العدد 2024 - الجمعة 21 مارس 2008م الموافق 13 ربيع الاول 1429هـ

عودة الأموات... الغلاء مثالا

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

قبل سنوات كانت عبارة «موت الغلاء» تتردد في كلّ مكان، والكثير روّج إلى أنّ العولمة وتحرير التجارة وفتح الحدود أمام حركة الاستثمار قضت (أو أنها ستقضي إلى الأبد) على الغلاء، فالغلاء مات وانتهى من جذوره. ولكن الفترة الأخيرة شهدت عودة الغلاء الذي مات، والتحليلات انطلقت في كلّ جانب. فهل كلفة حروب أميركا في أفغانستان والعراق أدّت إلى عجز الموازنة الأميركية وثم ضعف الدولار الذي يسيطر على اقتصاد العالم (وعملاتنا مرتبطة به) أم أنّ السبب في زيادة نمو الاقتصادين الصيني والهندي وزيادة الطلب على النفط والغاز ومواد العمران في مختلف انحاء العالم وأنّ كلّ هذا أدّى إلى زيادة الأسعار؛ لأنّ الطلب زاد عن العرض أم أنّ العالم بدأ يخاف من احتمال حدوث كوارث وحروب وأزمات بسبب توتر الملفات الكبرى وبالتالي ازدادت الأسعار أم أن الأسباب خليط من العوامل المذكورة؟

في العام 1968 كان وزير الاقتصاد الألماني السابق كارل شيلر قد أعلن أن «الغلاء مات، وأن موته يشبه موت المسمار الذي أصابه الصدأ في مكانه»، وبعد سنوات ترددت العبارة في أشكال شتّى وصدرت مقالات وكتب حملتْ عنوان «موت الغلاء»، أو «انتهاء التضخم»، بل إن أحد الاقتصاديين الاميركان شبّه موت الغلاء بـ «البركان الخامد».

إلا أن البركان الخامد لم يُعد خامدا أبدا، فعلى الرغم من امتلاء خزانات الدول بمليارات الدولارات ، إلا أن الغلاء يتصاعد ويـأكل الأوراق المتضخمة. وحتى دول الخليج الغنية بالدخل النفطي أصبحت تعاني من الغلاء بشكل جلي. فملف معالجة الغلاء، واختلاف الحكومة الكويتية مع البرلمان بشأنه كانا أحد أسباب حل البرلمان الكويتي الأربعاء الماضي... وفي البحرين لاتزال أزمة الغلاء من دون علاج، وحتى علاوة الغلاء أصبحت عالقة بين مجلسي النواب والشورى، وإذا صرفت فإنها لن تحل المشكلة، بل ربما تعطيها حياة أطول؛ لأن الأسر ذات الدخل المحدود ستنفقه على المواد الاستهلاكية المرتفعة، وأصحاب المحلات سيواصلون رفع الأسعار.

معدل التضخم الرسمي في دولنا الخليجية لايعكس الواقع، فاذا كانت الأرقام المتداولة تتحدّث عن معدل يتراوح بين 3 و8 في المئة غلاء في المواد الاستهلاكية، فإنّ الواقع ربما ضعف ذلك. التضخم يتمثل في الارتفاع في حجم الأموال وانخفاض في قيمة النقود، وهذا يؤدّي إلى انخفاض القوّة الشرائية وإلى اختلال الأوضاع الاقتصادية وربما السياسية إذا وصل الغلاء إلى المواد الغذائية بشكل يؤثر على الناس بشكل يومي ومباشر.

حاليا يمكن للحكومة أن تتجاوز الضغوطات بصورة مؤقتة عبر دعم بعض السلع (وربما عبر صرف علاوة الغلاء)، ولكن نمط حياتنا بدأ يتغيّر بالفعل. فمثلا، اصبح السمك من المأكولات النادرة بعد أن كان آباؤنا وأجدادنا وأجداد أجدادنا يأكلون كلّ أصنافه من دون كلفة تذكر. واذا لم نستطع ترويض الغلاء، فلربما تصبح الوجبة الرئيسية للعائلة البحرينية قواطي «سمك التونة»؛ لانها ستكون الأوفر، وربما يتغيّر الطبق البحريني اليومي أيضا، كلّ ذلك بسبب عودة الغلاء الذي قيل إنه قد مات. أن عودة الأموات قد تقضي على جوانب جميلة من حياتنا.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 2024 - الجمعة 21 مارس 2008م الموافق 13 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً