العدد 266 - الخميس 29 مايو 2003م الموافق 27 ربيع الاول 1424هـ

أحلام الوعد... والتطويع

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حين احتلت القوات الأميركية العراق ارتفعت الوعود بنظام إقليمي جديد يقوم على فكرة الربط بين الولايات المتحدة و«الشرق الاوسط». وترافقت تلك الوعود مع تهديدات علنية لسورية وايران وأحيانا لبنان تستند أيضا على فكرة أن هناك معادلة جديدة في «الشرق الاوسط» بدأت معالمها بالتبلور بعد دخول بغداد وإسقاط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس.

هذه السياسة ليست جديدة. فكل حدث في العالم يحمل معه دائما الكثير من الأحلام (الكلام) ويبدأ الحدث نفسه بنسج سلسلة أفكار تعكس تطلعات الفئة التي قادت عملية التغيير حتى تبرر تلك الفئة عملها وتعطي لأفعالها ما يفسر وجودها... وإلا كانت مجرد تكرار لحالات سابقة.

الكلام (الاحلام) هو عادة جزء من التغيير وأحيانا يكون من نتاجات التغيير نفسه. وحين تقوم فئة بالكلام عن نفسها فإن حديثها يريد في النهاية تبرير إفعالها وتغطيتها بشيء يحلم به الناس. فالكلام عن وعود هو ايضا يعطي فرصة للفئة الجديدة للتحكم بتقاليد الأمور والامساك بها حتى تمر لحظات التغيير بهدوء ومن دون ردود فعل... وبعدها تبدأ الوقائع تفرض نفسها على الكلام لتظهر الاحلام كما هي مجرد وعود بآمال معينة.

الوعود الأميركية للمنطقة ليست جديدة. واذا راجعنا الكلام السياسي الذي صدر عن إدارة واشنطن في العقد الاخير نجد عشرات الامثلة التي تكرر نفسها عن نماذج وأنظمة ومشروعات وأسواق وحلول وغيرها من وعود لم تنفذ. ولم تقتصر تلك الوعود على منطقة «الشرق الأوسط» بل شملت معظم مناطق آسيا وافريقيا والبلدان اللاتينية وحتى الآن ذهبت تلك الأحلام وتكررت بين صبح ومساء.

حتى أن الكثير من بلدان آسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية كانت دولها قبل عشر سنوات في وضع اقتصادي أفضل مما هي عليه الآن. فالنمور الآسيوية (سبع دول) كانت أحسن بكثير وعلى مختلف المستويات مما وصلت إليه الآن. فالوعود ليست بالضرورة وقائع بل هي مجرد افكار تعكس احيانا رغبات وتطلعات وطموحات وأحيانا أخرى تقال لشراء الوقت وكسب فئات معينة تساق سوقا وراء شعارات براقة ولكنها في النهاية مجرد احلام تكتسب شرعية الوعد ولكنها لا تجد مايبررها على ارض الواقع. فالوقائع دائما تسير وفق المصالح وارادة القوي الذي يفرض شروطه على الضعيف ويحدد له السلوك الواجب اتباعه لاحبا به بل لاجل تمرير مصالح شركات كبرى تريد المزيد من النهب والمزيد من الربح.

الكلام الاميركي اليوم عن «نموذج» عراقي، ونظام اقليمي جديد في «الشرق الاوسط» وعدالة في السياسة والثروة ومشروع ربط للمنطقة بالسوق الاميركية يمكن وضعه في خانة الوعود التي تحلم بما هو الحد الاقصى لتكسب في النهاية ما هو متوافر في الحد الادنى. فالكلام المذكور قيل مرارا بعد حرب الخليج الثانية (1990 - 1991)، وتكرر بعد توقيع منظمة التحرير الفلسطينية (ممثلة بمحمود عباس) اتفاقات اوسلو مع «اسرائيل»، وقيل ايضا بعد اسقاط نظام «طالبان» في كابول، وتكرر مجددا بعد حرب الخليج الثالثة... والمحصلة العامة حتى الآن مجرد أصفار تضاف إلى أصفار.

ياسر عرفات وُعد مثلا بدولة نموذجية لا مثيل لها في «الشرق الاوسط» وقدمت إليه دراسات تقول إن غزة ستتحول إلى عروس البحر المتوسط في أقل من عشر سنوات. وصدّق عرفات الكذبة ودخلت فصائل منظمة التحرير في نقاشات أيهما أفضل لغزة والضفة النموذج السنغافوري أو الماليزي.

ودار النقاش طويلا وبدأت الخلافات على الرفاهية الموعودة ذاك يريد سنغافورة وهذا يريد ماليزيا. وبينهما تسابقت النماذج على طاولات النقاش فظهر من يميل إلى هونغ كونغ وآخر إلى كوريا الجنوبية، وآخر إلى تايوان، وهناك من اقتنع كخطوة اولى بنموذج تايلاند ومن ثم ينتقل في الخطوة الثانية إلى كوريا وفي الثالثة يقفز إلى نموذج اليابان.

وضاعت قضية فلسطين (الاستقلال وسيادة الدولة) بين أقفاص النمور الآسيوية ونسي أبو مازن أن اتفاقات أوسلو التي وقعها لا تنص على مسألة جوهرية ومهمة وهي سيادة الدولة. فالدولة من دون سيادة قانونية ودولية لا معنى لاستقلالها وهي معرضة في أية لحظة للانقلاب والتغيير والاحتلال ثانية. وهذا ما حصل بعد مرور عشر سنوات على توقيع اتفاقات اوسلو.

تكرر الامر نفسه مع حامد قرضاي في كابول إذ أسقطت عليه بعد إسقاط «طالبان» عشرات المليارات من الدولارات... وحتى الآن ينتظر تلك الوعود التي تبخرت في طريقها من طوكيو (مؤتمر الوعود والاصلاح) إلى بلاد الباشتون.

الآن يعاد انتاج الحكايات نفسها عن عراق جديد ونظام «شرق أوسطي» لا مثيل له لا في الجغرافيا وربما في التاريخ في وقت يجوع الشعب العراقي وتتحطم بقايا «دولة عرفات» في غزة والضفة.

حكايات جورج بوش الابن تشبه وعود والده فهي أقرب إلى قصة «ليلى والذئب». فما هو مطلوب من المنطقة هو بالضبط ما قصده الذئب في حكايته للطفلة ليلى. أميركا تريد افتراس «ليلى» من طريق تسليتها بقصة حالمة تنتهي بها إلى النعاس والنوم مطمئنة إلى مشاهدة الاحلام السعيدة.

يرجح أن الاحلام ستبقى مجرد وعود وإذا جاءت لن تكون سعيدة بل مجموعة كوابيس تبدأ بخريطة الطريق وتنتهي بالمزيد من الضربات لزعزعة استقرار المنطقة سواء بالتهديدات أو باللعب في الاوضاع الداخلية لدول الجوار تحت مسميات مختلفة.

الوعود هذه المرة تأتي في سياق تهديدات والوعيد بتكرار ما حصل في العراق. وإنذارات واشنطن لدول الجوار بقصد تخويفها تعني مسألة واضحة وهي: أن الاحلام هذه المرة ستأتي بعد الكوابيس... والوعد لن يتحقق إلا بعد التطويع

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 266 - الخميس 29 مايو 2003م الموافق 27 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً