَدَرَ عَلَيْهِ فَأَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ خَلْقِهِ وَ أَنْ يُذِيقَ الْغَنِيَّ مَسَّ الْجُوعِ وَ الْأَلَمِ لِيَرِقَّ عَلَى الضَّعِيفِ وَ يَرْحَمَ الْجَائِعَ».

هل يحرك مس الجوع فينا شعورا عميقا يدفعنا نحو الفقير؟ وهل في صومنا مس من الجوع نستوي به في ساعات النهار مع الفقراء، فيحجزون أماكنهم في قلوبنا دائما؟

لست أظن ذلك في المجمل، لقد تعودنا على تبلد الإحساس في كل شيء، كان بعض المنظرين يقولون إن نقل الصور الحية لما يجري في العالم من اضطهاد للإنسان سيحرك نخوة الإنسان، لكننا كنا على صور مجازر جنوب لبنان، وعلى صور ذهول أطفال غزة وهم يتلقون أحدث القنابل الفتاكة نأكل المفطحات في أنس وغفلة ونسيان، وكان أحدنا يقول للآخر أطفئ التلفاز أو غير هذه المناظر وودعنا مأنوسين.

كل الظروف من حولنا تقول إن علة الصوم محفوظة في خطابات المشرّع فقط، لكنها مفقودة عند المكلف الصائم عن الطعام والشراب، فكبيرنا وصغيرنا وأطفالنا الذين لا يصومون يعرفون أن شهر رمضان شهر الأكل والموائد المليئة بما لذ وطاب.

العروض الترويجية التي تصل عبر الجوالات من مراكز التسوق الكبيرة تشعر بالشبع ولا تبعث نحو يقظة الإحساس بالفقر والفقير.

قال لي صاحبي يوم كتابتي للمقال إنه ذهب لمركز ضخم لبيع المواد الغذائية ليشتري بعض ما وصله من عروض على هاتفه فرأى تهافتا غريبا على بعض الأصناف التي نفذت بالفعل.

وقبل يومين مررت ببعض التقاطعات فلفتت انتباهي لوحات كبيرة كتب عليها «نقطة توزيع وجبة إفطار صائم» بعدد (500,000) وجبة، جزى الله من بذل ماله وصرف جهده لتوزيعها خير الجزاء، شعرت بسعادة لأن هناك من وجد مس الجوع فالتفت إلى الفقراء، لكن الحسرة عادت لي، ففي هذه التقاطعات لا يصل إلا أصحاب السيارت وأغلبها مكيفة، وأغلبهم في حالة اقتدار مادي، ومعظم من يتحركون قبيل أذان المغرب هم أصحاب عمل ووظيفة، وبعضهم سيارته مليئة بالمواد الغذائية التي اشتراها، فأين الفقراء؟ أقول هذا وأنا مدرك أن غرض الوجبة من أهل الخير هو المشاركة في أجر إفطار الصائم بغض النظر عن حاجته، لكني وددت أن تقربنا أعمالنا وتبرعاتنا من الفقراء والمحتاجين ما دام ذلك متيسرا.

تبلد الإحساس طامة كبرى سواء أصاب الفرد، أم هضم وقبل كخلق اجتماعي عام، وقد جاءت تعاليم الدين شديدة ومحذرة من هذا الداء الخطير، فقد روي أن الرسول (ص) قال: «ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم».

لقد استطاع الإنسان بتجاربه وإصراره وتفتح عقله أن يمنع تأثير الكثير من الأشياء، فصنع أدوية لمنع انسداد الشرايين، وأوجد عقاقير لمنع العدوى، وتوسل بالعلم لمحاربة الأمراض والتقليل من خسائرها، فهل شعر هذا الإنسان أن «مس الجوع» في شهر رمضان ألم يحتاج للعلاج؟ وهل اندفع لذلك عامدا عالما فجاءت خلطته الناجحة مركبة من سهر ليلي على المسلسلات والأفلام، وترهل في النهار يعطله عن القيام بوظيفته وواجباته، ولذائذ طعام تؤذي الجسد ولا تنفع الروح؟

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 2545 - الإثنين 24 أغسطس 2009م الموافق 03 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً