العدد 255 - الأحد 18 مايو 2003م الموافق 16 ربيع الاول 1424هـ

طريق دائري

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

وصف اللقاء بين رئيس الحكومة الإسرائيلي ارييل شارون ورئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس بالفاشل. بدأ اللقاء بالتآمر على رئيس السلطة ياسر عرفات واستبعاد من يمثله في الاجتماع المغلق مع شارون وانتهى بإعلان الفشل على مستويات ثلاثة: الأمني، والسياسي، والدولي.

أمنيا حصلت ثلاث عمليات في القدس والخليل ومستوطنة في الضفة الغربية. وسياسيا حصلت مفارقات بين شارون وأبومازن، الأول طالب بوقف الانتفاضة والثاني طالب بفك الحصار عن عرفات. ودوليا ألغى شارون أو طلب تأجيل زيارته لواشنطن واللقاء مع الرئيس جورج بوش بسبب الانهيار الأمني الذي وقع خلال فترة اجتماعه مع رئيس الوزراء الفلسطيني.

حتى الآن كل التطورات التي وقعت في اليومين الماضيين مجرد تفاصيل. فما حصل ليس جديدا ولم تفتعله الأطراف للرد على مسألة محددة. فالعمليات ليست بالضرورة نتاج لحظة زمنية لأن الاستعداد لها من الصعب أن يتم في ساعات والتحضيرات تتطلب الكثير من الوقت لتنفيذ هجوم عسكري في هذه المستوطنة أو تلك.

كذلك إلغاء أو تأجيل شارون زيارته لواشنطن بذريعة أن الأولوية الإسرائيلية للمسألة الأمنية ومكافحة الإرهاب. فهذه السياسة هي استراتيجية إسرائيلية قديمة، وليست نتاج حركة انفعالية تريد القول إن شارون يريد السلام وخطة «خريطة الطريق»، بينما الجانب الفلسطيني لا يريد خطة السلام. شارون استغل العمليات الثلاث للتذرع أمام واشنطن بأن تل أبيب تعاني من مشكلات أمنية (إرهابية) كما هو أمر جورج بوش، وبالتالي فإن أولوية شارون ليست السفر إلى واشنطن، بل البقاء في القدس للإشراف على الحملات المضادة للمزيد من العمليات المرجحة أن تزداد في الأيام المقبلة.

إلغاء أو تأجيل زيارة شارون مسألة مدبرة، وهي جاءت في سياق محاولات إسرائيلية للتهرب من تنفيذ أجزاء بسيطة (وسخيفة) من «خطة الطريق»، كان على «إسرائيل» الوفاء بها حتى تستوي العلاقات ويوضع قطار «خطة الخريطة» على سكة طريق الحل السلمي. إلا أن شارون وجد في العمليات العسكرية ذريعة لتأجيل الزيارة وتغطية فشل اللقاء مع محمود عباس. حتى أبومازن الذي عينته واشنطن في منصب رئيس الوزراء الفلسطيني المستحدث للشغب على زعامة عرفات كان في موقف محرج، إذ من الصعب عليه قبول شروط شارون من دون تنازلات شكلية ينتزعها للقول أمام الشعب الفلسطيني إنه ليس مجرد دمية.

فشل الاجتماع المغلق بين شارون وعباس سبق العمليات الثلاث، وتأجيل زيارة واشنطن لأن اللقاء أساسا تم على قاعدة عزل قيادة عرفات عن المشاركة في تقرير مصير الشعب الفلسطيني في إطار «خطة الطريق»، وبدأ في إطار محاولة إسرائيلية لشق القيادة الفلسطينية من دون إعطاء أي وعد بتقديم تنازلات. فشارون طالب بالأمن أولا وأبومازن طالب بالتفاهم على نقاط محددة تبرر طلب تل أبيب وقف الانتفاضة باعتبارها شرطا للتفاهم.

إنها الطريق الدائرية نفسها التي تتكرر منذ نصف قرن. «إسرائيل» لا تعترف بجرائمها وتطالب الضحية بالاعتذار. والشعب الفلسطيني يطالب بدفع ثمن جرائم «إسرائيل» من دون أن يحصل على وعد بإعادة بعض ما أخذ منه من حق وحقوق.

«الطريق الدائرية» نفسها تتكرر منذ نصف قرن. «إسرائيل» ترتكب المجازر وتطرد الشعب الفلسطيني من أرضه وتمنع عودته وتتظاهر أمام العالم (أميركا تحديدا) بأنها الضحية وتطالب واشنطن بحمايتها عسكريا من شعب يقاتل للدفاع عن حقه وحقوقه.

الطريق إلى الخريطة كانت دائما دائرية تبدأ من نقطة وتعود إليها. وفي كل الحركات تلتف الخريطة حول القضايا الجوهرية المتعلقة بالحقوق الفلسطينية لتعيد تقديمها في صيغة أمنية لا سياسية.

الأمن أولا. هذا هو شعار شارون منذ وصوله إلى رئاسة الحكومة قبل ثلاث سنوات. والشعار الشاروني في جوهره ليس اختراعا بل هو سياسة إسرائيلية انتهجتها حكومات تل أبيب في مختلف ألوانها وأطيافها منذ أكثر من نصف قرن، ولاتزال تعتمدها بوصفها استراتيجية خاصة لا مثيل لها في مختلف أنحاء العالم. وشارون في هذا المعنى ليس استثناء بل نتاج قاعدة سياسية اعتمدتها «إسرائيل» منذ تأسيسها للالتفاف حول القضايا الجوهرية وتحويل الحقوق إلى مسألة أمنية واعتبار الأمن هو السياسة... ويسبق في كل الحالات تلك النقاط المتعلقة بالحق.

وصف اللقاء بين أبومازن وشارون بالفاشل... وفشله ليس بسبب العمليات الثلاث، بل هو مجرد انعكاس لسياسة إسرائيلية تريد تحصين الاحتلال بقبضة من حديد، وتطالب الشعب المظلوم في الآن بمساعدتها على تشديد القبضة ضد الانتفاضة انطلاقا من عزل القيادة التاريخية عن المشاركة... مجرد المشاركة في معرفة المصير الذي تريد «إسرائيل» بمساعدة واشنطن رسمه لمستقبل فلسطين وشعبها

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 255 - الأحد 18 مايو 2003م الموافق 16 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً